"الهيئة العليا" تطالب بـ"مظلة دولية": أستانة تمهيد لجنيف السوري

15 يناير 2017
تظاهرة دعماً للثورة السورية في باريس أمس السبت(العربي الجديد)
+ الخط -



تتواصل مساعي تركيا وروسيا من أجل تمهيد الطريق أمام مؤتمر أستانة السوري المقرر في 23 يناير/كانون الحالي، وسط تشديد الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن المعارضة على أن المؤتمر خطوة تمهيدية للجولة المقبلة من جنيف، مع استمرار مناداتها بمظلة دولية للمفاوضات، وتأكيد دعمها الفصائل المشاركة في اجتماعات أنقرة، والتي تبلّغت من مسؤولين أتراك تنبيهات بتبعات خطيرة على مستقبل سورية في حال عدم المشاركة في المؤتمر. يتزامن ذلك مع استمرار الغموض حول الأطراف التي ستشارك في مؤتمر أستانة، وجدل حول دعوة الولايات المتحدة إليه.
وأعلنت الهيئة العليا في ختام اجتماعات لها في العاصمة السعودية الرياض أمس السبت، موقفاً واضحاً في ما يتعلق بلقاء أستانة، إذ أكدت "دعمها الوفد العسكري المفاوض واستعدادها لتقديم الدعم اللوجستي له"، معبّرة عن أملها في أن يتمكن هذا اللقاء من ترسيخ الهدنة ومن بناء مرحلة الثقة عبر تنفيذ البنود 12 و13 و14 من قرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015، خصوصاً في ما يتعلق بفك الحصار عن جميع المدن والبلدات المحاصرة وإدخال المساعدات وإطلاق سراح المعتقلين.
وثمّنت الهيئة العليا الجهود المبذولة لنجاح لقاء أستانة باعتباره خطوة تمهيدية للجولة المقبلة من المفاوضات السياسية التي أعلن المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا عن استئنافها في الثامن من شهر فبراير/شباط المقبل في جنيف، مؤكدة أن بحث المسار السياسي هو مسؤولية دولية يجب أن تتم تحت مظلة الأمم المتحدة وبإشرافها الكامل، وأن تسير وفق المرجعيات القانونية المتمثلة في بيان جنيف والقرارات الأممية ذات الصلة.
واعتبرت الهيئة أن الهدنة الراهنة هي مطلب أساسي لوقف نزيف الدم السوري، ويمثل نجاحها خطوة مهمة نحو الحل السياسي وبناء الثقة، مع التشديد على ضرورة شمولها سائر الأراضي السورية، مع استثناء التنظيمات الإرهابية التي حددتها الأمم المتحدة. وحذرت الهيئة في الوقت ذاته من استمرار خروقات النظام والمليشيات الطائفية لهذه الهدنة في عدد من المواقع السورية، خصوصاً في وادي بردى والغوطة بريف دمشق. كما استنكرت استمرار هذه القوات في سياسات التهجير القسري ومحاولات تغيير البنية السكانية في سورية. وأكدت الهيئة تفاعلها الإيجابي مع أية مبادرة تسهم في حقن الدم السوري وتعزيز فرص الحل السياسي الذي يلبي مطالب الشعب السوري وتطلعاته لإنهاء مرحلة الاستبداد، معربة عن ترحيبها بجهود الأمم المتحدة والدول الشقيقة والصديقة في هذا المجال.
كذلك أكدت رغبتها في استئناف مفاوضات الحل السياسي في جنيف من دون أية شروط مسبقة، ما دامت هذه المفاوضات منطلقة من مرجعية بيان جنيف لعام 2012 والقرارات الدولية ذات الصلة، والتي رسمت مسار الحل السياسي. وأكدت الهيئة ضرورة الحضور العربي والدولي في مفاوضات الحل السياسي، خصوصاً مجموعة الدول التي وقفت إلى جانب الشعب السوري في محنته الراهنة، مع التأكيد أن أية مبادرة سياسية يجب أن تنطلق من أجندة واضحة وجدول زمني محدد، وتعمل على تشكيل وفدها المفاوض للجلسة المرتقبة.
أما عن اجتماعات أنقرة بين الفصائل العسكرية والجانب التركي، فقد أكدت مصادر مشاركة في الاجتماعات لـ"العربي الجديد" أن الفصائل "لم تخرج بقرار بعد"، مشيرة إلى أن المداولات "لا تزال قائمة". وأشارت المصادر إلى أن الجانب التركي يحاول إقناع حركة "أحرار الشام"، أكبر فصائل المعارضة السورية، بالموافقة على الذهاب إلى مؤتمر أستانة "كي تعطيه زخماً أكبر"، كما أن موافقة الحركة على اتفاق مقبل سواء كان عسكرياً أو سياسياً تساعد في تثبيته على الأرض، نظراً للثقل العسكري والشعبي الذي تمتلكه في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
وذكرت مصادر إعلامية أن قائد الحركة علي العمر (أبو عمار) موجود في أنقرة، ولكن المتحدث باسم الحركة أحمد قره علي، لم يؤكد أو ينفِ هذا الأمر، واكتفى في تصريح لـ"العربي الجديد" بالقول: "نحن نحضر اجتماعات أنقرة، وما زالت المشاورات مستمرة مع الفصائل للخروج بموقف موحد".


وتقف المعارضة السورية على مفترق طرق في ظل خيارات "أحلاها مر"، فهي لا تستطيع رفض الذهاب إلى مؤتمر أستانة، فالرفض يرتب عليه تبعات كبرى قد لا تستطيع تحمّلها في ظل جنوح إيراني نحو الحسم العسكري، خصوصاً في دمشق ومحيطها. وذهابها في ظل ظروف ميدانية، وإقليمية، ودولية غير مؤاتية ربما لن يلبي الحد الأدنى من مطالب الثورة السورية، وهو استبعاد بشار الأسد وأركان حكمه من حل نهائي، وقد تضطر إلى تقديم "تنازلات مؤلمة".
وذكرت مصادر تشارك في اجتماع أنقرة منذ أيام أن الأتراك نبّهوا المعارضة من عدم المشاركة في مؤتمر أستانة المرتقب، مشيرة إلى أن مسؤولين أتراك "رفيعي المستوى" أكدوا أن إيران تسعى إلى تحميل المعارضة مسؤولية تعطيل انعقاد المؤتمر كي تشرع في معارك أعدت لها في ريف حلب الجنوبي هدفها الوصول إلى بلدتي كفريا والفوعة بالقرب من مدينة إدلب (شمال غربي البلاد)، ومن ثم إخضاع المعارضة في المحافظة كلها. وأشارت المصادر إلى أن المسؤولين الأتراك نبّهوا من عمليات تهجير كبيرة ستقوم بها إيران في دمشق ومحيطها في حال عدم انعقاد المؤتمر الذي سيقطع الطريق أمام المساعي الإيرانية على هذا الصعيد.
ونفت المصادر معلومات تناقلتها وسائل إعلام عن وجود ضغط تركي مباشر للمعارضة للمشاركة، مشيرة إلى أن الأتراك شرحوا خلال اجتماعهم مع ناشطين وشخصيات معارضة وقادة فصائل، وجهة نظرهم، وحددوا المخاطر جراء عدم اتخاذ موقف إيجابي تجاه المؤتمر.
وكشفت المصادر أن المرحلة الأولى من اجتماعات أستانة "ستكون عسكرية" بين ضباط من قوات النظام، وضباط وقادة فصائل من المعارضة من أجل تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار وتعزيزه، مشيرة إلى أن الروس "مهتمون بالمحافظة على المؤسسة العسكرية في البلاد"، مضيفة: "تشعر موسكو أن بقاء المؤسسة العسكرية ضمان لعدم انزلاق البلاد أكثر في حروب أهلية تعرّض سورية فعلياً للفوضى التي لن تبقى حبيسة داخل الجغرافيا السورية، كما أن ارتباط المؤسسة العسكرية بموسكو يتيح للأخيرة التحكّم في كل مفاصل القرار في سورية في أي تسوية مقبلة، ويحد من التمدّد الإيراني، وهو ما يعزز النفوذ الروسي في شرق المتوسط، ويمنح الروس أوراق قوة في إطار الحرب الباردة بينها وبين الغرب".
في غضون ذلك، يستمر الجدل حول دعوة الولايات المتحدة الأميركية إلى هذا المؤتمر، مع تأكيد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أمس السبت، أن تركيا وروسيا قررتا دعوة الولايات المتحدة لحضور مؤتمر أستانة. وأعلن استمرار معارضة تركيا ضم وحدات حماية الشعب الكردية إلى المؤتمر، قائلاً "لتدعو الولايات المتحدة داعش أيضاً في هذا الحالة".
في المقابل، كانت صحيفة "واشنطن بوست" قد ذكرت أن روسيا دعت فريق الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى أستانة، متجاوزة بذلك إدارة الرئيس باراك أوباما، مع الإشارة إلى أن ترامب يتولى مهامه في الـ 20 من الشهر الحالي. وفيما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية مارك تونر الجمعة "لم نتلق أي دعوة رسمية إلى الاجتماع"، كشفت "واشنطن بوست" عن أن السفير الروسي في واشنطن سيرغي كيسلياك دعا الولايات المتحدة إلى الاجتماع خلال مكالمة هاتفية أجراها في 28 ديسمبر/كانون الأول مع المستشار المقبل للأمن القومي في البيت الأبيض مايكل فلين. ونقلت الصحيفة عن مسؤول لم تسمه في الفريق الانتقالي لترامب قوله "لم يتخذ أي قرار" في الاتصال.
من جهته أكد المتحدث المقبل باسم البيت الأبيض شون سبايسر للصحافيين أن الاتصال الهاتفي "تطرق إلى الأمور اللوجستية للتحضير لمكالمة هاتفية بين الرئيس الروسي والرئيس المنتخب بعد تنصيبه". ورفض نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف الروسي التعليق على المعلومات عن هذا الاتصال.
في هذه الأثناء، تسعى إيران لتكون لاعباً رئيسياً في مؤتمر أستانة، كي لا تترك الأتراك والروس وحدهم ليقرروا مستقبل سورية. ونجحت طهران في المشاركة مساء الجمعة في اجتماع عُقد في وزارة الخارجية الروسية للتباحث بشأن التحضيرات لمؤتمر أستانة. وأفاد بيان صادر عن الخارجية الروسية بأن الاجتماع حضره كل من مساعد وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، ورئيس قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية الروسية سيرغي ويرشين، ومساعد وزير الخارجية التركي سادات أونال، ومساعد وزير الخارجية الإيراني حسين جابري أنصاري. وأضاف البيان أن الأطراف توافقوا على أن مؤتمر أستانة "سيساعد في ضمان عملية وقف إطلاق نار مستقر، ومواصلة القتال ضد الجماعات الإرهابية، وتسريع عملية التسوية السياسية في سورية".
كذلك بحث نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، مع سفير النظام السوري لدى روسيا، رياض حداد، الاستعدادات لمفاوضات أستانة. وقالت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، إن المسؤولين "أعربا عن رضاهما عن خلق نظام وقف إطلاق النار (القائم في سورية) فرصا لازمة لتخفيف الوضع الإنساني في سورية والجهود الرامية إلى تمرير الحل السياسي بناء على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254".
ورأى يحيى العريضي، أحد مستشاري وفد المعارضة المفاوض، أن إيران والنظام السوري "أكبر المتضررين من وقف إطلاق النار في سورية"، موضحاً أن "إيران تسعى إلى استكمال مشروعها في سورية، وبالتالي فوقف إطلاق النار والعودة إلى المسار التفاوضي يُعدّ ضربة كبيرة لهذا المشروع". وأضاف العريضي في حديث مع "العربي الجديد": "النظام حريص على استمرار الحرب في سورية، فهي الضامن الوحيد لبقائه"، مشيراً إلى أن مجرد تثبيت وتحصين هذا الاتفاق في مؤتمر أستانة يُعدّ إنجازاً.
ورأى أن هناك توجهاً دولياً للعودة إلى التفاوض للتوصل إلى تسوية في سورية وفق قرارات دولية تنص على انتقال سياسي يقوم على تشكيل هيئة حكم انتقالي، مضيفاً: "بعثرة هذا الجهد تُعدّ خسارة كبيرة للمعارضة السورية". واعتبر أي جهد يصب في صالح وقف النزيف السوري مرحباً به، مردفاً بالقول: "ولكنه ليس بديلاً عن استحقاقات أخرى دعت إليها قرارات صادرة عن مجلس الأمن الدولي، أبرزها القرار 2254 الذي يؤسس لحل قابل للصمود في سورية".
من جهته، رأى الدبلوماسي السوري المعارض بسام العمادي أن المؤتمر بحد ذاته "لا يعني شيئاً"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد": "المنخرطون في الحدث من جميع الأطراف هم من يعطونه الأهمية"، مشيراً إلى منافع المعارضة من حضور المؤتمر تتوقف على من سيحضره ممثلاً للثورة، والشعب السوري". وأضاف العمادي: "إذا جرى الأمر كما كان في مفاوضات جنيف، فلا أمل في تحقيق شيء لأن المنخرطين ما زالوا من خارج منطقة التأثير والتمثيل الحقيقي للثورة، والشعب السوري".