بن علوي في طهران: هل يحمل الوسيط العُماني رسائل بريطانية أميركية؟

27 يوليو 2019
من المتوقع أن تسعى مسقط لإنهاء أزمة الناقلات(Getty)
+ الخط -
وصل وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي، اليوم السبت، إلى طهران في زيارة معلنة من قبل، يلتقي خلالها عدداً من المسؤولين الإيرانيين، لبحث آخر التطورات الإقليمية الجارية في المنطقة.

وفور وصوله إلى طهران، التقى بن علوي نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، وسط توقعات بأن يلتقي في وقت لاحق بالرئيس الإيراني حسن روحاني. ولم يكشف بعد عمّا دار في اللقاء بين ظريف وبن علوي.

وتأتي زيارة بن علوي بعد شهر من زيارة "مفاجئة" له لطهران، وذلك في ذروة التوتر بين الأخيرة وواشنطن حينها. وبينما يضع وزير الخارجية العُماني قدميه على الأراضي الإيرانية، برزت معطيات أكثر أهمية، تجعل توقيت الزيارة مختلفاً عن سابقتها، فمن ناحية التوتر لم يعد مقتصراً بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، بل تجاوز ذلك إلى توتر آخر بين طهران ولندن على خلفية أزمة الناقلات، ما يعني أن المنطقة تشهد اليوم توترات مركبة، تضاف أطراف جديدة لها، فيما إيران تشكل طرفاً ثابتا فيهاً، غير أن عناوين هذه التوترات في تزايد مستمر، إذ باتت تتعدى التهديدات العسكرية المتبادلة والتحشيد العسكري الأميركي، وتفجيرات "مجهولة" ضد ناقلات النفط، إلى مواجهات ميدانية، مسارحها السماء والمياه، تحت مسميات "حرب الطائرات المسيرة"، و"حرب الناقلات".

بن علوي في مهمة جديدة

وتقول وسائل إعلام إيرانية إن وزير الخارجية العُماني سيبحث، اليوم، خلال زيارته التوتر بين طهران ولندن والتطورات الأخيرة في الخليج، الأمر الذي يعني أن هذا التوتر يكون قد حمّل الوسيط العماني مهمة جديدة، وأن مهمة الوساطة لم تعد بين طهران وواشنطن فقط، وإنما بين الأولى والغرب بشكل عام. كما أن ذلك له دلالة "مهمة" أخرى أيضاً، هي أن إيران وبريطانيا (الشريكة في الاتفاق النووي)، وعلى الرغم من وجود علاقات دبلوماسية رسمية بينهما، إلا أن البلدين قد أخفقا في التوصل إلى حل لإنهاء أزمة الناقلات، التي ظهرت على خلفية احتجاز بريطانيا في الرابع من الشهر الجاري، ناقلة النفط الإيرانية في مياه جبل طارق، لتطلق طهران بعد ذلك دعوات بالإفراج "الفوري" عنها وفي الوقت نفسه تهديدات بالرد بالمثل.

وفي التاسع عشر من الشهر، نفذت إيران هذه التهديدات باحتجازها ناقلة النفط البريطاني "ستينا إمبيرو"، لكنها رسمياً عزت الاحتجاز إلى "انتهاكاتها لقوانين الملاحة الدولية". مع ذلك، يؤكد مسؤولون إيرانيون أن الخطوة جاءت رداً على احتجاز بريطانيا الناقلة الإيرانية.

وعلى خلفية الاحتجاز المتبادل للناقلات، تشهد العلاقات الإيرانية البريطانية توتراً كبيراً هذه الأيام، وسط توقعات بوجود علاقات "صعبة" بين الطرفين بعد تولي بوريس جونسون المقرب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإسرائيل، رئاسة الوزراء في بريطانيا.

إلا أن زيارة بن علوي وإخفاقها أو نجاحها في عناوينها المتعددة والمتداخلة، تشكل اختباراً مهماً، لا للوساطة العمانية فحسب، وإنما لوجهة العلاقات الإيرانية البريطانية في عهد رئيس الوزراء البريطاني الجديد، بوريس جونسون من جهة، وكذلك لمسار التوتر بين طهران وواشنطن من جهة أخرى.

إلى الآن، ليس واضحاً إن كان يحمل بن علوي خلال زيارته الثانية لطهران في غضون أقل من شهرين، رسائل محددة من الجانبين الأميركي والبريطاني، وخصوصاً أنه قد تم الإعلان عن زيارته هذه قبل فوز جونسون برئاسة الوزراء البريطانية، لكن بما أن سلطنة عمان تشارك إيران في السيطرة على مضيق هرمز، الذي احتجزت فيه الأخيرة الناقلة البريطانية، باعتبارها الدولة المطلّة الأخرى على هذا المضيق الحيوي، فإنّ تحركه هذه المرة مدفوع بمخاوف حقيقية من تعرض أمن بلاده الوطني لمخاطر كبيرة، في حال خروج الأوضاع عن السيطرة في هرمز، ولا سيما في ظل تقارير بريطانية رسمية، بأن طهران احتجزت الناقلة البريطانية في الجانب العماني من مضيق هرمز، وهو ما نفته السلطات الإيرانية.

عُمان مرتابة

من هنا، يبدو أن عُمان ترتابها مخاوف كبيرة من احتمال انفلات الأمور في المنطقة، مثلها العراق الذي يشاطرها تلك المخاوف من ارتدادات التوترات الإقليمية بعد تصاعدها أخيراً، وهو ما دفع رئيس وزرائه عادل عبدالمهدي إلى القدوم إلى طهران، الإثنين الماضي، في زيارة "عاجلة" و"مفاجئة".

وبناءً عليه، فإنّ من المتوقع أن تسعى مسقط جاهدة إلى إنهاء أزمة الناقلات بين طهران ولندن أولاً، على أمل أن يؤدي إلى خفض عام للتوترات في المنطقة، ولو مؤقتاً، ليمنح فرصة للبحث عن حلول دبلوماسية ما زالت بعيدة، على ضوء استمرار واشنطن في ضغوطها الاقتصادية "الشرسة" على طهران، ورفض الأخيرة أيّ تفاوض معها قبل التراجع عن هذه الضغوط.

ويتوقف الأمر على مدى نجاح بن علوي في إعادة الهدوء بعض الوقت إلى مضيق هرمز والمياه الخليجية، عبر إيجاد حل وسط بين لندن وطهران، ينتهي إلى مبادلة الناقلتين المحتجزتين، وهي ما تشترطه الأخيرة لإنهاء أزمة الناقلات، ولمّح إليها الرئيس الإيراني حسن روحاني، الأربعاء الماضي، بالقول إنه في حال "تخلت بريطانيا عن تصرفها في جبل طارق فستتلقى رداً مناسباً من إيران".

إلا أنه في حال نجاح الوساطة العمانية في الإفراج عن الناقلتين الإيرانية والبريطانية، قد يعود الهدوء إلى المياه في الخليج، لكن ستبقى هي ساخنة، وستتجه نحو درجات عالية من السخونة، ما دام التوتر بين إيران والولايات المتحدة الأميركية يتصاعد يوماً بعد يوم، ولا أفق لحلول، تسعى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى فرضها بشكل أحادي على إيران، والأخيرة تمارس ضغوطاً مضادّة لدفعه نحو التراجع عن هذا التوجه، والقبول بحلول تخفف وطأة الحرب الاقتصادية التي تتعرض لها منذ الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي في مايو/ أيار الماضي.

الاتفاق النووي

في هذه الأثناء، يبدو أن مستقبل الاتفاق النووي، أيضاً أصبح مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بمصير الجهود والتحركات الدبلوماسية المتعددة الأطراف، التي عادت إلى الواجهة مجدداً بعد التصعيد الأخير في المنطقة. وتتجه الأنظار اليوم نحو نتائج التحركات الفرنسية والعمانية والعراقية وأخرى لدول أخرى، ما إن كانت تضبط إيقاع التوترات في المنطقة وتحول دون انزلاق الأمور نحو الهاوية، أم أنها تخفق مرة أخرى في إيجاد حلول، فتتزايد فرص المواجهة "الشاملة" مجدداً وبشكل مطّرد على حساب الحلول الدبلوماسية والسياسية.

المساهمون