خارطة هدم منازل المقدسيين: الشكل قانوني والهدف سياسي تهويدي

26 يناير 2017
ثلث منازل المقدسيين مهددة بالهدم (أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -
فوجئ خبير الاستيطان والخرائط في جمعية الدراسات العربية التابعة لبيت الشرق، خليل تفكجي، وهو يتصفح خارطة المساكن المهددة بالهدم في القدس المحتلة، بأن منزله الكائن في حي وادي الجوز، إلى الشمال من البلدة القديمة من القدس، قد وسم على الخارطة باللون الأحمر، في إشارة إلى أنه واحد من المنازل المهددة بالهدم في حيه، من دون أن يعلم مسبقاً بذلك، علماً أن أحد أشقائه كان أضاف طابقاً إلى البناء الأصلي. تفكجي نفى، في حديث لـ"العربي الجديد"، امتلاكه أي معطيات دقيقة عن أعداد المنازل المهددة بالهدم. وقال إن "كل بيت في القدس يمكن أن يكون مهدداً بالهدم، وهو ما اكتشفته بنفسي وعن طريق الصدفة، وأنا أتصفح خارطة لبلدية الاحتلال في القدس تظهر الانتشار الجغرافي للمنازل التي تدعي البلدية أنها مشيدة من دون ترخيص، وبالتالي ليس بمقدور أحد إعطاء أرقام دقيقة حول ذلك".


رغم ذلك، فإن تقديرات وزير القدس ومحافظها، المهندس عدنان الحسيني، تشير إلى أن عدداً كبيراً جداً من منازل المقدسيين مهدد بالهدم، وتتجاوز النسبة ثلث إجمالي القائم منها، والذي قدره من قبله خليل تفكجي بنحو 50 ألف وحدة سكنية هي مجمل عدد مساكن المقدسيين في أنحاء القدس الشرقية، مقابل 58 ألف وحدة استيطانية أقيمت على ما نسبته 42 في المائة من أراضي المدينة منذ العام 1967. وأكد الحسيني، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن السياسات الصارمة التي تتبعها البلدية في منح رخص البناء للمقدسيين تعد السبب الرئيس لعمليات البناء التي يضطر المقدسيون للقيام بها، قبل الحصول على الموافقة النهائية للبناء من قبل بلدية الاحتلال، التي ضاعفت أيضاً من رسوم الحصول على رخصة، لتصل إلى مبالغ خيالية جداً لا تجد مثيلاً لها في كل العالم. وأشار الحسيني إلى أن عمليات الهدم تتم على نحو يومي لدوافع سياسية وليست قانونية، وهي تستهدف اقتلاع الوجود الفلسطيني من القدس المحتلة وإحلال وجود استيطاني هائل مكانه، وكان آخره ما حدث من عمليات هدم داخل الحدود البلدية المصطنعة، إذ دمرت سلطات الاحتلال في يوم واحد ثلاثة مبان يقطنها العشرات، جلهم من النساء والأطفال، وامتدت عمليات الهدم هذه إلى غلاف المدينة، في حين دمرت في يوم واحد أيضاً 11 مسكناً، تضم 90 شخصاً، في مضارب البدو إلى الشرق من القدس خارج حدودها البلدية المصطنعة. ويقر الحسيني بأن ما تقدمه وزارته من مساعدات للعائلات المنكوبة لا يفي بالاحتياجات الأساسية التي تكفل صمود تلك العائلات وثباتها، بالنظر إلى محدودية الموازنة المخصصة للمدينة، والتي لا تتعدى سنوياً الـ56 مليون شيقل، في حين تحاول الوزارة توفير المساعدة القانونية والفنية والهندسية للعائلات التي تواجه مخاطر هدم منازلها.

ويتفق ممثل منظمة التعاون الإسلامي في فلسطين، المحامي أحمد رويضي، وبحكم خبرته مع تفكجي بالنسبة إلى أعداد المنازل المهددة بالهدم في القدس، رغم أن بلدية الاحتلال صرحت بأن عددها يزيد على 20 ألفاً. وينوه رويضي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى نوعين من قرارات الهدم تعتمدهما بلدية الاحتلال في مكافحتها ومناهضتها للبناء الفلسطيني في القدس المحتلة. النوع الأول هدم بقرار إداري يصدره رئيس بلدية الاحتلال بعد توقيع مهندس البلدية، ويتم تنفيذه في غضون 48 ساعة، ويطاول منزلاً أو مبنى في طور الإنشاء، وأعداد هذه القرارات الإدارية كبير جداً. أما النوع الثاني، فهو الهدم الذي يتم بقرار من المحكمة، ويطاول منازل ومباني يقطنها أصحابها، وتنفيذ أمر الهدم أو إلغاؤه يستغرق فترة طويلة، ربما تمتد إلى 20 سنة، لأن المحكمة تنظر إلى هذا النوع من البناء على أنه قضية جنائية، وتفرض على أصحابها السجن أو الغرامة، وفي الغالب تفرض عليه ما نسميه مخالفة بناء، وتطلب منه استكمال إجراءات الترخيص، وهي إجراءات ربما تمتد لسنوات طويلة، تنتهي إما بالهدم أو بالحصول على رخصة البناء.

ويلفت رويضي إلى أنه يمكن الاستدلال بالعدد الحقيقي للمنازل المهددة بالهدم، سواء تلك التي كانت عرضة لعقوبات المحاكم لبنائها من دون ترخيص أو مخالفة لقانون التنظيم والبناء لعام 1965، ضمن قضايا تعطي مؤشراً على العدد الحقيقي للمنازل، الذي يتراوح بين 15 و20 منزلاً في القدس، يشملها تمديد أوامر الهدم سنوياً، وبعض هذه المنازل مشيد منذ العام 1974. ولفت رويضي إلى تضاعف حجم البناء الفلسطيني في القدس خلال السنوات القليلة الماضية، لاعتبارات عدة، أهمها "سياسة سحب الهويات، وتجريد المقدسيين القاطنين خارج الحدود البلدية المصطنعة للقدس من حق الإقامة، وهي سياسة أفضت إلى عودة مئات العائلات المقدسية للإقامة مجدداً في القدس، ومن هذه العائلات ما بنى إضافات على أبنية مرخصة قائمة، ومنها ما شيد منازل جديدة من دون الحصول على ترخيص من البلدية، وبالتالي أصبح لدينا أحياء جديدة قائمة، وباتت أمراً واقعاً. ويتابع "كما أن لهذا التضاعف علاقة بالنمو الديمغرافي الفلسطيني في القدس. وحيث تزداد أعداد المقدسيين يقابل ذلك نقص في عدد المساكن، ما يضطر المواطنين للبحث عن موطئ قدم في القدس، من خلال التوجه نحو إضافة طوابق إلى أبنية قائمة، أو ترميم بيوت قديمة، أو البناء وسط أحياء مكتظة جداً، تلافياً لرقابة طواقم التفتيش التابعة لبلدية الاحتلال، كما هو الحال في حي البستان، إذ بدأ هذا الحي بنحو أربعة بيوت فقط، وانتهى الآن إلى 88 منزلاً".

ويرى رويضي أن القضية برمتها سياسية وليست قانونية، كما تحاول سلطات الاحتلال إظهارها، علما أن بلدية الاحتلال حاصرت البناء الفلسطيني في القدس وقيدته على مساحة من أراضي المقدسيين خصصتها للبناء، لا تتعدى 12 في المائة، في مقابل منحها البناء الاستيطاني مساحة 42 في المائة من أراضي القدس الشرقية، علماً بأن أعداد المقدسيين تصل اليوم إلى أكثر من 360 ألفاً، أي ما نسبتهم نحو 40 في المائة، فيما تتحدث البلدية عن نسبة أقل، وهي 38 في المائة. أما نسبة البناء في الأجزاء المسموح بها في الأحياء المقدسية فلا تتعدى الـ 50 في المائة في مقابل 150 في المائة في المستوطنات. وهذه المعطيات سياسية بامتياز، تتعلق برسم خارطة القدس المستقبلية التي يريدها الإسرائيليون يهودية خالصة بوجود أقلية فلسطينية صغيرة جداً. ويرى رويضي أهمية وضرورة لتبادل الأدوار بين الجهات المانحة، وهي إسلامية في الغالب، والجهات الرسمية، داعياً الجهاز الرسمي الفلسطيني إلى تقديم مساعدة في المرحلة الأولى في موضوع الترخيص، فيما تتولى الأجهزة الإسلامية والعربية المساهمة في عملية البناء للمقدسيين. كما حث المستثمرين العرب على الانخراط في قطاع الإسكان في القدس، وبنسبة ربح لا تتعدى 25 في المائة، بالنظر إلى الكلفة العالية لرخص ورسوم البناء في القدس.

وتشير معطيات مراكز فلسطينية تعنى بالهدم في القدس، إلى أن بلدية الاحتلال هدمت خلال العام 2016، نحو 200 وحدة سكنية، وفق آخر تقرير لمركز معلومات وادي حلوة المقدسي، علما أن نحو 156 مسكناً ومنشأة هدمت داخل حدود البلدية من مجموع الـ200 مسكن. وأشارت معطيات محافظة القدس إلى هدم سلطات الاحتلال 11 بناية في قرية قلنديا شمالي القدس، وخارج حدودها البلدية، تضم 36 شقة سكنية. أما في مطلع العام 2017، فقد هدمت بلدية الاحتلال في القدس، خلال يومين فقط ثلاثة منازل في كل من شعفاط وبيت حنينا داخل جدار الفصل العنصري، أي في قلب المدينة، إضافة إلى 11 مسكناً وحظيرة لتربية المواشي في مضارب البدو على أراضي أبو ديس شرق القدس. وتسببت عمليات الهدم هذه بتشريد 113 شخصاً، غالبيتهم من الأطفال والنساء.