الانحياز الروسي للسعودية بمواجهة كندا: مصالح اقتصادية و"الديمقراطية السيادية"

13 اغسطس 2018
سلمان أول ملك سعودي يزور روسيا (ميخائيل سفيتلوف/Getty)
+ الخط -


منذ الأيام الأولى لاندلاع أزمة العلاقات بين السعودية وكندا، بات انحياز موسكو للرياض واضحاً على المستويين الرسمي والإعلامي، ما أثار تساؤلات حول الدوافع السياسية والاقتصادية لتبني هذا الموقف من التصعيد بين الرياض وأوتاوا التي دعت إلى الإفراج الفوري عن الناشطة سمر بدوي.

وفي هذا الإطار، يشير الخبير في شؤون الشرق الأوسط، دميتري فرولوفسكي، إلى مجموعة من العوامل التي تدفع بروسيا إلى صف السعودية، بينها المصالح المشتركة في مجال الاقتصاد والاستثمار والطاقة، بالإضافة إلى مبدأ "الديمقراطية السيادية" الذي تعتمده روسيا في سياستها الخارجية. ويقول فرولوفسكي، في حديث لـ"العربي الجديد"، "باتت روسيا والسعودية في خندق واحد بسبب تراجع أسعار النفط، وتزايد دور موسكو في الشرق الأوسط، وقد أوفدت الرياض أكبر وفد سعودي إلى منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي هذا العام. أما كندا، فتنتمي إلى مجموعة الدول الغربية وتتضامن مع الولايات المتحدة في جميع الملفات. كما أن مستوى العلاقات الروسية الكندية متدنٍّ جداً". وحول أسباب تشدد موقف السعودية تجاه كندا على خلفية انتقادها لأوضاع حقوق الإنسان في المملكة، قال "يسعى ولي العهد، محمد بن سلمان، لإظهار أنه لا يمزح، كما أن مستوى العلاقات مع كندا أقل منه مع الولايات المتحدة، فقرر التضحية بها".

وعلى مدى سنوات طويلة، أظهرت روسيا انحيازها لدول واجهت انتقادات غربية في ملف حقوق الإنسان، وهو ما ظهر بوضوح في دعمها للنظام السوري وإيران وتركيا في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة منتصف العام 2016. واعتمدت روسيا في ذلك مبدأ "الديمقراطية السيادية"، الذي لا يلزم الدول بإثبات للعالم أنها ديمقراطية ويمنع التدخل في شؤونها الداخلية. إلا أن فرولوفسكي اعتبر أنه على عكس الحالة التركية، فإن "الديمقراطية السيادية" في حالة السعودية تأتي بعد المصالح الاقتصادية. وقال "بشكل عام، فإن سياسة وزارة الخارجية الروسية تعتمد مبدأ الديمقراطية السيادية، الذي كان له دور في تحديد الموقف من الأزمة السعودية الكندية، لكنه لم يكن أساسياً على غرار الحالة التركية. العوامل الرئيسية في الحالة السعودية، هي السعي لإبرام عقود توريد الأسلحة وزيادة الصادرات الزراعية وجذب الاستثمارات السعودية لإقامة البنية التحتية في روسيا، والحفاظ على العلاقات التي وصلت إلى مستوى غير مسبوق".

وفي رد فعل على سحب السفير السعودي من أوتاوا وإعلان السفير الكندي لدى السعودية شخصاً غير مرغوب فيه، سارعت المتحدثة الرسمية باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، للدعوة إلى "الاتفاق على تجاوز الخلافات بشكل متحضر"، مؤكدة، في الوقت ذاته، على ضرورة "مراعاة الخصائص الوطنية ورفض تسييس القضايا الحقوقية". وعلى الصعيد الإعلامي، بثت قناة "روسيا 24" الحكومية تقريراً أبرزت فيه الخسائر "المؤلمة" التي ستتكبدها كندا جراء قطع العلاقات مع السعودية، مشيرة إلى أن الصادرات الكندية إلى المملكة بلغت في العام الماضي نحو 1.5 مليار دولار كندي. من جهتها، نشرت صحيفة "فزغلياد" مقالاً بعنوان "هل يجب أن تكون الدبلوماسية الروسية بنفس حدة السعودية؟"، رأت فيه أن الرياض "أظهرت بوضوح كيفية إبداء رد فعل حازم على الاتهامات من الدول الغربية بعدم الديمقراطية"، مذكرة بأن كندا وجهت انتقادات متكررة إلى روسيا بسبب أوضاع حقوق الإنسان والأزمتين الأوكرانية والسورية. ونقلت الصحيفة عن أستاذ القانون بالمدرسة العليا للاقتصاد في موسكو، ألكسندر دومرين، قوله، "أُطلق على وزارة خارجيتنا (أي الروسية) اسم وزارة القلق أو التسامح. يجب أن يكون الرد على الأعمال غير الودية حقاً أكثر حدة من ذلك. ربما يتعين علينا إتباع ما تقوم به السعودية. إلا أن إقصاء السفير وقطع العلاقات التجارية، رد فعل مبالغ فيه".

وشهدت العلاقات الروسية السعودية تطوراً كبيراً خلال السنوات الماضية، وتنسيقاً بسوق النفط العالمية أسفر عن التوصل إلى اتفاق خفض الإنتاج وتعافي أسعار "الذهب الأسود"، بالإضافة إلى تقريب المواقف في الملف السوري، إذ بات موقف الرياض أقرب ضمنياً إلى موقف موسكو فيما يتعلق بقبولها ببقاء بشار الأسد على رأس النظام. وتُوّج هذا التطور بزيارة العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، إلى موسكو في أكتوبر/تشرين الأول 2017، وعقده محادثات مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في الكرملين. وأسفرت هذه الزيارة التاريخية، التي تعد الأولى لعاهل سعودي إلى روسيا، عن التوقيع على مجموعة من الاتفاقيات قُدّرت قيمتها بمليارات من الدولارات، بالإضافة إلى التوصل إلى اتفاق على تزويد الرياض بمنظومة صواريخ "إس 400" (تريومف) المتطورة للدفاع الجوي.