نهاية مسلسل التعديل الوزاري المصري: فريق سكرتاريا بخدمة الرئيس

15 فبراير 2017
لم يكن رئيس الوزراء يتوقع الاستمرار في منصبه(مصطفى الشامي/الأناضول)
+ الخط -
تعد أحداث الساعات الأخيرة في أروقة الحكومة والبرلمان المصريين، بما شهداه من غموض أسماء المرشحين لتولي الوزارات في التعديل الحكومي الجديد، وتردد في طرح بعض الأسماء والتراجع عن اختيار البعض الآخر، تعبيراً واضحاً عن مدى الارتباك السياسي والإداري لنظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وحجم الخلافات بين دوائر النظام والأجهزة السيادية المختصة بإعداد تقاريرها عن الوزراء، بالإضافة إلى تأكيد ضعف رئيس الحكومة وتضاؤل أهميته وتقليص مساحة تحركه.

فبين الأخبار الصحافية المنقولة عن الحكومة والبرلمان، والتي "زفّت" تارة نبأ الانتهاء من تحديد الوزراء الجدد ونقلت تارة أخرى أنباء تعثر الترشيح نتيجة للاعتذارات أو رفض السيسي أو جهات أخرى، تعطلت المصالح الحكومية المرتبطة بدواوين جميع الوزارات بشكل ملحوظ، إلى حد تعليق الاجتماعات المقررة للجان مهمة في بعض الوزارات الخدمية والسيادية، تحسباً لرحيل الوزراء المعنيين أو استمرارهم.


وأدى الغموض وعدم الكفاءة في اختيار المرشحين بالإضافة لتصارع دوائر النظام إلى مرور شهر تقريباً بعد حديث السيسي لأول مرة عن قرب التعديل الوزاري من دون إجراء هذا التعديل، وذلك لأول مرة في تاريخ مصر. وقد انعكس الأمر على أداء العديد من الوزراء الحاليين سلباً، إذ تنازعتهم المعلومات المتداولة بين بقائهم ورحيلهم، ما عرقل اتخاذ القرارات وتنفيذ الخطط الموضوعة سلفاً. وعلى عكس ما يتداول في وسائل الإعلام المصرية، فإن رئيس الحكومة لم يتلق توجيهات من السيسي بالبدء في مشاورات التعديل الوزاري إلا عندما قال السيسي ذلك في حواره مع الصحف القومية الثلاث يومي 16 و17 يناير/ كانون الثاني الماضي، وأن رئيس الحكومة كان يعتقد قبل هذا التاريخ أنه نفسه سيكون في عداد الراحلين بتعيين رئيس جديد للحكومة بعد مرور ذكرى ثورة يناير. ويعكس هذا الأمر ضعف التواصل بين السيسي وشريف إسماعيل على هذا المستوى من القرارات على الرغم من أنهما يجتمعان 4 مرات أسبوعياً.

ويكشف تطور الأحداث أن شريف إسماعيل، الذي شكل الحكومة لأول مرة في سبتمبر/ أيلول 2015 وأجرى تعديلاً حكومياً قبل أقل من عام، وتحديداً في مارس/ آذار 2016، لم يكن يتوقع الاستمرار في منصبه في ظل انتشار معلومات عن سوء حالته الصحية، ووجود بعض مؤشرات لعدم رضا السيسي عنه، كعقده اجتماعات بالوزراء على انفراد أو في حضوره. ويضاف إلى ذلك استمرار تدخل السيسي بالتعليمات والملاحظات في كل صغيرة وكبيرة، بما في ذلك الملفات التي كان قد أوكلها لشريف إسماعيل، كالتعامل الرسمي مع البرلمان وإعداد مشروعات القوانين الخاصة بالاستثمار بالإضافة لموضوعات الطاقة التي تعتبر اختصاصه الأساسي كوزير سابق للبترول قضى حياته الوظيفية كلها في مناصب الهيئة العامة للبترول.

كما كانت بعض الدوائر القريبة من السيسي تخطط للإطاحة بإسماعيل، وتصعيد واحد من الشخصيات التي عرفت بعلاقتها المتوترة مع إسماعيل وفي الوقت ذاته علاقتها الجيدة بجهات أمنية وسيادية؛ أبرزها وزير التنمية المحلية أحمد زكي بدر، ووزير التخطيط أشرف العربي. فالأول كان معروفاً بأنه مدعوم من بعض المقربين من السيسي، مثل مدير الهيئة العربية للتصنيع الفريق عبدالعزيز سيف الدين، والثاني معروف بعلاقته الوطيدة بمساعدة السيسي للأمن القومي الوزيرة السابقة فايزة أبو النجا.

إلا أن السيسي قرر بشكل مفاجئ الإبقاء على إسماعيل. وتبرر مصادر مطلعة هذا القرار بأنه امتداد لقرار تعيينه رئيساً للوزراء من دون بقية زملائه الأكثر تميزاً منه في حكومة رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب، فالطبيعة الشخصية للسيسي تأبى أن يكون لديه رئيس وزراء قوي، لأنه يرغب في التدخل في جميع تفاصيل الأمور الفنية أو السياسية، بما في ذلك ما كان بعيداً تماماً عن اختصاصه، إلّا في ملف واحد فقط هو الملف التشريعي والقضائي، والذي يوكله إلى مجموعة من المختصين الذين يثق فيهم، كشقيقه القاضي أحمد السيسي والوزير السابق مفيد شهاب والمحامي محمد أبوشقة، وأخيراً انضم لهذه المجموعة وزير العدل حسام عبدالرحيم الذي أصبح المختص الأول بالتشريع في الحكومة.

ويسيطر هذا الانطباع على معظم العاملين في ديوان مجلس الوزراء ودواوين الوزارات الكبرى. وهو ما تصفه المصادر بقولها إن "الوزراء تحولوا إلى سكرتارية في الآونة الأخيرة، وحتى من يتمتعون بمساحات تحرك واسعة نظراً لارتباطهم بملفات معقدة ودقيقة، فلا يستطيعون التحرك إلا بضوء أخضر من السيسي أو مساعديه ومستشاريه أو مدير مكتبه"، لا سيما مع اتساع سلطة مندوبي هيئة الرقابة الإدارية في كل وزارة وتحكمهم في القرارات والسياسات؛ وهم تابعون للدائرة المخابراتية - الرقابية اللصيقة بالسيسي والتي يديرها مدير مكتبه عباس كامل شخصياً.

ولم يؤثر استمرار شريف إسماعيل كثيراً على طريقة اختيار الوزراء؛ فتحكمت فيها بشكل كبير الأجهزة السيادية، من مخابرات ورقابة إدارية، إلّا أحمد زكي بدر، الذي كان مرشحاً لتولي رئاسة الحكومة بدلاً منه. وبحسب المصادر، أصر إسماعيل على رحيله لوجود خلافات حادة بينهما على طريقة إدارة ملف المحليات، وتعامل بدر معه باستعلاء وباعتباره يملك خبرة إدارية أكبر منه، وهو ما أثار حفيظة إسماعيل، الذي عكس اختياره للدكتور هشام الشريف خلفاً لبدر حقيقة محدودية رؤيته وعلاقاته. وحاز الاختيار على موافقة الأجهزة السيادية بطبيعة الحال، نظراً للخلفية العسكرية والسياسية المأمونة تماماً للشريف.

فهشام الشريف ليست له أي خبرة في التعامل مع ملف المحليات، بل إن اختصاصه الأصلي هو التنمية الإدارية وتكنولوجيا المعلومات، فبعدما تخرج من الكلية الفنية العسكرية شارك في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك في إنشاء مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء. وبعدما ترأسه لفترة، انضم إلى الحزب الوطني المنحل وتم تعيينه عضواً في أمانة السياسات، وتوارى عن الأنظار تماماً بعد خلع مبارك، وعاد بعد الإطاحة بحكم جماعة الإخوان، إذ شغل منصب مستشار مجلس الوزراء.

أما اختيار باقي الوزراء فلم يتدخل فيه شريف إسماعيل تماماً، بحسب مصادر بمجلس الوزراء. فتسمية النائب والوزير الأسبق في عهد مبارك (وخريج الكلية الفنية العسكرية)، علي المصيلحي، وزيراً للتموين أتت من الدائرة المخابراتية - الرقابية باعترافه شخصياً، إذ أعلن أن "جهة أبلغته باختياره وزيراً، من دون إعلامه بالحقيبة". وفي وقت لاحق، قال إنه يفضل تولي وزارة الاستثمار، وفي النهاية تبين أنه سيتولى وزارة التموين بدلاً من اللواء محمد علي مصيلحي الذي لم يقض في الوزارة أكثر من 5 أشهر كشفت فشله في إدارة هذا الملف على الرغم من خبرته العسكرية.

وبقيت مسألة ضم وزارة قطاع الأعمال التي استحدثت في مارس/ آذار 2016 غير محسومة لحين عرض التعديلات النهائية على مجلس النواب. وبالطريقة نفسها تمت الإطاحة بوزيرة الاستثمار داليا خورشيد نظراً لإعداد الدائرة المخابراتية - الرقابية تقارير سلبية عنها على مدار الأشهر الماضية بسبب تعدد شكاوى المستثمرين العرب والمحليين منها، وحلت بدلاً منها المصرفية لبنى هلال، التي تولت العديد من المناصب في مختلف أجهزة الدولة بعد الإطاحة بحكم جماعة الإخوان، وعلى رأسها عضوية مجلس إدارة البنك المركزي نظراً لعلاقتها الوطيدة بدائرة السيسي.

كما أطاحت دائرة السيسي بوزير الشؤون القانونية مجدي العجاتي بسبب فشله في إدارة ملف "تيران وصنافير" أمام محاكم مجلس الدولة بعدما كان قد تعهد بإنجاز الملف لصالح الدولة، بالإضافة لصدامه الدائم مع وزير العدل حسام عبدالرحيم، الذي يحظى بثقة السلطة بسبب علاقته الطيبة بالقاضي أحمد السيسي، شقيق رئيس الجمهورية، وتنفيذه سياسات النظام المتشددة في تضييق الخناق على قضاة تيار الاستقلال ووضع تشريعات لمحاربة التيارات الإسلامية والسياسية المعارضة. ومن أبرزها مشروع قانون لجنة التحفظ على أموال الجماعات الإرهابية، في الوقت الذي يعارض فيه العجاتي بعض هذه المشروعات بدعوى أن بها عواراً دستورياً.

وجاء اختيار القاضي عمر مروان خلفاً للعجاتي تكريساً لسيطرة وزير العدل والمقربين منه على الدائرة التشريعية الأساسية للدولة، إذ إن مروان معروف بعلاقته الوطيدة بوزير العدل حيث كان يعمل مساعداً له لشؤون الشهر العقاري، وهو يدين له بالولاء والتبعية التامة، في حين تم استبعاد عدد من المرشحين لهذا المنصب على الرغم من خبرتهم الأوسع بالعمل التشريعي نظراً لانتمائهم لمجلس الدولة، في مؤشر إضافي للخلافات بين النظام الحاكم وهذه الهيئة القضائية.

أما التعديل الذي مثل مفاجأة لكثيرين، فهو إطاحة وزير التخطيط أشرف العربي، الذي كان من المرشحين أيضاً لرئاسة الحكومة. وأوضحت مصادر في مجلس الوزراء أن الفترة الماضية شهدت خلافات حادة بينه وبين هيئة الرقابة الإدارية حول طريقة تخفيض حجم العمالة في الجهاز الإداري للدولة، وإعداد الهيئة تقارير بمخالفات عدد من المسؤولين المقربين منه.

إلى ذلك، عبّر بقاء وزير السياحة يحيى راشد عن التسويات بين أجهزة النظام، إذ أعد جهاز المخابرات تقريراً يشيد فيه بأداء راشد وتصديه للفساد ومحاولته السيطرة على المستثمرين من خلال التحكم في الغرف السياحية وتقليص مساحات حركتها وتعاونها مع الشركات والجهات الأجنبية، وأوصى باستمراره، وذلك بالمخالفة لتقرير آخر كانت قد أعدته الرقابة الإدارية تضمن توصية بإقالة راشد نظراً لتسببه في مشاكل عديدة مع مستثمرين ورجال أعمال. وذكر التقرير أن راشد يعيق جهود الاستثمار الأجنبي في مجال السياحة. وتم إسناد حقيبة الاستثمار إلى وزيرة التعاون الدولي سحر نصر، وذلك للارتباط بين الملفين في ظل إنشاء مجلس أعلى جديد للاستثمار برئاسة السيسي.