مجزرة الحديدة عشية مفاوضات جنيف: الحل السياسي طارئ

04 اغسطس 2018
استهدف القصف اثنين من أكثر الأماكن حركة(عبدو حيدر/فرانس برس)
+ الخط -
أياً كان المسؤول عن المجزرة بحق أهالي الحديدة اليمنية التي وقعت الخميس، وأسفرت عن سقوط ما يزيد عن سقوط 150 مدنياً بين قتيل وجريح، وسط تبادل اتهامات بالمسؤولية عنها بين الحوثيين والتحالف بقيادة السعودية، يبقى المؤكد أن طرفي الحرب في اليمن يستهينان بحياة المدنيين في قتالهما لحسم الصراع لصالحهما، وهو ما أثبتته عشرات المجازر التي شهدتها ما تزيد عن ثلاثة أعوام من الحرب، سقط خلالها آلاف الضحايا المدنيين الذين تحوّلوا إلى أرقام في ظل غياب تحقيق جدي يحاسب المسؤولين عن الهجمات التي ترقى إلى جرائم حرب.

المجزرة التي وقعت بينما كان المبعوث الدولي إلى اليمن، مارتن غريفيث، يستعد لقراءة إحاطته حول اليمن أمام مجلس الأمن الدولي مساء الخميس، شكّلت دليلاً جديداً على الكلفة الكبيرة للحرب على المدنيين في الحديدة، ما يفترض أن يعزز من موقف الأمم المتحدة لناحية ضرورة الضغط على كل من التحالف والحكومة اليمنية والحوثيين لوقف الحرب، وبالتالي استعجال الحراك الدولي لإيجاد حل سياسي. لكن في المقابل، فإن الحديدة قد تكون "نقطة ساخنة" تقوّض جهود عقد المحادثات التي أعلن غريفيث موعدها في 6 سبتمبر/ أيلول المقبل، بما يعيد الأمور إلى الحسم العسكري.

وفي تفاصيل ما جرى، حسب شهود عيان وروايات محلية لـ"العربي الجديد"، فقد تطايرت أشلاء العديد من المواطنين من سكان مدينة الحديدة، بمجزرتين منفصلتين، في كلٍ من "سوق السمك"، وأمام بوابة مستشفى الثورة العام، أكبر مستشفيات المدينة، من جرّاء ثلاث ضربات خلّفت مجزرة دامية، في واحدة من أكثر المناطق ازدحاماً بالسكان، قبل أن تكتظ مستشفيات المدينة بعشرات الجرحى وبجثث القتلى، الذين وصل عددهم إلى 52 قتيلاً وأكثر من 100 جريح، وفقاً لمكتب وزارة الصحة الخاضع للحوثيين في المحافظة. ووفقاً للرواية التي قدمها مدير مركز الأورام في مستشفى الثورة، ياسر نور، فقد تجمّع أمام بوابة طوارئ المستشفى عشرات الجرحى وأهالي الضحايا القادمون من "المحوات" (سوق السمك)، بعد قصفهم هناك، لتستهدف عندها غارتان جديدتان تجمّع المدنيين أمام المستشفى.

وعلى الرغم من نفي التحالف أن يكون قد نفذ أي عمليات في الحديدة يوم الخميس، كما نقلت وسائل إعلام سعودية عن المتحدث الرسمي باسمه العقيد تركي المالكي، الذي اتهم الحوثيين بتنفيذ عملية قتل المدنيين في الحديدة، إلا أن مصادر محلية أكدت سماع أصوات تحليق طائرات أثناء المجزرة، التي بدا كما لو أنها هاجمت أهدافاً مفترضة في "سوق السمك"، وتابعت للإجهاز على الجرحى خلال إسعافهم إلى المستشفى، الذي يفصله شارع عن موقع المجزرة الأولى، وبينهما دقائق فقط.

وتُعد الحديدة من المدن اليمنية المزدحمة بالكثافة السكانية، وجاء القصف في اثنين من أكثر الأماكن حركة في "سوق السمك"، وبوابة "مستشفى الثورة"، وهو المستشفى الحكومي الأهم في الحديدة، واستقبل خلال النصف الأول من عام 2018، وفقاً لتقرير رسمي عن المستشفى، أكثر من 344 ألف شخص للعلاج، في المدينة التي تعيش صيفاً حاراً تزداد معه الأمراض، في ظل الأوضاع المعيشية والصحية الصعبة، التي يقاسيها السكان، علماً أن الحديدة ومنطقة تهامة عموماً تعدّ من بين المناطق الأكثر فقراً وتنتشر فيها المجاعة منذ سنوات.

ووفقاً للصور والتفاصيل المرتبطة بمجزرتي الخميس الدامي في الحديدة، فإن الموقعين المستهدفين هما في مناطق مدنية وبعيدة عن مناطق الاشتباكات المباشرة، في الضواحي الجنوبية للمدينة، ومن غير المنطقي أن يكونا هدفاً عسكرياً، الأمر الذي يضع علامات استفهام كبيرة حول ما وراء استهداف المدنيين، خصوصاً أن للطائرات السعودية والإماراتية تاريخاً طويلاً من استهداف التجمّعات المدنية "عن طريق الخطأ"، بحسب التبرير المعتاد، بما في ذلك الأسواق وحفلات الزفاف أو مجالس العزاء.


هذه المجزرة وصفتها الأمم المتحدة بـ"الأمر المروع" والتي لا يمكن تبريرها. وقالت منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، ليزا غراندي، في بيان إن: "المستشفيات محمية بموجب القانون الدولي الإنساني. وليس من الممكن أبداً تبرير هذه الخسائر في الأرواح". وأضافت أن مستشفى الثورة الذي تعرض للغارة "هو الأكبر في اليمن وأحد المرافق الطبية القليلة العاملة في المنطقة. ويوجد فيه واحد من أفضل مراكز علاج الكوليرا في المدينة". ولفتت إلى أن مئات الآلاف يعتمدون على هذا المستشفى. وقالت: "شهدنا في كل يوم من هذا الأسبوع حالات كوليرا جديدة في الحديدة. هذا ما يحدث الآن. تأثير هذه الضربات مروع. كل شيء نحاول فعله للحد من أسوأ تفشٍ للكوليرا في العالم معرض للخطر". وفي السياق، قالت منظمة الصحة العالمية إن اليمن ربما يكون على شفا تفشٍ جديد للكوليرا.

مجزرة الحديدة وقعت قبيل ساعات من إعلان المبعوث الأممي مارتن غريفيث، أمام مجلس الأمن، عن دعوة الأطراف المتحاربة إلى جنيف في 6 سبتمبر/ أيلول المقبل، للبحث في إطار عمل لمفاوضات سلام. وقال غريفيث إن "هذه المشاورات ستوفّر الفرصة للأطراف، بين أمور أخرى، لمناقشة إطار عمل للتفاوض، والإجراءات المتصلة ببناء الثقة وخطط محددة لتحريك العملية قدماً". وذكر أنه "لا يزال يحاول" التفاوض للتوصل إلى اتفاق لتفادي اندلاع معركة واسعة داخل مدينة الحديدة، لكنه أشار إلى أنّ الحل في المدينة يجب أن يكون جزءاً من "حل سياسي شامل". وعبّر عن قلقه من أنّ الحديدة قد تكون "نقطة ساخنة" تُقوّض جهود عقد محادثات في سبتمبر، ودعا المجلس إلى دعم جهود خفض التوتر في المدينة. وأضاف أنه تم تسجيل تقدّم في المحادثات المتصلة بنقل السيطرة على الميناء من الحوثيين إلى الأمم المتحدة "لكنّ الهوة لم يتم ردمها" بين الأطراف.

واستغل الحوثيون مجزرة الخميس منذ اللحظات الأولى، لربطها بانعقاد مجلس الأمن، واعتبر رئيس ما يُسمى بـ"اللجنة الثورية العليا"، محمد علي الحوثي، أن القصف يمثل "تحدياً سافراً ‏لمجلس الأمن". وقُرئت مجزرة الحديدة في أكثر من زاوية مرتبطة أولاً وأخيراً بالجهود الدولية للسلام، إذ بدا أن استهداف موقعين مدنيين يأتي كمحاولة لإحباط هذه الجهود ربما، وإيصال رسالة تحدٍ للمجتمع الدولي متعلقة بالضغوط حول وقف العمليات العسكرية في الحديدة. أما الزاوية الأخرى، وباعتباره قصفاً جوياً استهدفت عشرات المدنيين، يكون الحوثيون هم "المستفيد" من المجزرة، ليؤكدوا للعالم أن المدنيين هم الضحية للعمليات العسكرية للتحالف. وتداول خصوم الحوثيين روايات كثيرة تفيد بأن الحوثيين هم الذين قصفوا المستشفى، واستدلّوا على ذلك بمشاهد بثتها قناة المسيرة التابعة لـ"أنصار الله" ظهرت فيها بقايا صواريخ هاون في المكان المستهدف، وهو ما يفيد، بحسب هذه الرواية، بأن الحوثيين قصفوا المستشفى بقذائف الهاون لإلصاق التهمة بـ"التحالف" وزيادة الضغط الدولي عليه. 

يُذكر أن مجزرة الحديدة ليست الأولى من نوعها، إذ سقط آلاف الضحايا من المدنيين في اليمن، بقصف جوي، وصلت ذروتها باستهداف مجلس عزاء في "الصالة الكبرى" بالعاصمة صنعاء في أكتوبر/ تشرين الأول 2016. ومع ذلك، فإن غارات الخميس تعدّ الأعنف والأكثر بشاعة منذ أشهر، حين استهدف التحالف حفل زفاف في محافظة حجة، في إبريل/ نيسان الماضي، ليتحول إلى مأتم جماعي، ذهب كغيره، من دون أن يتم الوصول إلى مسؤول واحد عن هذه الجرائم.