انطلاق تهجير الغوطة الغربية وإبادة ريفَي حماة وإدلب

29 ديسمبر 2017
أجبرت المعارضة على القبول بالتهجير إثر الحصار (فرانس برس)
+ الخط -

يشنّ النظام السوري، بمساندة الطيران الروسي، حرب إبادة ضدّ مدن وبلدات ريفي حماة وإدلب، في سعيه لتحقيق تقدّم في المنطقة، وسط مقاومة شديدة من جانب فصائل المعارضة، ومعارك كرّ وفرّ بين الجانبين، أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات من الجانبين، فضلاً عن عشرات الضحايا بين المدنيين، وتدمير هائل في البنى التحتية.

ويسعى النظام السوري إلى توسيع مناطق سيطرته لتشمل كل البلاد، خصوصاً بعد انحسار "مرحلة داعش" وبدء مرحلة قضم ما بين أيدي المعارضة من مناطق، وفي هذا السياق جاءت عملية تفريغ آخر مناطق المعارضة في الغوطة الغربية من مقاتليها وأهلها، التي بدأت، أمس الجمعة، عبر حافلات تقل المرحلين إلى محافظتي إدلب ودرعا.

وشنّ الطيران الروسي وطيران النظام الحربي والمروحي غارات مكثفة بالصواريخ الفراغية والارتجاجية والعنقودية والبراميل المتفجرة، فضلاً عن القصف بالمدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ، مستهدفاً العديد من قرى وبلدات ريفي حماة وإدلب، في وقت أدى قصف الطيران الحربي الروسي إلى مقتل مدنيين وجرح آخرين في مدينة معرة النعمان.

وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" إن القصف الجوي والمدفعي طاول بلدة التخوين في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، إضافة إلى قرى الصرمان والتمانعة والمشيرفة ومزارع سكيات وصهيان وبداما وأم جلال ومزارع السيد علي وبابولين وخان السبل ومريجب الثليجة وتل خزنة وأم مويلات، والعديد من القرى والبلدات الأخرى في ريف إدلب الشرقي والجنوبي، وسط حالة هلع بين المدنيين وحركة نزوح كبيرة من المناطق المذكورة.

وأعلن الدفاع المدني انتشال جثث ثلاثة مدنيين من جرّاء غارات للطيران الروسي استهدفت قرية تحتايا بريف إدلب الجنوبي ليل الخميس الجمعة، ما يرفع عدد ضحايا القصف الجوي على ريف إدلب الجنوبي إلى 22 قتيلاً، معظمهم أطفال ونساء، فيما أُعلن عن إلغاء صلاة الجمعة في عدد من قرى وبلدات ريف إدلب الشرقي نتيجة الحملة الجوية على تلك المناطق.


وتشهد المناطق الفاصلة بين إدلب وحماة معارك عنيفة بين فصائل المعارضة وقوات النظام التي تسعى بدعمٍ روسيّ إلى السيطرة على المنطقة. وأعلنت الفصائل تمكنها من استعادة قرية أبو دالي في ريف حماة الشرقي وقتل نحو 60 عنصراً للنظام. وتحولت قرية أبو دالي إلى خط مواجهة بين الجانبين بعد أن دخلتها قوات النظام يوم الخميس، قبل أن تجبر على الانسحاب منها بعد ساعات. لكن القرية ما زالت هدفاً رئيسياً لقوات النظام ومليشياتها مع غطاء جوي روسي مكثّف. وروّجت أوساط النظام أن القرية بحكم الساقطة نارياً، بسبب محاصرتها من ثلاث جهات، الأمر الذي نفته المعارضة وأكّدت أنها أحكمت سيطرتها على القرية ومحيطها، كذلك نفت أن تكون محاصرة، كما يقول النظام.

وكانت قوات النظام قد سيطرت قبل يومين على بلدة أم حارتين القريبة من عطشان، التي تقع غربي محور المشيرفة وأبو دالي، في سعي إلى حصار الأخيرة من الطرفين. وبحسب "الإعلام الحربي المركزي" التابع للنظام فقد "سيطر الجيش السوري وحلفاؤه على قريتي الضبعة والمغارة شمالي كتيبة الدفاع الجوي المهجورة"، إضافة إلى تل المقطع، المشرف على قرية أبو دالي من الجهة الجنوبية الشرقية.

وتحاول قوات الأسد التوغّل في ريف حماة الشمالي والشرقي بدءاً من قرية أبو دالي ووصولاً إلى مدينة اللطامنة. وكانت "هيئة تحرير الشام" قد سيطرت على أبو دالي، التي تفصل ريف حماة الشرقي عن إدلب الجنوبي، بعد يومين من حصارها، في 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وكانت تخضع سابقاً لسيطرة عشائر موالية للنظام السوري، برئاسة الشيخ أحمد درويش، عضو مجلس الشعب، وتعدّ من أهم المراكز التجارية في المنطقة، لكل من النظام والمعارضة.


وتقول "هيئة تحرير الشام" وفصائل المعارضة إنها تواصل هجومها المعاكس ضد قوات النظام السوري بعد استعادتها قرية أبو دالي وأجزاء من قرية المشرفة، وما تزال المعارك مستمرة بشكل عنيف في محاور القتال، وسط وقوع خسائر بشرية في صفوف الطرفين. وأكدت مصادر محلية مقتل وجرح مجموعة من قوات النظام، إثر انفجار لغم على محور قرية المشيرفة شرقي حماة.

وظهر القائد السابق لـ"هيئة تحرير الشام"، هاشم الشيخ (أبو جابر)، على خط المواجهات في ريف حماة الشرقي، التي تحاول قوات النظام التوغل من خلاله وصولاً إلى مطار أبو الضهور العسكري. ونشرت وكالة "إباء" التابعة لـ"تحرير الشام"، أمس، صورة للشيخ، وقالت إنه "في خطوط الرباط الأولى على جبهات ريف حماة الشرقي".

من جهة أخرى، دارت اشتباكات عنيفة داخل قرية أبو خنادق شرق حماة، بين فصائل المعارضة وتنظيم "داعش"، في محاولة من الأخير لاقتحام القرية، بينما ذكرت مصادر محلية أن "هيئة تحرير الشام" بدأت بشنّ هجوم معاكس ضد التنظيم على هذا المحور بهدف استعادة السيطرة على المواقع التي خسرتها خلال الأسابيع الأخيرة. وأشارت المصادر إلى أنّ معارك عنيفة تدور في القرية منذ صباح أمس، إثر تمكّن مقاتلي "تحرير الشام" من اقتحام مواقع في أطراف القرية. وأعلنت الهيئة عن تدمير مدفع رشاش 23 ملم، ومقتل عناصر من "داعش" خلال الاشتباكات.

وسيطر تنظيم "داعش" على أكثر من عشرين قرية في نواحي الحمراء والسعن، إثر هجومه على ريف حماة الشرقي قادماً من منطقة عقيربات، بينما تمتنع طائرات النظام وروسيا عن استهداف مواقعه.

وفي جنوب البلاد، بدأت أمس عملية ترحيل مقاتلي المعارضة مع عائلاتهم وبعض المدنيين من منطقة بيت جن ومحيطها باتجاه محافظتي إدلب ودرعا، بموجب اتفاق بين النظام وفصائل المعارضة، لتخسر الأخيرة بذلك آخر مواقعها في الغوطة الغربية لدمشق. وقالت مصادر محلية إن عشر حافلات أقلت نحو 300 عنصر من مقاتلي المعارضة، إذ توجّه عناصر "هيئة تحرير الشام" إلى إدلب في الشمال السوري وبقية الفصائل إلى درعا في الجنوب، مع مجموعة من المدنيين وترافقهم سيارات الهلال الأحمر.

ويأتي ذلك بعد معارك عنيفة استمرت لأشهر وأجبرت المعارضة و"هيئة تحرير الشام" على القبول بالتهجير إثر الحصار المفروض بشكل كامل في المنطقة. ومع سيطرة النظام على بيت جن يكون قد سيطر بشكل كامل بالشراكة مع "حزب الله" اللبناني على ريف دمشق الغربي الممتد من القلمون الشرقي إلى هضبة الجولان المحتلة.

وأوضحت المصادر أنه سمعت أصوات تفجير داخل بيت جن قبل بدء عملية الترحيل، يعتقد أنها ناجمة عن قيام عناصر المعارضة بتفجير مخازن أسلحتهم قبل المغادرة حتى لا يستخدمها النظام، مشيرة إلى أن الترحيل لا يشمل جميع المقاتلين، إذ إن البعض سيتم "تسوية وضعه" ويبقى في بيت جن ومزرعتها.

وتقول المصادر إن الاتفاق يتضمّن قبول الفصائل تسليم السلاح الثقيل للنظام وخروج المقاتلين بأسلحتهم الفردية، ضمن قافلتين، تنطلقان من قرى مغر المير وبيت جن ومزرعة بيت جن.

من جهة أخرى، لفتت بعض المصادر إلى أن لواء "عمر بن الخطاب" بقيادة المدعو "مورو" (إياد كمال)، سيبقى في المنطقة، وذلك ضمن ما يعتقد أنه اتفاق روسي – إسرائيلي يتضمّن ضمانة روسية بألّا تدخل قوات تتبع للمليشيات الإيرانية أو مليشيات "حزب الله" إلى المنطقة، على أن يتولّى "مورو" دوراً رئيسياً في المنطقة حتى بعد دخول قوات النظام التي سيكون دخولها شكلياً ومؤقتاً، بحسب هذه المصادر.

وفي الغوطة الشرقية، دارت اشتباكات عنيفة بين قوات النظام ومقاتلي المعارضة على محاور عدة داخل إدارة المركبات في مدينة حرستا، بالتزامن مع قصف مدفعي استهدف محاور الاشتباك ومدن وبلدات الغوطة، لا سيما مدينتي حرستا ودوما، ما أدى لإصابة عدد من المدنيين بجروح. وقال "مركز الغوطة الإعلامي" إن قوات النظام قصفت بالمدفعية الثقيلة الأحياء السكنية في حرستا ما أسفر عن وقوع جرحى بينهم طفل، موضحاً أن أحد المدنيين أصيب بجروح خطيرة.

وكانت الغوطة المحاصرة قد شهدت هدوءاً نسبياً مع قيام الهلال الأحمر السوري بإجلاء 29 من الحالات الحرجة بين المرضى عبر معبر مخيم الوافدين الواقع في أطراف مدينة حرستا. وجاءت عملية الإجلاء إثر اتفاق أبرم بين فصيل "جيش الإسلام" المعارض وقوات النظام، لإجلاء تسعة وعشرين حالة طبية حرجة، مقابل إطلاق عدد مماثل من أسرى قوات النظام المحتجزين لدى "جيش الإسلام".

وفي شرق البلاد، أحرزت "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) تقدماً على حساب تنظيم "داعش" في ريف دير الزور الشرقي وسيطرت على بلدة ومواقع عدة، في حين قتل عشرة أشخاص بينهم أربعة مدنيين بانفجار ألغام من مخلفات "داعش" في مدينة الرقة. وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" إن "قسد" سيطرت، صباح أمس الجمعة، على بلدة البحرة في ناحية هجين الواقعة على الضفة الشرقية من نهر الفرات في ريف دير الزور الشرقي بعد معارك مع تنظيم "داعش" أسفرت عن قتلى وجرحى من الطرفين.

كذلك سيطرت "قسد" على مواقع في الأطراف الغربية من بلدة هجين، وتقدّمت في حيي الإصلاح والحوامة وسط استمرار المعارك بشكل عنيف بين الطرفين، بينما فجّر تنظيم "داعش" سيارة مفخخة بمجموعة من "قسد" خلال المواجهات الدائرة في محيط البلدة، ما أسفر عن خسائر بشرية في صفوف الأخيرة.