توقيع اتفاق جنوب السودان اليوم: ماذا ستجني الخرطوم؟

05 اغسطس 2018
أهداف السودان من الاتفاق كثيرة (أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -

تطوي الخرطوم، اليوم الأحد، ملف السلام في دولة جنوب السودان، بتوقيع الحكومة الجنوبية وأبرز جماعات التمرد بزعامة رياك مشار، على اتفاق سلام شامل، لإنهاء حرب أهلية استمرت نحو 5 سنوات، في البلد الأفريقي الذي لم يتعد عمره السنوات السبع. وكان النزاع الدموي في جنوب السودان قد اندلع في ديسمبر/كانون الأول من عام 2013، وذلك بعد سنتين من انفصال الدولة عن السودان. ونتج الصراع عن خلافات حادة بين الرئيس سلفاكير ميارديت، المنتمي إلى قبيلة الدينكا، أكثر قبائل جنوب السودان تأثيراً، ونائبه الأول رياك مشار، المنتمي لقبيلة النوير المنافسة للدينكا. وبدأت المواجهات مباشرة في ذلك العام، عقب قرار من الرئيس سلفاكير إقالة مشار من منصب النائب الأول، بعد أن اتهمه بالسعي للإطاحة به والهيمنة على مفاتيح القرار في الدولة.

وتسببت الحرب في مقتل عشرات الآلاف، وفي لجوء أكثر من مليوني شخص إلى دول الجوار، وفي تدهور معيشي مريع في حياة المواطن الجنوب سوداني. كما أنها أثرت بصورة مباشرة في عمليات ضخ النفط وتصديره عبر الموانئ السودانية، بعدما كانت جوبا تنتج نحو 350 ألف برميل من النفط يومياً قبل الحرب الأهلية.

ومع هذا الوضع، تدخلت منظمة التنمية الحكومية، المعروفة اختصاراً بـ(إيغاد)، في محاولة منها لوقف نزيف الدم، بالتوسط للوصول إلى سلام، ونجحت في عام 2015 في مسعاها بتوقيع الطرفين على اتفاق في أديس أبابا، الذي عاد بموجبه رياك مشار إلى منصب النائب الأول للرئيس. لكن ذلك الاتفاق سرعان ما انهار في يوليو/تموز 2016، فتجددت الحرب، وسط انشقاقات متتالية داخل الحكومة، وبروز فصائل أخرى متمردة.

على ضوء ذلك، اتخذت دول "إيغاد" قراراً بفرض الإقامة الجبرية على رياك مشار في جنوب أفريقيا، بتأييد من الولايات المتحدة والاتحاد الأفريقي وجهات أخرى. لكن تلك الخطوة لم يكن لها تأثير إيجابي على عملية السلام، فعادت المنظمة مرة أخرى للتوسط، لكن من دون نجاح، حتى وصل بها اليأس إلى التلويح بفرض عقوبات على القيادات السياسية في جنوب السودان، بالتنسيق مع الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة.



غير أن السودان، العضو في "إيغاد"، رفض مبدأ العقوبات، واقترح منحه فرصة لاستضافة جولة مفاوضات في الخرطوم، في سياق 3 مسارات، أمنية وسياسية واقتصادية، مركزاً على الجانب الاقتصادي باعتباره مفتاحاً للحل.

ولم تنكر الحكومة السودانية وجود مصلحة لها في إنجاح التفاوض، لا سيما وأن جهودها تلك تزامنت مع أزمة اقتصادية خانقة واجهتها منذ بداية العام الحالي، فشلت معها كل المعالجات الداخلية، بموازاة فشل مساعيها لحلحلتها من خلال الحصول على دعم خارجي، حتى من أقرب حلفائها الجدد، السعودية والإمارات. ولم يعد أمامها من خيار سوى الاستفادة من جنوب السودان، حيث تتحصل على أكثر من 25 دولارا كعمولة عن كل برميل نفط، عبارة عن رسوم عبور واستخدام خطوط الأنابيب والتكرير، فضلاً عن استقطاعها أموالا أخرى من إيرادات تصديره من ضمن استحقاقات للسودان بسبب انفصال الجنوب.

وبالفعل، انطلقت مفاوضات فرقاء الأزمة في الخرطوم، في 25 يونيو/حزيران الماضي، بمشاركة حكومة جنوب السودان، والحركة الشعبية المعارضة التي يقودها رياك مشار، إضافة إلى 28 فصيلاً بعضها مسلح. وخلال أكثر من شهر من التفاوض، نجحت الخرطوم في إقناع الأطراف بالتوقيع أولاً على إعلان مبادئ يشمل وقفاً لإطلاق النار، ثم على اتفاق أشمل للترتيبات الأمنية لتجميع القوات وبناء جيش قومي، إضافة إلى اتفاق آخر يتعلق بترتيبات الحكم واقتسام السلطة خلال فترة انتقالية مدتها 3 سنوات تنتهي بإجراء انتخابات عامة. ومن المقرر تجميع كل الاتفاقات في مسودة شاملة لاتفاق شامل للسلام في جنوب السودان سيوقع عليه، اليوم الأحد، بحضور عدد من الزعماء الأفارقة.



وبحثاً عن مصلحتها الاقتصادية، استبقت الخرطوم خطوة التوقيع النهائي على اتفاق السلام في الجنوب، بالوصول إلى توافق مكتوب مع جوبا، حول التعاون في مجال النفط، بما يضمن لها تنفيذ مشروع إعادة تأهيل الآبار التي دمرتها الحرب، ويحدد لها نصيبها من العمليات، إنتاجاً وعبوراً وتصديراً، بما يسمح لها كذلك حتى بالمشاركة في حماية الآبار داخل الجنوب، في حال تجدد النزاع المسلح.

بدوره، رأى النائب السوداني عن حزب المؤتمر الوطني الحاكم، بابكر محمد توم، أن "الفائدة الكبرى التي سيجنيها السودان بعد توقيع سلام الجنوب، تتمثل في الإيرادات النفطية التي ستضخ في الميزانية العامة، وفي تكرير الخام، لتخفيف حدة أزمة الوقود التي مرت بها البلاد طوال الأشهر الماضية".

وعدّد توم، في حديث لـ"العربي الجديد"، مكاسب أخرى، منها "حصول السودان على مكانة إقليمية، تمكنه من الاستفادة من المنظمات الإقليمية، بما فيها منظمة إيغاد نفسها التي ذكر أنها تنفذ مشاريع تنموية وخدمية كبيرة، بدعم من شركائها وأصدقائها، ومنهم الولايات المتحدة وبريطانيا".

وأضاف أن "سوق جنوب السودان سينفتح مرة أخرى على الصادرات السودانية، بعد أن سيطرت عليه دول أخرى في السنوات السابقة، مشيراً إلى وجود 160 سلعة سودانية قابلة للتصدير للجنوب وليست لها قابلية للتصدير لدول أخرى. وأكد أن كل ذلك سينشّط التجارة الحدودية وتبادل السلع، بما يعود بفوائد كبيرة على الاقتصاد السوداني". ونبّه توم إلى أن "السوق السوداني، في المقابل، سيستفيد من العمالة الجنوبية، خصوصاً في مواسم الحصاد وغيرها، كما أنه سيقلل من حدة التوتر على الحدود، وبالتالي يقلل الإنفاق الأمني من الموازنة العامة".

لكن السفير السابق في وزارة الخارجية، الطريفي كرمنو، لا يتوقع حصول السودان على حوافز اقتصادية من المجتمع الدولي، خصوصاً الولايات المتحدة، بعد إنجازه الاتفاق. وأشار كرمنو، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "السودان يمكن أن يحظى بوعود تذهب مع الريح، كما ذهبت وعود سابقة قبل سنوات بمنحه 4 مليارات دولار بعد موافقته على اتفاق سلام مع الجنوب نفسه في 2015".



واعتبر أن "الخرطوم نجحت في سلام الجنوب، لأنها تفهم القضية بحكم التاريخ والجغرافيا، وأن السودان نفسه لديه أزمات مشابهة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، يفترض أن تكون لها الأولوية في جهود الخرطوم". أما بخصوص رفع السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب، قال إنه "لا علاقة أساساً بين الموضوعين".

أما سياسياً، فرأى الصحافي هيثم عثمان أن "الحكومة السودانية ستجني ثمرات سياسية مفيدة لها بعد إنجاز اتفاق السلام، وهو الأمر الذي فشلت في تحقيقه القوى الغربية الإقليمية. كما مكّن لها الاتفاق التقارب أكثر مع حكومة الجنوب بعد خلافات عميقة معها. هذا غير التقارب النسبي مع المعارضة، فضلاً عن المكاسب الدبلوماسية بتحسّن علاقاته مع أوغندا ومصر وكينيا"، مضيفاً أن "السودان بعد هذا الحدث سيبرز كوسيط ناجح يمكنه أن يسهم مستقبلاً في حلّ كثير من قضايا المنطقة، تحديداً في الملف الليبي".

أما ردة فعل الولايات المتحدة، على وجه التحديد، تجاه إنجاز الخرطوم اتفاق السلام في الجنوب، ومدى إسهامه في رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وإمكانيه دعم السودان، فرأى المحلل السياسي السر سيد أحمد، أن "واشنطن، عبر بيان للبيت الأبيض، شككت في مآلات جهود السلام الحالية، على أساس أنها قاصرة ولن تنهي دورة العنف، وتحتاج إلى أن تكون أكثر شمولاً بضم مؤسسات المجتمع المدني والنساء والكنائس إلى الجهود الحالية". وأشار سيد أحمد، لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "في ظل تلك التحفظات، لن تسهم واشنطن في دعم السودان مالياً". ولفت إلى أن "بقية الدول الغربية كل منها مشغول بقضاياه الخاصة، وليس لديهم الكثير لتقديمه إلى السودان".

وأبدى اعتقاده بأنه "من الممكن لاتفاقية السلام الجنوبي أداء دور غير مباشر في رفع اسم السودان من القائمة الأميركية، لكن عملية الرفع تلك لها مسارات واستحقاقات مختلفة تتطلب من الدبلوماسية السودانية تعاملاً مختلفاً، كماً وكيفاً".



المساهمون