لم يكن الاتفاق بين حكومة جنوب السودان و"الحركة الشعبية" المعارضة التي يقودها النائب الأسبق للرئيس رياك مشار، على تمديد الفترة ما قبل الانتقالية إلى ثلاثة أشهر جديدة، بعيداً عن التوقعات، وذلك مع استمرار الفشل الذي لازم تنفيذ اتفاق السلام الموقّع بينهما في سبتمبر/أيلول 2018، والذي ينصّ على تأليف حكومة جديدة من الطرفين ومن مجموعات مسلحة أخرى، بعد 8 أشهر من التوقيع، على أن تدير تلك الحكومة البلاد لمدة 36 شهراً، تعقبها انتخابات عامة في البلاد لاختيار حكومة جديدة.
وتلقّى اتفاق السلام الذي وُقّع في الخرطوم برعاية الرئيس السوداني السابق عمر البشير، ضربة قوية، بعد إطاحة الثورة السودانية بالأخير في إبريل/نيسان الماضي، ما فرض على الأطراف الجنوبية تأجيل تشكيل الحكومة وترتيبات أخرى لستة أشهر أخرى انتهت هذه الأيام.
وعقد رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت اجتماعاً يوم الخميس الماضي مع رياك مشار، في مدينة عنتبي الأوغندية، بحضور رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، والرئيس الأوغندي يوري موسفيني، الذي يُعدّ بموجب اتفاق 2018 الضامن الثاني للاتفاق إلى جانب السودان.
وعقب الاجتماع، أصدر موسفيني بياناً أعلن فيه أنّ الأطراف اتفقت على تمديد الفترة ما قبل الانتقالية إلى ثلاثة أشهر، تبدأ من 12 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي. كما جرى الاتفاق على تشكيل آلية لمتابعة تنفيذ القضايا العالقة، ولا سيما تلك المرتبطة ببند الترتيبات الأمنية، على أن تقوم الآلية برفع تقريرها للسودان وأوغندا في نهاية الأشهر الثلاثة. وطالب البيان المجتمع الدولي بدعم تنفيذ بنود اتفاق السلام، من أجل تحقيق الاستقرار والتنمية في جنوب السودان.
وخلال الفترة الجديدة التي تم تمديدها، يفترض أن تكمل الأطراف عملية تدريب وتشكيل قوات مشتركة مناط بها حماية الشخصيات الدستورية خلال الفترة الانتقالية، كما عليهما الاتفاق على عدد ولايات البلاد بعد اعتراض المعارضة على العدد الحالي المحدد بـ32 ولاية، والذي قررته حكومة سلفاكير ميارديت، ويراه رياك مشار وقادة المجموعات المعارضة الأخرى كبيراً إذا ما قورن بإمكانات البلاد وتعقيداتها الإثنية.
وأعلن سلفاكير، في تصريحات أول من أمس الجمعة، أن موافقته على تمديد الفترة ما قبل الانتقالية، وإرجاء تشكيل الحكومة الانتقالية، يأتي كي لا يمنح المعارضة المسلحة "فرصة للعودة إلى الحرب مجدداً".
لكن الخارجية الأميركية أعربت عن خيبة أملها لتأجيل تشكيل الحكومة الانتقالية بجنوب السودان. وقال مساعد وزير الخارجية لمكتب الشؤون الأفريقية، تيبور ناغي، في تغريدة عبر "تويتر" أخيراً، إن بلاده "تشعر بخيبة أمل شديدة"، معتبراً أنّ "عدم قدرة الزعيمين (سلفاكير ومشار) على الوفاء بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية في الموعد الذي اتفقا عليه، يدعو إلى التشكيك في مدى ملاءمتهما لمواصلة قيادة عملية السلام في البلاد".
ومنذ انفصالها عن السودان في عام 2011، تعرضت دولة جنوب السودان لهزات متلاحقة، أبرزها الحرب الأهلية التي اندلعت عام 2013 حين قاد نائب الرئيس حينها، رياك مشار، تمرداً ضد سلفاكير ميارديت، بسبب قرار مفاجئ بإعفائه من منصبه. وفي عام 2015 عاد مشار إلى المنصب بموجب اتفاق رعته الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد)، لكن الاتفاق لم يصمد سوى أشهر قليلة بسبب محاولة لاغتيال مشار داخل القصر الرئاسي، عاد بعدها وحركته المسلحة إلى التمرد، على الرغم من الإقامة الجبرية التي فُرضت عليه في جنوب أفريقيا.
في السياق، قال مسؤول الإعلام في "الحركة الشعبية"، فوك باولنج، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ الحركة رحبت بنتائج قمة عنتبي التي أفضت إلى تمديد ما قبل مدة الفترة الانتقالية، على الرغم من أن الحركة ترى أن فترة التمديد قصيرة وهي اقترحت أن تكون ستة أشهر.
وأوضح باولنج أنّ "ما أنجز في اتفاق السلام من ترتيبات حتى الآن لا يرقى حتى للذكر، وذلك بسبب عدم توفر الإرادة السياسية، لا سيما من قبل حكومة جنوب السودان، التي التزمت في الأيام الأولى بتوفير 250 مليون دولار للتنفيذ، لكنها سرعان ما تراجعت عن ذلك معلنةً التزامها بـ100 مليون دولار، وحتى هذا المبلغ الضئيل لم تدفع منه إلا في حدود 10 ملايين دولار". ولفت إلى أنّ ذلك "حدث على الرغم من أنها أموال شعب جنوب السودان التواق للسلام، وعلى الرغم من الاتفاق بين الحكومة والحركة الذي قضى بإعادة الإنتاج النفطي في الحقول التي كانت تسيطر عليها الحركة الشعبية".
وحمّل باولنج "المجتمع الدولي والضامنين (السودان وأوغندا) مسؤولية تأخير تنفيذ الاتفاق وعدم اتخاذ تدابير صارمة للالتزام بالجدول الزمني أو اتخاذ تدابير صارمة حيال أي طرف يعرقله، ما زاد معاناة شعب جنوب السودان"، وحثّ جميع الأطراف والمجتمع الدولي والضامنين على "التحلي بالمسؤولية الأخلاقية لتنفيذ اتفاق السلام من أجل إنهاء الحرب وتحقيق السلام، وقيام دولة المؤسسات والأمن والتنمية المستدامة والمتوازنة، وقبل ذلك إنقاذ البلاد من الوقوع في الهاوية بسبب الأطماع السياسية"، وفق قوله.
من جهته، رأى الصحافي الجنوب سوداني، مايكل أتيت، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ قرار تمديد الفترة ما قبل الانتقالية إلى ثلاثة أشهر "كان متوقعاً، بل إنّ التكهنات كانت تشير إلى ستة أشهر على الأقل، عطفاً على الملفات المعقّدة التي يجب حسمها قبل الدخول في تشكيل الحكومة وبداية الفترة الانتقالية، ومنها ضم المجموعات المسلحة والمليشيات إلى الجيش القومي تحت قيادة واحدة وبعقيدة عسكرية واحدة وولاء موحد". وأشار إلى أنه "جرى تجميع بعض الوحدات المشتركة في معسكرات للتدريب، لكن تلك المعسكرات افتقرت، حسب المعلومات الواردة منها، لمعدات التدريب والأدوية والمخيمات، في حين عجزت الحكومة عن توفير 100 مليون دولار لتمويل تلك المعسكرات، وهو ما عليها توفيره خلال 3 أشهر مقبلة حتى تقوم تلك الوحدات المشتركة بالمهام الموكلة إليها بموجب اتفاق السلام".
ولفت أتيت إلى أنّ الملف الآخر الذي يجب حسمه خلال 3 أشهر هو عدد الولايات، موضحاً أن "لجنة مشتركة شُكّلت من الأطراف بموجب اتفاق 2018 توصلت إلى ضرورة إلغاء التقسيم المناطقي للبلاد، والعودة لنظام الولايات العشر، لكن الحكومة مصرة على عدد 32 ولاية"، مستبعداً التوصل إلى صيغة توافقية في هذا الشأن في الوقت القريب.
ورأى أنه "من الطبيعي أن ترفض المعارضة مقترحاً حكومياً بتمويل وجود قواعد عسكرية إقليمية لحماية قادة المعارضة بعد مشاركتهم في الحكومة الجديدة، ذلك لعدم وجود الضمانات الكافية"، متوقعاً انهيار الاتفاق كلياً في حال عدم حسم كل القضايا العالقة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.
من جهته، أشار المحلل السياسي السوداني، محمد عبد العزيز، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ سقوط نظام البشير "كان له أثر على سير تنفيذ اتفاق الجنوب، لكن في الوقت نفسه ربما فتح الباب أمام تعاطٍ جديد من المجتمع الدولي مع الاتفاق ودعمه أكثر، لأن هذا المجتمع كان يشكك في نوايا البشير المتهم من قبل المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب في بلاده، وبالتالي أحجم عن التعاطي الإيجابي وعن تمويل الاتفاق".
وأكد عبد العزيز أنّ تمديد الفترة ما قبل الانتقالية لثلاثة أشهر "سيكون بمثابة فرصة أخيرة للقادة في جنوب السودان، وربما تعقبها عقوبات دولية ضدهم إذا لم يتحلوا بالجدية الكافية في تنفيذ اتفاق السلام وتدشين مرحلة التعافي في الدولة الوليدة".