مسارات الحوار بشأن ليبيا: تفاؤل اقتصادي وخروقات بالميدان

11 فبراير 2020
استمرار خرق قوات حفتر للهدنة (حازم تركية/الأناضول)
+ الخط -
لا جديد في طاولات الحوار بشأن البحث عن حل للأزمة الليبية، التي تعددت وتناثرت بين أكثر من عاصمة، في جنيف والقاهرة، وأخيراً في أديس أبابا، سوى اختبار مدى قدرة وجديّة الأطراف المتصلة والمتدخلة في الشأن الليبي في إحلال السلام ووقف إطلاق النار.

خروقات مستمرة

وأكد المتحدث الرسمي باسم مكتب الإعلام الحربي لعملية "بركان الغضب" التابعة لحكومة "الوفاق"، عبد المالك المدني، أنّ خروقات قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر للهدنة، لم تتوقف منذ الإعلان عنها في 12 يناير/ كانون الثاني الماضي.

وقال المدني، في حديث لــ"العربي الجديد"، إنه "حتى يوم أمس دمرت مدفعيتنا غرفتين للعمليات المصغرة في محور الأحياء البرية كانت مليشيات حفتر قد أنشأتها قريبا، ما يؤكد على عدم رغبتها في وقف القتال"، مضيفاً أنّ المدفعية استهدفت أيضاً بالتزامن "حشداً جديداً لمرتزقة حفتر في محيط معسكر اليرموك وتحركات مريبة في خلة الفرجان".

ورغم دفعه بممثليه العسكريين للمشاركة في محادثات المسار العسكري في جنيف، التي انتهت جولتها الأولى، الأحد الماضي، إلا أنّ حفتر لا يبدو راغباً في وقف القتال، فقد أكد رئيس اللجنة العسكرية الممثلة لحكومة "الوفاق" في محادثات جنيف، اللواء أحمد أبوشحمة، رفض ممثلي حفتر "إخلاء المناطق السكنية، التي تشهد الاشتباكات، من المظاهر المسلحة"، وفق تصريح له نشرته الصفحة الرسمية لعملية "بركان الغضب"، ليلة الاثنين.

وأشار بوشحمة إلى أن فريقه قدم مقترحاً للبعثة الأممية تضمن "وقف إطلاق النار على كامل التراب الليبي، وفك اشتباك القوات، وعودة المواطنين النازحين والمهجرين، ووقف نزيف الدم بين الليبيين"، مضيفا أنه جراء تعنت ممثلي حفتر "لم تتم الموافقة والتوقيع". 

وإزاء ذلك يتساءل المحلل السياسي الليبي، مروان ذويب، عن "التفاؤل" الذي أشار إليه المبعوث الأممي غسان سلامة في مؤتمره الصحافي في ختام الجولة الأولى، قائلاً، لـ"العربي الجديد": "إذا كانت الخروقات للهدنة لم تتوقف، وممثلو حفتر رفضوا الانسحاب وعودة النازحين، فأي شيء دعا سلامة للتفاؤل، ولماذا اقترح جولة جديدة للجنة العسكرية يوم 18 فبراير/شباط؟".

تفاؤل بشأن اللجنة الاقتصادية

ومقابل الفشل في جنيف، لم تعلن البعثة الأممية عن نتائج الجولة الأولى من المسار الاقتصادي الذي انعقد ليومين وانتهى، أمس الاثنين، في القاهرة، رغم أنه سبق أن أعلنت عن موعده ومكانه في القاهرة، لكن التسريبات التي أعلنتها بعض وسائل الإعلام بشأن اتفاق المشاركين في لقاء القاهرة على "تشكيل 3 لجان، تختص الأولى بإصلاح القطاع المصرفي والقطاع الخاص، وأخرى للتوزيع العادل للثروات، وثالثة لإعادة الإعمار" تبرز تقدماً نسبياً في الحوار.

وأكد دبلوماسي ليبي رفيع مقرب من حكومة "الوفاق" صحة هذه التسريبات، مشيرا إلى أن اللجنتين الأولى والثانية ستبدآن أعمالهما، خلال الأسبوعين المقبلين، فيما تم إرجاء أشغال اللجنة الخاصة بإعادة الإعمار إلى وقت غير معلن، مرجعا سبب تأخرها "كونها تتعلق بضرورة إحراز تقدم في المحادثات العسكرية التي من شأنها وقف القتال في المدن المتضررة، خصوصا العاصمة طرابلس".

لكن أحد الأطراف الأساسية في المسار الاقتصادي لا يبدو متفائلاً وراضياً عما وصلت إليه تلك المحادثات، فقد جاءت تصريحات عبد اللطيف التونسي، مدير مكتب محافظ بنك ليبيا المركزي في طرابلس، متشائمة جداً بشأن إمكانية عودة طوابير المواطنين أمام البنوك وارتفاع جديد للأسعار.

ودعا التونسي، في تصريح لقناة "ليبيا الأحرار ليل الاثنين، إلى خفض الإنفاق العام إلى أدنى المستويات، والاقتصار فقط في الترتيبات المالية للسنة الجارية على النفقات الضرورية، "بسبب تدني إيرادات النفط إلى الصفر تقريبا"، واصفا قرار إغلاق المنشآت النفطية بأنه "قتل عمد لكل الليبيين"، وهي تصريحات تبدو أنها جاءت كرد ضمني على فشل لقاء القاهرة في مناقشة قضية إغلاق المنشآت النفطية من قبل مجموعات قبلية موالية لحفتر، خصوصا أن البعثة أشارت إلى أن لقاء القاهرة سيناقش القضية.

تجاذب دولي

دولياً، لا تزال الإجراءات والمساعي تدور في حلقة مفرغة، ولا تزال تحت تأثير التجاذبات.

وعلى الصعيد الأوروبي، أشار مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، في مقابلة مع صحيفة "دي فيلت" الألمانية، أمس الاثنين، إلى نقاش أوروبي بشأن مهمة بحرية أوروبية تهدف إلى فرض الحظر الأممي على بيع الأسلحة في ليبيا.

وفي السياق، يتساءل ذويب بشأن "الجهود الدولية لوقف تدفق السلاح عبر الجسور الجوية"، وقال: "لو تمت مراقبة البحر، وهي بالتأكيد تستهدف وصول إمدادات عسكرية لحكومة الوفاق من تركيا وفق الاتفاق الأمني الموقع بينهما. فماذا عن الجسر الجوي بين قاعدتي الظفرة في أبوظبي والخادم في شرق ليبيا؟".

ورغم الانخراط الجزائري الحثيث في الملف الليبي، مؤخراً، والذي انتهى باقتراح جزائري تونسي لتأسيس "منتدى المصالحة الوطنية"، يستهدف إجراء حوار بين القبائل الليبية، لم يبد الاتحاد الأفريقي، خلال قمته التي اختتمت أمس الاثنين، في أديس أبابا، متحمساً لذلك.

وعلق الباحث السياسي الليبي الجيلاني ازهيمة على بيان القمة الأفريقية، التي شددت على "رفض الحل العسكري"، و"التدخل الخارجي" في ليبيا، بأنه "أفضل الممكن"، معتبراً أن الاتحاد الأفريقي "وصل متأخراً عندما قرر إرسال بعثة لمراقبة مدى احترام قرار وقف إطلاق النار"، بحسب نص البيان الختامي للقمة.


ورغم أن ليبيا عضو أساسي في تأسيس الاتحاد الأفريقي، إلا أن ازهيمة يعتبر القضية الليبية ليست أساسية لدى الكثير من الدول الأفريقية، التي لا تملك جغرافيا مشتركة معها. 

وبشأن دول الجوار الليبي، قال إن "أهمها مصر والجزائر، فالأولى فضلت البحث عن مصالحها لدى الأقوياء الأوروبيين والتحالف معهم في رعاية أحد مسارات الحل المقترحة في برلين"، أما الجزائر فهي برأي ازهيمة "لا تمتلك رؤية واضحة بشأن الملف الليبي حتى الآن، وهذا واضح من اضطراب تصريحات مسؤوليها، من اعتبار طرابلس خطا أحمر إلى الارتماء في أحضان حفتر بحثا عن طريقة تبعد بها خطر مليشياته عن حدودها التي باتت على مشارفها".

وتساءل ازهيمة: "أي دور للقبائل الليبية وبعضها يقدم أبناءه للقتال في صفوف حفتر، وبعضها مجبر على ذلك، والبعض الآخر يغض طرفه عن أرتال المرتزقة التي تمر عبر أراضيه لمعسكرات حفتر، بل ويحمي مواقع النفط التي تقع في أراضي نفوذه القبلي".

وتساءل أيضاً: "أي دور أفريقي ممكن وحفتر يشتري مقاتلين من بعض الدول الأفريقية كمرتزقة في حروبه الحالية"، مؤكداً أن بيان القمة في أديس أبابا يعبر بوضوح عن "ضعف الدور الأفريقي وإمكانية أن يلعب دوراً يوازن التدخلات الأوروبية والإقليمية في ليبيا".​