بريطانيا والإرهاب... مواجهة حقيقية أم هروب إلى الأمام؟

14 يناير 2015
كاميرون سارع إلى تشديد الإجراءات الأمنية (Getty)
+ الخط -
سواء وقع الحدث الإرهابي في جزيرة بالي الإندونيسية، أو باريس الفرنسية، أو حتى في شوارع لندن، تجد صنّاع القرار السياسي والأمني في بريطانيا يهرعون إلى "الإجراءات الأمنية" وكأنها اللقاح السحري الذي سيحصّن الجسد البريطاني من الإصابة بوباء التطرف أو الإرهاب.

اليوم وعلى خلفية الهجمات الإرهابية في باريس، سارع رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، إلى عقد سلسلة من الاجتماعات مع كبار القادة في الأجهزة الأمنية، تمخّض عنها التوافق على تشديد الرقابة الأمنية على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، باعتبارها المنصات الأخطر التي يتمترس في "زواياها المظلمة" الإرهابيون ويوظفونها لتواصل خلاياهم المنتشرة عبر العالم، ولنشر الدعاية التحريضية، وفي عمليات التعبئة والتجنيد.

ورأى كاميرون أن دعم الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في بلاده بمزيد من الصلاحيات والسلطات قد يُجنّب المملكة المتحدة أعمالاً إرهابية، مثل تلك التي شهدتها العاصمة الفرنسية الأسبوع الماضي. وتأتي دعوة كاميرون على خلفية التحذيرات التي أطلقها رئيس جهاز الاستخبارات الداخلية "إم آي 5" أندرو باركر، وقال فيها إن أجهزة الاستخبارات قد تواجه خطراً حقيقياً إذا ما فقدت القدرة على مراقبة الزوايا المظلمة في فضاء الإنترنت.

دعوات كاميرون، التي تتجدد كل مرة كردّ فعل على أي عمل إرهابي، حتى أنها باتت "ممجوجة" وفقدت أي تأثير في طمأنة الرأي العام البريطاني، جوبهت بموجة من التحذيرات والتشكيك في جديتها، بل إن البعض شكك في نواياها.

واعتبر نائب رئيس الوزراء، وزعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي الشريك في الحكومة الائتلافية، نيك كليغ، أن منح تفويض أوسع لأجهزة الأمن في مراقبة الإنترنت ووسائل الإعلام الجديد في الحكم، سيشكّل انتهاكاً للحريات المدنية، التي تُعتبر أهم إنجازات النظام الديمقراطي البريطاني.

أما افتتاحية صحيفة "ذا غارديان" ليوم أمس، الثلاثاء، فاعتبرت أن تفويض المزيد من الصلاحيات لأجهزة الأمن هو الجواب الخاطئ لمواجهة خطر الإرهاب.

وقالت الصحيفة في مقالة لها: "لا يجب ان نضحي بالأركان الأساسية للديمقراطية، الحرية والتسامح والانفتاح، بمنح المزيد من القوة لأجهزة الأمن والمراقبة".

أوساط الإعلاميين والمراقبين في العاصمة البريطانية عبّرت عن مخاوفها من استغلال التيارات اليمينية لمثل هذا السلوك من قِبل حكومة لندن، وغيرها من الحكومات الغربية، وخصوصاً أن الأحزاب والحركات اليمينية شرعت حتى قبل أحداث باريس في إطلاق دعوات معادية للمهاجرين، خصوصاً المسلمين منهم، فقد نادى زعيم حزب الحرية الهولندي، غريت ويلدرز، في شريط مصوّر بُث على موقع "يوتيوب"، إلى حظر الهجرة من الأقطار الإسلامية إلى أوروبا بشكل تام. بينما دعت زعيمة "الجبهة الوطنية" الفرنسية، ماري لوبين، إلى إعادة العمل بحكم الإعدام في حق الإرهابيين، فيما حمّل زعيم حزب "الاستقلال" اليميني في بريطانيا، نايجل فراج، مسؤولية أحداث باريس للمسلمين لأنهم فشلوا في الاندماج في مجتمعات متعددة الثقافات. أما حركة "بيغيدا" الألمانية المناهضة لأسلمة الغرب، فاستمرت في تنظيم التظاهرات في مدينة درسدن.

وفي قراءة أخرى للإجراءات التي أعلن عنها رئيس الوزراء البريطاني وقادة أجهزته الأمنية، رأى بعض المحللين أن هذا السلوك من قِبل المؤسستين السياسية والأمنية قد يُعمّق الانقسام المجتمعي في بريطانيا، ويزيد التباعد بين مكوّنات المجتمع الإثنية، ويخلق تربة خصبة لتنامي التطرف، خصوصاً إذا ما كانت الشريحة المسلمة هي الأكثر استهدافاً بمثل هذه الإجراءات الأمنية.

في المقابل، إذا ما استغلت إثنيات أخرى، مثل اليهود أو الحركات اليمينية، "غول الإسلاموفوبيا" لتحقيق مكاسب وامتيازات سياسية أو أمنية أو اجتماعية، فقد يثير ذلك سخط وغضب إثنيات وتنظيمات مجتمعية أخرى.

كتاب رأي ومحللون آخرون، ذهبوا بعيداً بتشكيكهم في مصداقية حكومة كاميرون وإجراءاتها في مواجهة الإرهاب، واعتبروا أن ما تثيره الحكومة من مخاوف و"حرب على الإرهاب"، لا يعدو أن يكون خطوات تهرب بها الحكومة إلى الأمام لتتجنب مواجهة استحقاقات حقيقية باتت تقض مضاجع البريطانيين، وتعكر صفو حياتهم اليومية أكثر من "الإرهاب"، ومنها تراجع مستوى الخدمات الصحية، والاكتظاظ في المدارس الابتدائية، التي لم تعد قادرة على استقبال المزيد من التلاميذ، وارتفاع تكاليف السكن والعقارات، أضف إلى ذلك تزايد أعداد المهاجرين من دول الاتحاد الأوروبي، وما نتج عن ذلك من ضغط على البنى التحتية ومستوى خدمات المؤسسات العامة في كل القطاعات.

المساهمون