تييري باوديت بدل خيرت فيلدزر: الجيل الثاني من الشعبويين بهولندا

24 مارس 2018
الشعبوية تواصل زحفها في أوروبا (فانسان جانينك/ فرانس برس)
+ الخط -

أظهرت نتائج انتخابات المجالس البلدية في هولندا، الأربعاء الماضي، اقتحام الحزب القومي الجديد، "المنتدى للديمقراطية"، الذي تأسس في 2016 بزعامة تييري باوديت (35 سنة)، المشهد السياسي بحصوله على 3 من مقاعد العاصمة أمستردام الـ45.


الحزب الجديد لم يترشح في بقية البلديات في هولندا (عددها 300)، لكن تقدمه بهذا الشكل في العاصمة، أمستردام، التي كانت مغلقة على اليسار ويسار الوسط، دفع بالجدل مرة أخرى حول خيارات الناخبين بالبحث عن "تطرف أكثر". تطرف يتجاوز "حزب الحرية"، بزعامة اليميني المتطرف والشعبوي، المنتقد للإسلام والهجرة، خيرت فيلدزر، الذي لم يستطع رغم كل مواقفه الوصول إلى أي من مقاعد مجلس العاصمة.

ويبدو أن التغير في توجهات الجمهور الهولندي، تزامنا مع ما يجري بدول شمال غرب أوروبا، والجارة ألمانيا تحديدا، يدفعه نحو اليمين أكثر. ووفق ما تشير إليه الاستطلاعات، ونتائج الانتخابات المحلية، فإن شعبية حزب فيلدزر في تراجع، وأن انتقالا واضحا يجري نحو "المنتدى". وتتعزز فرص هذا الشاب، باوديت، المقتحم خطابة وشعبية معسكر اليمين القومي المتشدد، بالتقدم خطوة نحو تبشيره منذ العام الماضي بأنه سيصبح "رئيس وزراء هولندا القادم"، رغم أنه، منذ تأسيسه للحزب قبل أقل من عامين، لم يحصل سوى على مقعدين من أصل 150 مقعدا برلمانيا في 2016.

وإذا ما أخذت الاستطلاعات الأخيرة بجدية، حول شعبيته الشخصية، فإن واحدا من كل عشرة هولنديين يرون فيه رئيس وزرائهم القادم، وذلك يعني أنه استطاع سحب ناخبين من رئيس الوزراء الليبرالي، مارك روته، ومن فيلدزر، بكثير من الانتقادات الصريحة لاستقبال اللاجئين والمهاجرين، وللاتحاد الأوروبي والدعوة لـ "الديمقراطية المباشرة"، بالاستفتاءات.

بعض ممن يبدي استعداده للتصويت له يقول بأن باوديت "معبر عن القلق من التشدد والهجرة، وهو لا يخاف التحدث عن خوف الهولنديين، هو يرى أن هناك مشكلة مع المسلمين". وبحسب صحيفة "دي تيلغراف" الهولندية فإن "سعادة مؤيدي الحزب كانت مضاعفة بتفوقه على الأحزاب التقليدية في عقر دارها". وبالرغم من حصول "غروينلينك" (الخضر اليساري الاشتراكي) على 10 مقاعد في المجلس البلدي، وهو ما يعد انتصارا كبيرا وساحقا، إلا أن أعين المراقبين ركزت على انتصار اليمين المتطرف بمقعدين باعتباره "اقتحاما غير مسبوق للقوميين".

باوديت، في خطاب انتصاره اعتبر ما جرى في أمستردام "ليس أمرا تقليديا وعاديا، فنحن نضع الأشياء في طريقها الصحيح، رغم وضع العصي في دواليبنا".

يبدو واضحا بالنسبة للساسة المحليين والأوروبيين، المراقبين لتطور تقدم اليمين القومي، أن حصول حزب جديد مندفع أكثر من فيلدزر نحو التشدد على نحو 16 في المائة في استطلاعات الرأي ليس بأمر عادي.

وعلى الرغم من أن باوديت لا يظهر بالطريقة ذاتها التي ظهر من خلالها فيلدزر، إلا أنه أيضا لا يختلف كثيرا عنه بحسب ما رصدت صحيفة "سوددوتشه زايتونغ" "في استخدام البروباغندا". ومن اللافت أن أساليب هذا السياسي اليميني الشاب مثيرة للجدل في هولندا باعتماده "طريقة صاخبة وشبابية بتسويق نفسه وسياساته، ببدلة رسمية أحيانا كليبرالي وفي أخرى بضجة موسيقية وهو يسعى لكسب مزيد من التأييد في الشارع".

أما فيلدزر، الزعيم الشعبوي الصاخب، فانتقد منافسه في التطرف اليوم معتبرا إياه يتصرف "كرجل كارتيل". لا اختلاف أيضا بين هذين السياسيين الشعبويين. فالاثنان متفقان على "وقف الهجرة الجماعية" و"ضد الاتحاد الأوروبي ووسائل الإعلام السياسية" و"هيمنة النخب اليسارية واللييبرالية على كل المستويات في المجتمع". لكن الفرق الواضح بين الشخصيتين أن فيلدزر يبدو اليوم "من الطراز القديم"، الذي ردد كثيرا خطاباته عن مساواة الإسلام بـ "العنف والإرهاب والتخلف"، فيما الجديد، باوديت، يبدو "أكثر عصرية وشبابا، وأقل أذية".

الصحف الأوروبية الراصدة لظاهرة باوديت، بعيد فوز حزبه الأربعاء الماضي، تذهب إلى وصفه بـ"الجيل الثاني من الشعبويين". "هؤلاء يستخدمون وسائل عصرية وثقافية، وأحيانا مهتمون بالموسيقى الكلاسيكية وعزف البيانو، والرقص على وقع موسيقى صاخبة، لدغدغة مشاعر أجيال متعددة"، بهذه الطريقة أيضا تقرأ صحف بلده و"سوددوتشه" وصحف ألمانية وسويدية ودنماركية "هو يريد أن يسوق نفسه لدى الشباب كشخص شيك عصري ولطيف وجذاب للنساء".



لكن، لا تنسى الصحافة المحلية والأوروبية، نبش علاقاته الروسية، مثل مارين لوبين في فرنسا وألكسندر غاولاند عن حزب البديل في ألمانيا. فتبشيره بالديمقراطية المباشرة أنتجت في 2016، وبمبادرة منه ومن زملائه، التصويت في استفتاء شعبي ضد اتفاق الاتحاد الأوروبي مع أوكرانيا. وهو تصويت دفع برئيس الوزراء روته إلى تجاهل نتائجه السلبية، ما جعل باوديت يستغل الخطوة لزيادة شعبيته والاحتفاء بها أخيرا كثابت من ثوابت التحول اليميني، الأكثر تشددا في هولندا.

دلالات