رامي مخلوف: من التحكم المطلق بالاقتصاد السوري إلى استجداء البقاء

03 مايو 2020
استحوذ مخلوف على أغلب مجالات التجارة والصناعة بسورية(العربي الجديد)
+ الخط -

لم يكن أحد من السوريين يتخيّل أن يتحوّل رامي مخلوف، ابن خال رأس النظام بشار الأسد، من متحكم بلا منازع بالاقتصاد السوري، إلى رجل يبدو منزوع الأنياب بلا حول ولا قوة، يستجدي البقاء من الأسد نفسه، الذي وفّر له الغطاء طوال عشرين عاماً لتكوين ثروة طائلة، كما فعل من قبل الأسد (الأب حافظ) مع مخلوف (الأب محمد)، حتى تحولت سورية بنظر أغلب السوريين إلى محمية تملكها العائلتان.

ولم تمضِ أيام على ظهوره الإعلامي الأول الذي أثار جدلاً لا ينتهي، حتى فاجأ رامي مخلوف السوريين بظهور ثانٍ اليوم، قال فيه إن الأجهزة الأمنية التابعة للنظام بدأت باعتقال كبار الموظفين في شركاته، مبدياً استغرابه من تصرف هذه الأجهزة "الذي كنت أكبر داعم وخادم وراعٍ لها"، وفق قوله.

ووصف مخلوف حملة الاعتقالات بأنها "ظلم واستخدام سلطة في غير محله، واعتداء على ممتلكات خاصة، وعلى حريات"، مشيراً إلى أن الوضع في سورية "صعب وخطر"، محذراً مما سماه "عقاباً إلهياً حتمياً"، مضيفاً أن سورية باتت على "منعطف مخيف".

لكن مخلوف أبقى الباب موارباً بعلاقته مع ابن عمته بشار الأسد رأس النظام، حيث وصفه بأنه "صمام الأمان"، غير أنه شدد على أنه لن يتنازل. وكان مخلوف قد قال في تسجيل مصور الخميس إن ما سماها "الدولة"، تطالبه بدفع نحو 130 مليار ليرة سورية (نحو 120 مليون دولار) للخزينة العامة، معتبراً ذلك ظلماً. وناشد رئيس النظام شخصياً "التدخل لتقسيط وجدولة عملية الدفع، لأن المبلغ كبير، وقد يؤدي إلى انهيار شركة سيريتل، المخدم الرئيسي للهواتف النقالة في سورية"، مشيراً إلى أن الشركة تُعَدّ رافداً رئيسياً لخزينة الدولة، وفيها آلاف الموظفين والمساهمين.

وكان نظام بشار الأسد قد حجز احتياطياً على أموال رامي مخلوف في شهر ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، بحجة "ضمان حقوق الخزينة العامة من الرسوم والغرامات المتوجبة، والمقدرة بنحو 1.9 مليار ليرة سورية"، قبل أن يوجه إلى مخلوف وعيداً بتسديد أكثر من 150 مليار ليرة، حصة "سيريتل"، قبل الخامس من مايو/ أيار المقبل.

ويواجه السوريون هذا السجال الإعلامي بين رامي مخلوف (50 عاماً) والنظام الذي لطالما كان أحد أهم أعمدته الاقتصادية، بسيل من الاستغراب المشوب بالتشفي من رجل ظل لنحو 20 عاماً المتحكم الرئيسي بالاقتصاد السوري بموافقة ورعاية من بشار الأسد وشقيقه ماهر.

وتزامن ظهور رامي مخلوف المدوّي مع تسلّم بشار الأسد للسلطة مطلع الألفية الجديدة، حيث حصل على امتياز أثار الجدل في حينه، عندما امتلك شركة "سيريتل"، وجزءاً كبيراً من شركة "mtn"، وهما المخدمان الوحيدان للهواتف النقالة في سورية.

وقد أثار معارضون سوريون في تلك الفترة هذه القضية، مبرزين وثائق تفيد بأن رامي مخلوف لم يدفع للدولة ما يترتب على شروط الترخيص، فضلاً عن نشر أبراج الاتصالات في أنحاء البلاد بغفلة عن الحكومة، وهو ما أدى إلى اعتقال من أثار الأمر في "مجلس الشعب" السوري.

ورامي مخلوف هو الابن الأكبر لمحمد مخلوف شقيق زوجة الرئيس حافظ الأسد الذي نقل بعد تسلمه للسلطة في عام 1970 من مجرد موظف إلى مدير لمؤسسة التبغ والتنباك "الريجي" في سورية، وهو ما فتح الباب له لتكوين ثروة طائلة من العمولات التي كان يفرضها على مستوردي التبغ في سورية.

وفي الثمانينيات من القرن الماضي تسلّم محمد مخلوف المصرف العقاري، ثم أسس عدة شركات تعمل في كل المجالات وخاصة في النفط والكهرباء والمصارف. ومع وفاة الأسد الأب، دفع مخلوف (الأب) ابنه رامي إلى واجهة الأعمال في سورية، مستنداً إلى قوة السلطة التي يملكها، استناداً إلى ابن عمته بشار الأسد.

استحوذ رامي مخلوف على أغلب مجالات التجارة والصناعة في سورية، بدءاً من الأسواق الحرة عند المعابر البرية والجوية، ومروراً بالبورصة وانتهاءً بالإعلام، حيث أسس عدة وسائل إعلامية من صحف وإذاعات، ومواقع إخبارية، لعل في مقدمتها صحيفة "الوطن" التي أصبحت مع مرور الوقت الذراع الإعلامية للنظام، وليس الصحف الرسمية.

وقبيل الثورة، كان السوريون يتندرون بأن رامي مخلوف يفكر في فتح السوق الحرة عند الحدود السورية اللبنانية، على السوق الحرة عند الحدود السورية الأردنية على بعضها، في كناية عن أن سورية كلها أصبحت ملكه وملك عائلتي مخلوف والأسد.

في عام 2007، بلغ رامي مخلوف ذروة نفوذه في سورية، حيث كان يعيّن وزراء وسفراء في الحكومة، بل بات المتحكم الرئيسي بالاقتصاد السوري. وفي أواخر عام 2019، كشفت منظمة "غلوبال ويتنس" لمكافحة الفساد أن عائلة مخلوف تتحكم بـ60% من الاقتصاد السوري، مشيرة إلى أن رامي مخلوف يدير أكبر شركة للهواتف المحمولة في البلاد، ويملك العديد من شركات البناء والنفط، كذلك يملك عقارات في العاصمة الروسية موسكو تقدَّر بـ40 مليون دولار، وفق المنظمة.

ووفق مصادر مطلعة، يملك رامي وعائلته شركة شام القابضة وبنكي سورية الدولي وبيبلوس وشام كابيتال للوساطة المالية وأسطولاً لصيد السمك في جزيرة أرواد السورية يدرّ ملايين الدولارات سنوياً.



مخلوف والثورة

وحملت بدايات عام 2011 أخباراً غير سارة للنظام السوري ورامي مخلوف، حيث بدأت ثورة لم يكن هذا النظام يتوقع حدوثها، لاعتقاده أن القبضة الأمنية قتلت إرادة السوريين. وارتبك النظام في الشهور الأولى من الثورة، وكاد يترنح، وهو ما دفع رامي مخلوف إلى مغازلة دولة إسرائيل علناً.

وقال مخلوف في أيار من عام 2011، في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز إن النظام "سيقاتل حتى النهاية"، محذراً من أنه "لن يكون هناك استقرار في إسرائيل" إذا لم يكن هناك استقرار في سورية.

وفرضت الولايات المتحدة الأميركية عقوبات على رامي مخلوف في عام 2008، حيث قالت وزارة الخزانة الأميركية في حينه "إن مخلوف استخدم الترهيب وروابطه الوثيقة بنظام الأسد للحصول على مزايا في مجال الأعمال".

وبعد انطلاق الثورة، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على عدد كبير من أركان النظام، من بينهم رامي مخلوف. وبعد اتساع نطاق الثورة السورية، حاول النظام التخفيف من غضب الشارع، من خلال الادعاء أن رامي مخلوف صرف وقته وماله للأعمال الخيرية من خلال جمعية "البستان" التي كان قد أسسها في عام 1999.

ولكن جلّ السوريين يعلمون أن ذلك كان محاولة احتيال مكشوفة، وأن رامي لا يزال في صلب ما يجري في البلاد، وأن جمعيته كانت أكبر ممول وداعم لقطعان الشبيحة الذين كانوا يفتكون بالمعارضين.

وعلى مدى سنوات الثورة شهد النظام السوري انشقاقات على مستوى عالٍ، لعل أبرزها انشقاق رئيس مجلس الوزراء في عام 2012، رياض حجاب، ورغم ذلك فإن النواة الصلبة لهذا النظام لم تتأثر. ولكن ما يجري اليوم مع رامي مخلوف الذي كان يعد أحد أبرز أركان النظام لا يدع مجالاً للشك في أن هذه النواة تتفكك، وهو ما يستدعي أسئلة لطالما راودت السوريين عن مصير النظام برمته بعد أكثر من 9 سنوات حرب شنّها على السوريين يبدو أن تبعاتها السلبية على هذا النظام بدأت تطفو على السطح أخيراً.