تونس: صراع حزبي على خزان الجنوب الانتخابي

20 مارس 2019
تحدّد موعد الانتخابات في الخريف المقبل (حسام الزواري/ الأناضول)
+ الخط -



باكراً انطلقت الحملات الانتخابية التونسية، للانتخابات التشريعية المقررة في 6 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، والرئاسية في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. بدأت الحملات تحديداً في مدن جنوبي شرق تونس، التي شهدت وصول عدد من قيادات الأحزاب السياسية التي لم تتأخر في الدخول مباشرة في سجال غير مباشر، ينبئ بأن الحملة الانتخابية الرسمية ستكون ساخنة جداً خلال الصيف المقبل. وكانت تصريحات رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، لافتة في المدن التي زارها، وكذلك استعراض شعبيته وشعبية حزبه، خصوصاً في بنقردان، حيث عُقد الاجتماع في ملعب كرة قدم، وأظهرت الصور التي نشرتها الحركة أن مدارجها كانت ممتلئة. وتحوّل الغنوشي أيضاً إلى مدنين وتطاوين وانتهى بجزيرة جربة السياحية، حيث التقى بكبير أحبار اليهود المقيمين في الجزيرة.

واستفزّ الغنوشي منافسي حزبه، حين اعتبر في تصريح إعلامي في مدنين أن "النهضة ليست في حاجة إلى حملة انتخابية في الجنوب، فهذه المنطقة ظلت باستمرار نهضاوية، منذ انتخابات عام 1989 ولها ميل واضح نحو الاتجاه الإسلامي والنهضة"، مضيفاً أن "النهضة هي أكثر الأحزاب ديمقراطية في تونس".

هذه التصريحات أثارت بعض قيادات المعارضة، خصوصاً وزير أملاك الدولة السابق، مبروك كورشيد، الذي اعتبر في تصريح صحافي أن "رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي يعتقد أن الحصول على الأصوات الانتخابية في ولايات الجنوب ليس مبنياً على أساس برنامج يقدم من حزبه لفائدة أبنائه". وأضاف كورشيد أن "الغنوشي يعتبر أن أصوات ولايات الجنوب ستأتي تلقائياً، وهذا يعني أنه لن يُعدّ برنامجاً لتنمية الجنوب وللدفاع عنه بواسطة الانتخابات، وسيترك المسألة للاستجابة التلقائية للناخبين لحزبه". واعتبر أنه "حسب تقديري، فإن هذا يبرر بأن الغنوشي لن ينجز أي شيء للجنوب، على الرغم من تصويت أبناء الجنوب لحركته منذ 8 سنوات، ولن يقدّم لهم أي شيء في المستقبل، لأنه لا يعتبر الجنوب منطقة يجب أن يُقدّم لها برنامج انتخابي وعلى أساسه يتم انتخاب حزبه. وهذا ما يؤكد أن النهضة لا يشغلها أي إنجاز لفائدة الجنوب، ولن تفعل ذلك مستقبلاً ما دامت مطمئنة على أصوات ناخبيها".

ودعا الأمين العام لحزب التيار الشعبي، زهير حمدي، من مدنين إلى "استرداد المنطقة بعد سقوطها في أيادي الثورة المضادة، حركة النهضة وحركة نداء تونس"، مضيفاً لإذاعة "شمس" أن "الرأي العام والناخبين مطالبون بتغيير ميزان القوى وإلحاق الهزيمة بالأحزاب التي خذلتهم طيلة 8 سنوات".

ومن مدينة سيدي بوزيد، وجّه رئيس الحكومة الأسبق، مهدي جمعة، ما سماه "نداء الفرصة الأخيرة إلى القوى السياسية العصرية المنحازة إلى التقدم والإصلاح، للالتقاء في جبهة انتخابية موحدة في برنامج انتخابي مشترك بديل عن التشتت الحالي". وحمّل كل الأطراف "مسؤولية عدم الدخول في توافقات جدية وسريعة والتعاقد على رؤية وبرنامج وفريق عمل، لتحويل الأغلبية في المجتمع إلى أغلبية في الحكم، من أجل إعادة التوازن المفقود في الساحة السياسية، ولتوجيه رسالة قوية للتجميع في الاستحقاق الانتخابي المقبل".



ودعا جمعة إلى "توفير المناخات السياسية لإنجاز انتخابات حرة ونزيهة، لا يُطعن في نتائجها، من خلال ضمان حياد الإدارة واستقلالية الإعلام وعدم توظيف أجهزة الدولة لمصالح حزبية وشخصية ضيقة". ولكن تحذيرات الغنوشي بشأن مناخ الانتخابات كانت أكثر صرامة، ونقلت عنه وكالة الأنباء التونسية قوله إن "الانتخابات المقبلة ستحسم الخلاف في تونس، لذلك برزت محاولات لقطع الطريق أمام الممارسة الديمقراطية وعدم الوصول إلى موعد الانتخابات، بعمليات إرهابية أو تفجير بعض القضايا والتشويش، خصوصاً أن تلك الأطراف تفتقد الثقة بنفسها وبالشعب". وأشار إلى أن "استطلاعات الرأي ترجّح كفة حزبه في الانتخابات". كما اعتبر أن "تلك الأطراف تسعى إلى جعل المعركة قضائية أو أمنية، فيما أن المعركة سياسية بالأساس ولن تُحلّ سوى بصناديق الاقتراع".

هذه الصراعات حول خزان الجنوب الانتخابي تعتبر منطقية بالنظر إلى أهمية هذه الجهة وتأثيرها في الميزان العام، تحديداً بالنسبة لحركة النهضة، التي سبق لها أن حققت أكبر انتصاراتها هناك. ففي الانتخابات التشريعية الماضية في عام 2014 بلغ عدد أصوات الناخبين في مدنين 125007 أصوات، حصلت النهضة منها على 68795 صوتاً من بين 34 قائمة متنافسة. وفي تطاوين نالت النهضة 22770 صوتاً من بين 34810 أصوات تنافست عليها 31 قائمة. وفي قبلي حصلت النهضة على 21944 صوتاً من بين 55610 أصوات مصرّح بها، تنافست عليها 27 قائمة.

وهيمنت النهضة على كل محافظات الجنوب الشرقي، وبلغ معدل التصويت لصالحها 55.28 في المائة، وتجاوزت نصف الأصوات المصرّح بها في كل المحافظات. فنالت في قابس 50.13 في المائة من الأصوات، وفي مدنين 55.03 في المائة، وحققت في تطاوين رقمها القياسي بـ 65.41 في المائة. وباستثناء قفصة وتوزر، حيث تعادلت النهضة مع نداء تونس، فقد تمكنت من الحصول على 17 مقعداً من أصل 36 مقعداً ممكناً في الدوائر الانتخابية. كما حصلت على 4 مقاعد من أصل 7 في دائرة قابس، و5 مقاعد من أصل 9 في مدنين، و3 مقاعد من أصل 4 في تطاوين.

ولم تتغيّر هذه الهيمنة النهضوية في الانتخابات البلدية الأخيرة، فحصلت النهضة في ولاية مدنين مثلاً على 46.39 في المائة من الأصوات، تلتها القوائم المستقلة بـ 30.42 في المائة، ثم نداء تونس بـ 12.08 في المائة. وحصلت باقي القوائم الحزبية والائتلافية مجتمعة على 11.11 في المائة. وتشير معظم الاستطلاعات إلى فوز النهضة في الانتخابات المقبلة. وهو أمر مفهوم بالنظر إلى الانشقاقات التي ضربت منافسها الأول، نداء تونس، وبالنظر إلى تشتت بقية الأصوات المنافسة، فيما يحاول الحزب الجديد، تحيا تونس، أن يكون وريث هذه المنافسة ذات القطبين.

ولكن المنافسة على الجنوب لا تحتكرها حركة النهضة، على الرغم من اكتساحها الشعبي هناك، فعلى المستوى الرئاسي ينبغي التذكير بنفس الهيمنة التي حققها الرئيس السابق منصف المرزوقي في سباقه مع الرئيس الباجي قائد السبسي. فنال في قابس 95305 أصوات في مقابل حصول السبسي على 24017 صوتاً. ونال المرزوقي في قفصة 58222 صوتاً في مقابل 19377 صوتاً لمنافسه. وحقق المرزوقي في توزر 24933 صوتاً في مقابل 10337 للسبسي. ونال المرزوقي في قبلي 49327 صوتاً، فيما حصل السبسي على 7721 صوتاً فقط. وفي مدنين جمع المرزوقي 100865 صوتاً بينما نال السبسي 23767 صوتاً.