تسريبات لوران فوكييه في فرنسا: الأسباب والارتدادات

21 فبراير 2018
حاول فوكييه (اليمين) الاعتذار من ساركوزي (دومينيك فاجي/فرانس برس)
+ الخط -
أصابت أسهم زعيم حزب "الجمهوريين" اليميني في فرنسا، لوران فوكييه، الكثير من النخبة التي كانت تحيط به، في إطلالة كان يُفترض أن تغيب عنها الكاميرات، وبدا خلالها فوكييه كمن يصفّي حساباته مع الطبقة السياسية، وخصوصاً رفاقه السابقين في الحزب، الذين وجّه لهم الكثير من الانتقادات، غير أن المفاجئ كان أن الهجوم استهدف أيضاً الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، الذي ساعده في الوصول إلى قيادة الحزب.

وظهر رئيس "الجمهوريين"، في تسجيل مسُرب لكلمة له أمام نحو ثلاثين طالباً في مدرسة تجارة في ليون، جريئاً، يكيل الضربات للساسة الفرنسيين والألمان. وفَقَد فوكييه رباطة جأشه، واستبق القضاء الفرنسي في قضية التحرش التي يُلاحق فيها، رفيقه الأسبق، وزير الحسابات العامة في حكومة إيمانويل ماكرون، جيرالد دارمانان، فقارنه بعشرة جيروم كاهوزاك (وزير المالية الأسبق الذي يُحاكم بتهم تهرب ضريبي)، وتوقع له مستقبلاً غير واعد، وأنه سيصبح تجسيداً لما كان عليه كاهوزاك، الذي يُحاكَم هذه الأيام. ورد دارمانان، بالقول إنه "لا يفهم الكراهية الشخصية التي يكنّها له فوكييه"، وطالبه بالاعتذار من "تصريحاته الفضائحية" بحق ساركوزي.

ثم انتقل فوكييه إلى الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، فقال إنه "متأكد" من الدور الكبير الذي قام به ماكرون في تدمير حملة مرشح "الجمهوريين" للرئاسة، فرانسوا فيون. تجدر الإشارة إلى أن فوكييه لم يُظهر حماسة كبيرة في دعم مرشح حزبه، فيون، وكان من أنصار نيكولا ساركوزي في الانتخابات الفرعية التي نظّمها اليمين والوسط، وكان حضوره في حملة فيون بارداً، خصوصاً بعد فضيحة منح فيون وظيفة لزوجته.

والغريب أن في هذا اللقاء الصريح لفوكييه، فإن نيكولا ساركوزي أصابته بعض السهام، التي وجّهها فوكييه في كل الاتجاهات. ولم يكن الأمر مجرد انتقاد بسيط، بل إنه اتهم رئيس الجمهورية السابق، أثناء ولايته، باللجوء إلى تصرفات مشبوهة، ومنها مراقبة هواتف وزرائه المحمولة أثناء حضورهم اجتماعات الحكومة، ثم التنصّت عليها في أوقات لاحقة. وهو ما نفته مصادر مقربة من ساركوزي، معتبرة إياها اتهامات مثيرة للسخرية. وحاول فوكييه لاحقاً الاعتذار من "سيده"، إلا أن رد ساركوزي، الذي كان في قمة غضبه، كان جافاً وكانت كلماته بالغة الحدّة.

وإذا كان أنصار فوكييه في القيادة الجديدة للحزب، المُحرَجين من مثل هذه التصريحات، حاولوا إطفاء هذا الحريق، إلا أن ردود الفعل خارج حزب "الجمهوريين"، لا تزال متواصلة. وصدرت أقسى الانتقادات من القيادي السابق في "الجمهوريين" كزافييه برتران، والذي غادر الحزب مع تولي فوكييه قيادته. وشبّه برتران كلمات فوكييه بكلمات صادرة من عائلة لوبان، قائلاً إنها "نفس الرنة ونفس العنف"، مضيفاً أن فوكييه "أسوأ من (الرئيس الأميركي) دونالد ترامب". ولم تتأخر حركة "الجمهورية إلى الأمام" في الرد، فتحدث رئيسها، كريستوف كاستانير، عن "الطبيعة الحقيقية لفوكييه".
أمام هذه الموجة من الانتقادات، لم يرَ فوكييه، الذي هدد باللجوء إلى القضاء بحق كل من ينشر نص محادثته التي كانت خاصة، ضرورة في الاعتذار، سوى من رئيسه السابق نيكولا ساركوزي، الذي يوجد الكثير من أنصاره في القيادة الجديدة لـ"الجمهوريين"، فصرّح بأنه لم يكن في باله أبداً القول إنه كانت تتم مراقبة أعضاء الحكومة في مجلس الوزراء.


ولكن ما هي الأسباب التي جعلته يرفض الاعتذار عن تصريحاته؟ الكثير من الأسباب تفسّر ذلك، ومنها فوز حزبه أخيراً، بمقعدين برلمانيين في انتخابات الإعادة، وهو ما منحه بعض العنفوان، وشجعه على القيام بدور المعارض الأكبر للحكومة ولرئيس الجمهورية، ومن هنا حدة هجومه على ماكرون. وهي نوع من الاستراتيجية شبيهة باستراتيجية دونالد ترامب، كما كتبت الصحافية في "لوفيغارو"، ماريون مورغ. وعادت الصحافية إلى تصريح لفوكييه، في القناة الثانية، يوم 2 مارس/آذار 2016، قال فيه بعد متابعته للانتخابات الأميركية، إن النتائج "كشفت" له ظاهرة مهمة، وهي أن الناخبين تعبوا من الخطابات غير المباشرة. وأضاف: "الانتخابات الأميركية تكشف عن شيء، اليوم، في الديمقراطيات، وهو أن المواطنين لم يعودوا يريدون أن ينتخبوا أناساً يحدّثونهم عمّا لهم الحق في التفكير فيه أو ما لهم الحق في قوله. إن ما يجذب في خطاب ترامب، هو كونه رجلاً يمتلك شكلا من الكلام المباشر، ويتطرق لقضايا كانت لحد الآن، محرمات، وهو واضح في ما يعبّر عنه".
وها هو فوكييه، بعد سنتين، من هذه القراءة للانتخابات الأميركية، يتقاسم رؤية ترامب نفسها، وهو ما كرره في الأسبوع الماضي، في حواره مع صحيفة "لوفيغارو"، حين شدد على أن دور حزبه هو أن يكون "حاملاً لأصوات هؤلاء الفرنسيين الذين لا نسمعهم في وسائل الإعلام، إلا قليلاً".

ومن أسباب هذه التصريحات العنيفة لفوكييه أيضاً، رغبته في تصفية حساباته مع العديد من القيادات التي غادرت الحزب اليميني وانضمت إلى ماكرون، وهو ما يفسر العدوانية التي تصرّف بها تجاه واحد من أنجح وزراء ماكرون، لحد الآن، وهو جيرالد دارمانان، مستغلاً مشاكله مع القضاء.
ولعلّ قسوة الخطاب ومباشريته، على الرغم من أنه لم يكن موجهاً للرأي العام، ستساهم في إغواء كثير من أصوات ناخبي حزبي "الجبهة الوطنية" و"الوطنيون". وحتى موقفه من ساركوزي، يكشف أن فوكييه "قتل" أباه، وأنه لن يتسامح مع الانتقادات التي صدرت من ساركوزي تجاهه، والتي تعيب عليه مواقفه السلبية من الاتحاد الأوروبي ومن ألمانيا. كما أن فوكييه لا ينظر بعين الرضى إلى زيارات ساركوزي للإليزيه، ولا إعجابه بالنتائج المهمة التي يحققها ماكرون.

وإذا كان كثيرون يتوقعون أن تنقلب تصريحات فوكييه عليه، فيجد نفسه محاطاً بأقلية متشددة، ستزيد من هشاشة الحزب، ومن تحوّل أعداد من اليمين إلى حركة ماكرون وإلى أحزاب الوسط، فالجميع يستغرب صمت قيادات "الجمهوريين"، وهو صمت يشبه صمت قيادات اليمين التي كانت ترى مرشحها فرانسوا فيون، الغارق في الفضائح، يهوي في استطلاعات الرأي، فلم تفعل شيئاً، وتخلت عن فرصتها الذهبية في العودة إلى السلطة.