معادلات عسكرية جديدة بغوطة دمشق: النظام محاصر في "المركبات"

02 يناير 2018
تواصل قصف النظام على الغوطة الشرقية أخيراً (طارق المصري/الأناضول)
+ الخط -
غيّرت المعارضة السورية المسلحة معادلات الصراع في الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق، مع تقدمها على حساب قوات النظام ومليشيات تساندها، وحاصرت مباني أهم موقع عسكري لا تزال هذه القوات تفرض سيطرتها عليه، في ظل أنباء عن محاولة النظام التفاوض من أجل إنقاذ حياة ضباطه وعناصره المحاصرين. ومن شأن تطورات الغوطة الشرقية في حال تصاعدها لصالح المعارضة نقل الصراع إلى مستويات أكبر من الحالية، خصوصاً أن المعارك احتدمت بالقرب من العاصمة دمشق. والهزيمة هي الأكبر لقوات النظام في الغوطة منذ فتح المعارضة السورية معركتها في سبتمبر/أيلول سنة 2015، التي كبّدت فيها النظام خسائر بشرية ومادية كبيرة.


في هذا السياق، كشفت مصادر ميدانية عن أن "المواجهات بين قوات المعارضة المسلحة، وقوات النظام تجددت في محيط إدارة المركبات بمدينة حرستا في الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق، مع محاولة قوات المعارضة استكمال سيطرتها عليها، بعد سيطرتها يوم الأحد الماضي، على أحياء ومساحات واسعة من مدينة حرستا، ووصلتها بمناطق سيطرتها في عربين". وهو تطور مهم في سير المواجهات في سياق المرحلة الثانية من معركة "بأنهم ظلموا"، التي أطلقتها المعارضة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي للسيطرة على مبنى إدارة المركبات العسكرية.

وأشارت المصادر إلى أن "المعارضة المسلحة فجّرت يوم الأحد، أحد مواقع النظام في محيط مبنى محافظة ريف دمشق"، مضيفة أن "مدير إدارة المركبات العسكرية اللواء حسن الكردي، أُصيب بجروح بالغة جراء المعارك الدائرة في مدينة حرستا بغوطة دمشق". ولفتت إلى أنه "قُتل العشرات من قوات النظام، حيث منيت الأخيرة بهزيمة واضحة".

وأكدت المصادر لـ "العربي الجديد" أن "قوات النظام استقدمت تعزيزات باتت في مبنى المحافظة، قُدرت بنحو 500 مسلح في محاولة لفك الحصار المطبق الذي فرضته المعارضة السورية المسلحة الأحد على إدارة المركبات".

وكانت قوات المعارضة السورية، وفي مقدمتها "حركة أحرار الشام" و"فيلق الرحمن"، حققت مساء الأحد، تقدماً كبيراً في مدينة حرستا، وسيطرت على أحياء الحدائق، والعجمي، والجسرين، والإنتاج، والسياسية، وكتلة المدارس، ومديرية الأفران في ريف دمشق، ونقاط أخرى.



وأكد قيادي في المعارضة السورية المسلحة أن "أكثر من 350 مبنى بات تحت سيطرة المعارضة فإدارة المركبات، والمعهد الفني، والرحبة 646، محاصرة بشكل كامل"، مشيراً إلى أن "قوات النظام سعت إلى اخراج مقاتليها المحاصرين في إدارة المركبات عبر الهلال الأحمر السوري، في مؤشر واضح إلى أن من بين المحاصرين ضباطا برتب عالية من قوات النظام أو قياديين مهمين من حزب الله". ولم يسبق لقوات النظام التفاوض على إخراج مقاتلين لها من مناطق الصراع، إلا إذا كان بين المحاصرين ضباط كبار قدموا خدمات كبيرة للنظام".

ولمبنى محافظة ريف دمشق على أطراف مدينة حرستا أهمية كبيرة، فهو مرتفع ومحصّن، ومطل على مناطق وطرقات في الغوطة الشرقية. وهو ما أدى إلى فشل محاولات المعارضة للسيطرة على مبنى فرع الاستخبارات الجوية، مع انتشار قنّاصين على سطحه، حالوا دون تقدم قوات المعارضة.

وذكرت مصادر المعارضة أن "مبنى المحافظة ومبنى وزارة الري بالقرب منه، هما أبرز أهداف المعارضة بعد السيطرة على مباني إدارة المركبات العسكرية، فالسيطرة على هذه المباني تعني سقوط فرع الاستخبارات الجوية في حرستا". وحاولت المعارضة مراراً السيطرة على هذه النقاط والثكنات العسكرية بالسابق، إلا أنها فشلت نتيجة التحصينات المحكمة.

وقُتل ثلاثة مدنيين وجرح آخرون أمس الاثنين، بقصف لطيران النظام السوري على مدن وبلدات الغوطة الشرقية المحاصرة في ريف دمشق، إذ أفادت مصادر محلية، بأن الطيران الحربي التابع لقوات النظام السوري قصف الأحياء السكنية في مدينة عربين بصواريخ فراغية ما أدى إلى مقتل ثلاثة مدنيين وإصابة آخرين بجروح.



وجرح مدنيون أيضاً جراء 19 غارة من طيران النظام على الأحياء السكنية في مدينة حرستا، والطريق الواصلة بين حرستا وبلدة مديرا في الغوطة. كما أُصيب آخرون بينهم أطفال ونساء بقصف مماثل على بلدة مسرابا، وبقصف مدفعي للنظام على بلدة أوتايا، حسبما أفاد الدفاع المدني في ريف دمشق. من جانبه، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن "القصف الجوي والصاروخي لم يهدأ من قبل قوات النظام على مناطق الغوطة الشرقية"، مشيراً إلى أن "طيران النظام نفّذ عشرات الغارات الجوية مساء الأحد، وصباح أمس، ما أسفر عن إصابات بين المدنيين".

وأضاف المرصد أنه "قُتل وأُصيب العشرات من المدنيين على مدى الأيام القليلة الماضية، بينهم أطفال ونساء"، مؤكداً "استمرار الاشتباكات على محاور داخل إدارة المركبات ومحيطها وأطرافها". ونوّه إلى أن "قوات المعارضة تسعى إلى السيطرة الكاملة على الإدارة من خلال إيقاع أكبر خسائر في قوات النظام ودفعها للاستسلام".

من جهته، ذكر المركز الإعلامي في الغوطة الشرقية، أمس، أن "قوات النظام استهدفت بصاروخ أرض ــ أرض، يحمل قنابل عنقودية مدينة حرستا"، مشيراً إلى أن "طيران النظام أغار على معظم مدن وبلدات الغوطة الشرقية".

وفي ظل التطورات المتلاحقة، باتت ضاحية حرستا السكنية القريبة من منطقة الصراع الحالي، والمسكونة من عدد كبير من ضباط قوات النظام، مهددة من قبل فصائل المعارضة. وهو ما سبّب قلقاً لدى حاضنة النظام. وحاول النظام على مدى الأيام السابقة، إبقاء مناطق مؤديه، والخزان البشري لقواته بمنأى عن الأخطار، ولكن تطورات حرستا قلبت هذه المعادلة، فبات هؤلاء في عين العاصفة.

وسبق للمعارضة أن شنت هجمات هددت النظام في العاصمة دمشق، آخرها في مارس/ آذار الماضي، مع وصول مقاتلي المعارضة إلى حي العباسيين على أطراف دمشق الشرقية. كما شنّت المعارضة هجمات عدة خلال السنوات القليلة الماضية على "إدارة المركبات"، لكنها فشلت في السيطرة عليها أو حصارها. كما فتحت أواخر عام 2015 هجوماً كبيراً من الغوطة الشرقية في إطار معركة "الله غالب"، كادت أن تنجح من خلاله في حصار العاصمة دمشق لولا تدخل الطيران الروسي.