في ظرف 3 أيام فقط، أعلن العاهل المغربي الملك محمد السادس العفو عن معتقلين من فئتين، هما "السلفية الجهادية" و"حراك الريف"، قابعين في مختلف سجون البلاد. وعفا الملك لمناسبة ذكرى "ثورة الملك والشعب" عن 22 معتقلاً إسلامياً، لمناسبة عيد الأضحى عن 184 من نشطاء الريف. وحظي 37 معتقلاً، مما يسمى "السلفية الجهادية"، البالغ عددهم بالمئات في السجون، بالعفو الملكي في العام 2016، و13 معتقلاً في 2017، قبل أن يحصل 22 سلفياً على عفو الملك هذا العام. وصدر عفو ملكي عن 56 من معتقلي الريف المغربي سنة 2017، و184 هذا العام. وينص الفصل 58 من الدستور المغربي على أن "الملك يمارس حق العفو"، لكنه لم يقدم أية توضيحات أو شروحات لهذه العبارة القصيرة في النص الدستوري. فيما يورد الفصل 42 من ذات الوثيقة أن قانون العفو يمكن أن يتداوله المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك.
وبخصوص معتقلي "السلفية الجهادية" الذين حكموا بمدد سجنية مختلفة، تتراوح بين السنة الواحدة والمؤبد، فقد استفادوا من العفو من إتمام المدة أو تخفيضها، فيما وصفت اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين الخطوة بالإيجابية وفي الاتجاه الصحيح، داعية الجهات الوصية على الملف إلى اتخاذ خطوات أكثر جرأة، كماً ونوعاً وتوقيتاً، في أفق الحل النهائي لهذا الملف. ومن خلال استعراض العفو الملكي في هذا الملف، الملاحظ أنه يتم وفق ترتيب معين. إذ إنه خلال كل سنة، وفي مناسبات دينية ووطنية، يختار العاهل المغربي العفو عن عدد محدود من المعتقلين، بوتيرة تبدو متواصلة خلال السنوات القليلة الأخيرة، كان أبرزها عفوه عن أبرز مشايخ التيار، وعلى رأسهم الشيخ محمد الفزازي وحسن الكتاني ومحمد رفيقي (أبو حفص). وتقلص عدد معتقلي التيار السلفي من نحو 2400 أو 3000 سجين، باعتبار أنه لا يوجد رقم رسمي محدد لعدد السجناء على ذمة قضايا الإرهاب منذ تفجيرات الدار البيضاء في مايو/أيار 2013، إلى أعداد أقل بفضل آلية العفو الملكي عن سجناء إسلاميين، وأيضا بعد انقضاء محكومية آخرين داخل السجون.
والمشترك بين معتقلي "التيار السلفي الجهادي" الذين حظوا بالعفو الملكي، أنهم شاركوا في برنامج "مصالحة" يهدف إلى إعادة إدماج هؤلاء السجناء ومصالحتهم مع المجتمع، والمنجز بشراكة بين إدارة السجون وإعادة الإدماج، ووزارات الدولة المكلفة بحقوق الإنسان، والعدل، والأوقاف والشؤون الإسلامية، والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، ورئاسة النيابة العامة، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والرابطة المحمدية للعلماء، ومؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء. واشترط العفو الملكي على فئة المعتقلين على ذمة قضايا الإرهاب أن يكونوا شاركوا في برنامج مصالحة، وأن يكونوا قد أعلنوا مراجعاتهم الفكرية والعقدية بخصوص عدد من القضايا، وأن يصرحوا بنبذ التطرف والتشدد في أفكارهم وسلوكياتهم، ويعلنوا التمسك بثوابت الدولة من نظام ملكي ودين وسطي. وينقسم معتقلو السلفية في السجون إلى ثلاث فئات رئيسية، الأولى تتمثل في معتقلين ارتبطوا بالفعل بالدم ومخططات إرهابية ولديهم أفكار متطرفة، فهؤلاء لا حظ لديهم في العفو، وفئة ثانية تتمثل في معتقلين يرفضون المراجعات باعتبار أنهم أبرياء وليس لديهم ما يتراجعون عنه، بينما فئة ثالثة أعلنت صراحة مراجعاتها، وهي الشريحة المرشحة كل مرة للعفو الملكي.
وأما بخصوص معتقلي "حراك الريف"، الذي انطلق في البلاد تدريجياً بوفاة درامية لبائع سمك يدعى محسن فكري في أكتوبر/تشرين الأول 2016، والتي عمت مناطق الريف، خصوصاً الحسيمة، فإنها المرة الأولى التي يتم فيها العفو عن عدد كبير من السجناء، غير أن المشترك بينهم هو مدد محكوميتهم القصيرة التي لا تتجاوز أربع أو ست سنوات. وفي الوقت الذي تم فيه إصدار العفو الملكي عن 22 معتقلاً من نشطاء الريف، القابعين في عدد من السجون بالبلاد، فإن "رموز" حراك الريف، خصوصاً ناصر الزفزافي، مكثوا في السجن، وأغلبهم تم الحكم عليه بمدد سجنية طويلة تتراوح بين 10 و20 سنة. ويتوقع مراقبون أحد طريقين لمآل مسار ملف معتقلي الريف المتبقين، والذين خرج عدد كبير منهم، باعتبار أن العدد يناهز 400 سجين، حصل أكثر من النصف على عفو ملكي خلال العامين الحالي والماضي، فضلاً عمن قضوا مددهم في السجون. الطريقة الأولى، أن ينهي قادة الحراك درجة الاستئناف في التقاضي، والثانية أن يصدر عفو ملكي في مناسبات مستقبلية. ويسير ملف معتقلي الريف نحو الانفراج ولو بشكل بطيء ووتيرة ثقيلة، غير أن الملاحظ أن عفو الملك عن عشرات المعتقلين من أبناء الريف جاء بعد وقت طويل من دعوات هيئات وفعاليات، وهو ما استنتج منه محللون على أنه رغبة في تكريس هيبة الدولة، وإبراز أنها لا تخضع للمطالب والضغوط، بل لديها تقديراتها الخاصة للأحداث والقرارات المهمة. وكان آخر التماس موجه إلى العاهل المغربي من عائشة الخطابي، نجلة المجاهد الريفي الراحل محمد بن عبد الكريم الخطابي لمناسبة استقباله لها في ذكرى اعتلائه سدة الحكم، إذ التمست منه العفو عن معتقلي الريف على خلفية الأحداث التي شهدتها مدينة الحسيمة.
وقسم العفو الملكي، سواء عن معتقلي السلفية أو حراك الريف، المراقبين والمحللين والحقوقيين إلى فريقين، الأول أشاد بالخطوة لكونها تسير في اتجاه التخفيف من الاحتقان في هذه الملفات الشائكة، كما أنها تتجاوز سلطات الحكومة وتجعلها حصراً بين يدي الملك عبر العفو المخول له بواسطة الدستور، والثاني، ورغم تثمينه لمبادرة العفو عن السلفيين ونشطاء الريف، فإنه وجد الخطوة ناقصة، ما دام العشرات من المعتقلين محرومين من الحرية، رغم كونهم لم يرتكبوا جرائم مادية ولم يقوموا سوى "بالدفاع عن حقوقهم المشروعة، وتمسكهم بمواقفهم وقضاياهم العادلة" وفق تعبير نشطاء حقوقيين.