بدأت وزارة الخارجية المصرية التواصل مع عدد من نواب الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس الأميركي، في إطار عملية "ترويج وحشد سياسي" تحاول القاهرة أن تكون واسعة داخل الدوائر السياسية الأميركية، في مواجهة الحشد الإثيوبي المضاد لشخصيات في دوائر عدة، لدعم ما تصفه أديس أبابا بـ"حق شعبها في استغلال موارده الطبيعية" بإنشاء سدّ النهضة، وإنجاز بنائه في الأشهر المقبلة، بالتوازي مع بدء حجز المياه عن السودان ومصر لملء بحيرة السدّ للمرة الأولى في يوليو/ تموز المقبل بنحو 4.9 مليارات متر مكعب من المياه.
وقالت مصادر دبلوماسية مصرية، لـ"العربي الجديد"، إنّ التحرك المصري على صعيد الحشد في الأوساط الحزبية الأميركية "تأخّر كثيراً"، قياساً بالتحرّك الإثيوبي الذي كان خفياً، لكنه يؤتي ثماره بين الحين والآخر، سواء بالتأثير على اتجاهات الخارجية الأميركية، أو توجيه الإعلام الأميركي ضدّ مشروع الرئيس دونالد ترامب ووزير خزانته ستيفن منوتشين، المؤيد لحقّ مصر في ضرورة الاتفاق على قواعد الملء والتشغيل قبل البدء في الملء الأول للسدّ.
وذكرت المصادر أنّ السفارة المصرية في واشنطن تستعين بمؤسسة علاقات عامة سبق أن تعاقدت معها المخابرات العامة أكثر من مرة، لعقد فعاليات وإقامة لقاءات وشنّ حملات إعلامية لتحسين صورة النظام المصري، وقد بدأت بالفعل في تنسيق لقاءات مع عدد من النواب والسياسيين الأميركيين، لتوضيح موقف القاهرة من قضية السدّ، ومحددات التفاوض والتنازلات التي قدمتها بغية الوصول إلى اتفاق يوازن بين حقوق جميع الأطراف. فضلاً عن التركيز على تقديم بيانات تؤكّد ارتفاع كفاءة الاستفادة المصرية من المياه في السنوات الأخيرة، وتقليل المهدر والمفقود، وهي نقطة تروج إثيوبيا لنقيضها، باعتبار أنّ مصر تحمّلها كلفة فشلها في إدارة مواردها، وأنها تحصل سنوياً على أكثر من 80 مليار متر مكعب من مياه النيل، أي أكثر من الحصة المنصوص عليها في اتفاقية 1959 مع السودان، بواقع 30 مليار متر مكعب، الأمر الذي لا تعترف به مصر، وتؤكّد أنّ كفاءة استغلال المياه تصل حالياً إلى أكثر من 85 في المائة.
ومن أبرز النواب الذين يقودون الحشد داخل الكونغرس لصالح إثيوبيا وضدّ مصر ووزارة الخزانة، النائبان عن الحزب الديمقراطي جون غاراميندي، وستيفن هورسفورد، واللذان عقدا بعض الاجتماعات مع أفراد من الجاليات الإثيوبية في واشنطن ونيفادا وكاليفورنيا، تضمنت طمأنتهم لوجود رأي عام قوي مساند لأديس أبابا داخل الحزب الديمقراطي تحديداً.
وأوضحت المصادر أنّ القاهرة بدأت تشعر بالقلق منذ وصول معلومات إليها عن تحرك شخصيات بارزة من أصول يهودية وأفريقية في الخارجية الأميركية، تعتبر أنّ القاهرة "تبالغ في تصور حجمها واستحقاق نصيب أكبر من مياه النيل"، زاعمة أنّ إثيوبيا ودول المنبع هي الأحق حالياً بالدعم الأميركي، بسبب فشل تلك الدول على مدار عقود في استغلال مياه النيل للتنمية، خصوصاً في توليد الكهرباء وتنظيم الزراعة وخلق مزارع سمكية وغيرها من الأنشطة، التي ترغب في استغلالها شركات أميركية وأوروبية وآسيوية مختلفة. فضلاً عن إعداد الخارجية الأميركية تقارير قانونية تؤكد عدم مشروعية أي اتفاق يعقد بوساطة وزارة الخزانة، وبصياغتها، لأسباب عدة من وجهة نظرها، والمتناقضة بالطبع مع رؤية وزارة الخزانة، وقبلها الرؤية المصرية، وهي المعلومات التي نشرها "العربي الجديد" الأربعاء الماضي تفصيلياً.
ودخلت القاهرة وأديس أبابا في معركة كلامية طوال الأسبوع الماضي، على خلفية مقاطعة إثيوبيا لجولة مفاوضات سدّ النهضة الأخيرة في واشنطن، والتهديد الإثيوبي بالملء الأول بالتوازي مع إنهاء الإنشاءات، فاتهمتها مصر بأنها تغيّبت عمداً عن اجتماع واشنطن لإعاقة مسار المفاوضات، وبأنها تنشر المغالطات وتشوه الحقائق وتتنصل من التزاماتها بموجب قواعد القانون الدولي، وبالأخص أحكام اتفاق إعلان المبادئ الموقع عام 2015. وأعلنت القاهرة تأييدها لما وصفته بـ"الاتفاق العادل والمتوازن الذي بلورته الولايات المتحدة والبنك الدولي"، معتبرةً أنه "يمثّل حلاً وسطاً عادلاً ومتوازناً، تمّ استخلاصه من واقع جولات المفاوضات السابقة".
وفي تصعيد مصري غير مسبوق في وضوح إشارته، من دون تصريح، عقد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اجتماعاً الثلاثاء الماضي، ضمّ عدداً كبيراً من القيادات العسكرية في مقرّ الأمانة العامة لوزارة الدفاع، على رأسهم وزير الدفاع الفريق أول محمد زكي، ورئيس الأركان الفريق محمد فريد حجازي. وقد تطرق البيان الرئاسي الصادر عن الاجتماع إلى "ضرورة التحلي بأعلى درجات الحيطة والحذر والاستعداد القتالي، وصولاً إلى أعلى درجات الجاهزية لتنفيذ أي مهام توكل إليهم لحماية أمن مصر القومي، وذلك في ظلّ التحديات الراهنة التي تموج بها المنطقة".
واستطاعت مصر، الخميس الماضي، اكتساب تأييد أغلبية دول جامعة الدول العربية على مشروع قرار من مجلس وزراء الخارجية العرب، يؤيّد موقف مصر في مواجهة إثيوبيا في قضية سدّ النهضة، لكن السودان تحفّظ على المشروع، وأكد ممثلوه أنّ إقحام الجامعة العربية في هذا الملف أمر يضرّ بموقفه، وأبدى تخوفه من أن يؤدي إلى مواجهة عربية إثيوبية.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وقبيل انطلاق الاجتماعات الفنية الحاسمة برعاية الولايات المتحدة والبنك الدولي، صرح نائب مدير مشروع السدّ، بيلاتشو كاسا، لوكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية، بأنّ عملية الإنشاء تتقدّم من دون أي تباطؤ "كما كانت من قبل"، وأنه تمّ بالفعل الانتهاء من لوح الوجه الخاص بسدّ السرج، وهو سدّ الخرسانة للوجه الصخري، الموجود على يسار السد الرئيسي. وللحفاظ على سلامة تدفق المياه، تم إنجاز العمل في جانب المجرى ليصبح السدّ قادراً على توفير الطاقة المطلوبة حتى 100 عام. وسيضم السد ثلاثة مجارٍ للمياه، بما في ذلك مجرى مائي في وسط السد الرئيسي، وممر للفتحات (قناطر) يمكن أن يسمح بمرور أكثر من 14 مليون متر مكعب من المياه، وممر للطوارئ في الجانب الأيسر من سدّ السرج.
وتجادل مصادر مصرية بأنّ إثيوبيا قد لا تستطيع فنياً البدء في ملء الخزان في يوليو/ تموز بسبب عدم جاهزية الجسم الخرساني للقطاع الأوسط من السدّ حتى الآن، والمفترض أن يتم الانتهاء منه قبل شهرين على الأقل من بدء الملء، أخذاً في الاعتبار أن الحكومة الإثيوبية أعلنت أنّ السدّ تم إنجازه بنسبة 70 في المائة فقط، علماً بأنّ مصر كانت تتمنى البدء السريع في فترة الفيضان والرخاء الحالية في نهر النيل.