تسمية الحريري لتشكيل الحكومة اللبنانية: اختبار جمع الأفرقاء

03 نوفمبر 2016
أكد الحريري نيّته تشكيل حكومة تجمع كل القوى(حسين بيضون)
+ الخط -
يخطو النظام اللبناني خطوة ثانية نحو استعادة المؤسسات الدستورية دورها بعد عامين ونصف العام من الخلل الذي أصاب مجلسي الوزراء والنواب نتيجة الشغور الرئاسي. وبعد إنجاز الاستحقاق الرئاسي وانتخاب النائب ميشال عون رئيساً، تم تكليف النائب سعد الحريري، بتشكيل الحكومة اللبنانية الأولى في العهد الجديد. وهو تكليف كان مضموناً عددياً مع تسمية معظم الكتل النيابية الكبرى للحريري (حصل على أصوات 112 نائباً من أصل 126)، لكنه لم يكن مضموناً سياسياً بسبب معارضة "قطبي الثنائية الشيعية" (حركة أمل وحزب الله) للمشهد السياسي العام الذي رسمته التحالفات الثنائية لعون مع حزب "القوات اللبنانية" و"تيار المستقبل".
ومقابل بقاء "حزب الله" على موقفه غير المرحب بوصول الحريري إلى سدة الرئاسة الثالثة في لبنان، فقد اختار رئيس مجلس النواب نبيه بري أن يكون آخر من يسمي الحريري لتشكيل الحكومة. وهي تسمية منحت الرئيس المُكلف تشكيل الحكومة "الميثاقية" من قبل مُمثلي مختلف الطوائف في البرلمان. واعتبر بري في تصريح من القصر الرئاسي، أنه عبر ترشيح الحريري يكون "أوفى الدين الذي بذمته كاملاً"، بعد موقف سابق بدعم الحريري "ظالماً أو مظلوماً". وأكد بري أنه مستعد للتعاون "إذا أرادوا التعاون، ومستعد أن أكون في المعارضة إذا أرادوا أن نكون في المعارضة". ولا يتحدث رئيس مجلس النواب باسمه فقط، بل باسم "حزب الله" أيضاً الذي فوّضه بإنجاز التفاهم على تشكيلة الحكومة. وإن كان بري قد "أوفى بكامل الدين" للحريري، فإن مسار المفاوضات لتشكيل الحكومة قد بدأ وبسقوف مرتفعة لمختلف الأحزاب والتيارات السياسية.

حكومة وحدة بمواجهة المطالب
حسم الحريري خياره بالإعلان عن نيّته تشكيل حكومة وحدة ووفاق وطني "تجمع كل القوى السياسية تحت سقف خطاب القسم الذي ألقاه رئيس الجمهورية"، إلا أن الحسبة العددية لتوزيع الوزراء ستكون معقدة، وذلك بسبب تعدّد الكتل السياسية التي ترى أنها ساهمت في صياغة التسوية الرئاسية وتريد حصتها من العهد الجديد. وتتوقع مصادر سياسية محلية أن تتواضع السقوف المرتفعة لمطالب الأحزاب والتيارات على صعيد عدد المقاعد الوزارية والحقائب مع اقتراب إنجاز الاتفاق على التشكيلة الوزارية.
ويجري حالياً البحث في إمكانية زيادة عدد مقاعد الحكومة من 24 (موزعة مناصفة بين المسلمين والمسيحيين) إلى 30 وزيراً، لمنح مختلف القوى السياسية الرئيسية وحلفائها مقاعد إضافية. ويجري الرئيس المُكلف، اليوم الجمعة وغداً السبت، الاستشارات النيابية غير المُلزمة التي ستجمعه برؤساء الحكومات السابقين وبالكتل النيابية في مجلس النواب. ومع التزام الحريري بـ"الاتفاق على قانون انتخابي عادل وإشراف الحكومة المُقبلة على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها"، يُفترض إنجاز التشكيلة الوزارية سريعاً، لأن موعد الانتخابات هو بعد 6 أشهر فقط.


ولن ينطلق البحث في قانون الانتخابات الجديد من الصفر، إذ لا يزال مشروع القانون الذي قدّمته حكومة نجيب ميقاتي حاضراً، وينصّ على اعتبار كل محافظة دائرة انتخابية مع اعتماد النظام النسبي، إضافة إلى اتفاق "القوات اللبنانية" و"التيار الوطني الحر" و"الحزب التقدمي الإشتراكي" على قانون مُختلط يجمع بين النظامين الأكثري والنسبي.
كما يأمل الحريري أن تعيد حكومته "ثقة اللبنانيين بدولتهم من خلال حل المشاكل الأمنية والاقتصادية والسياسية والبيئية، واستعادة ثقة العرب والعالم بلبنان سياسياً واقتصادياً". وهو ما أكده حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، في تصريح اعتبر فيه أن "انتخاب رئيس جديد للجمهورية سيعيد الثقة إلى الاقتصاد اللبناني".

تاريخ حكومي سيئ

لا يُبشّر تاريخ العلاقة الحكومية بين آل الحريري من جهة، وبين قطبي الثنائية الشيعية بالخير، مع إحجام "حزب الله" وحركة "أمل" عن تسمية رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري أو ابنه سعد لرئاسة الحكومة على مر الحكومات الست التي ترأسها الرجلان بين عامي 1992 و2011. كما يُشكل إسقاط حكومة سعد الحريري الأولى من قِبل قوى تحالف الثامن من آذار (حزب الله، حركة أمل، والتيار الوطني الحر) عام 2011، محطة مهمة في مسيرته السياسية، وسبق إسقاطها عرقلة تشكيلها طوال أشهر طويلة، حتى اضطر الحريري لتقديم اعتذاره لرئيس الجمهورية، ثم تكليفه مجدداً بتشكيل تلك الحكومة التي لم تصمد لأكثر من عامين، قبل أن تدفع "الظروف الأمنية" الحريري إلى مغادرة لبنان لسنوات. وتجتمع اليوم الأطراف المتعارضة نفسها للتفاوض على تشكيلة الحكومة الجديدة التي ستُعتبر مستقيلة في حال إنجاز الانتخابات النيابية بعد 6 أشهر، أو سيطرح تأخر تشكيلها تمديداً جديداً محتملاً لولاية مجلس النواب.