خطر الاقتتال الأهلي يترجم سباق تسلح في كركوك

11 أكتوبر 2017
يحاول الأكراد السيطرة على كركوك (Getty)
+ الخط -


ارتفع سعر قطعة سلاح الكلاشنكوف في كركوك العراقية، إلى أكثر من مليون دينار (نحو 800 دولار أميركي) خلال أسبوعين فقط، وبات الإقبال على شراء السلاح الخفيف والمتوسط، الأعلى في المدينة منذ منتصف عام 2014، عندما كان تنظيم "داعش" محيطاً بالمدينة، ومهدداً باجتياحها. وتباع المسدسات والقنابل اليدوية المختلفة بشكل متواز، والسكان هم الزبائن وتجار السلاح يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً "فيسبوك"، وسيلة لترويج بضاعتهم التي تعود بالغالب إلى ما يطلق عليه "غنائم داعش".

الخوف هو الصفة السائدة بالمدينة المختلطة قومياً، ورغم محاولة الجميع إخفاء ذلك لكن الوجوه في الأسواق والأماكن العامة توحي بذلك وحركة الإقبال من السكان على شراء الأسلحة واضحة، في ظلّ ارتفاع أسعارها واستغلال التجار للأزمة الحالية بين بغداد وأربيل، والتلويح بحل عسكري لانتزاع كركوك في حال رفض رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني إعادتها لسيطرة بغداد.

في غضون ذلك، تعرّضت مقرات الجبهة التركمانية في كركوك، إلى 6 هجمات، بواسطة قنابل يدوية أو رشقات سلاح متوسط خلال أسبوعين أدت إلى سقوط جرحى وقتلى منهم، بحسب النائب جاسم محمد جعفر. وأحيطت منازل قيادات الجبهة التركمانية وزعماء ووجهاء القومية الساكنين في كركوك بإجراءات أمنية. والتركمان الذين ملأوا شوارع كركوك بعبارات قومية وشعارات تؤكد على هوية كركوك التاريخية، استعدوا هذه المرة للأسوأ، وهو انتزاع كردستان المدينة منهم بالقوة وتحويلهم إلى أقلية فيها.

في هذا الإطار، شدّد أحد مواطني كركوك، محمد أوغلو، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، على أنهم "لا يريدون أن يكونوا الحلقة الأضعف بالمدينة ويحاولون الاستعداد للسيناريو الأسوأ". وأضاف أنه "لن نعتدي على أحد لكننا نترقب حركات جماعات عنصرية كردية عند أحياء ومناطق تركمانية، وهذا غير مريح على الإطلاق والمدينة تسيطر عليها الاسايش والبشمركة وهم منحازون للأكراد القاطنين في الجزء الآخر من كركوك".
وتابع أوغلو "التركمان يحاولون اليوم حماية أنفسهم من خلال تسليح الشبان في الأحياء والحارات التركمانية، لأنهم لا يثقون ببغداد، التي بإمكانها التخلي عن مدينة كركوك، في مقابل حقول النفط أو صفقات وتسويات سياسية مع إيران أو أميركا".



في المقابل، تضغط قوات الأسايش والبشمركة لإجراء صفقات شراء المدنيين الأكراد للسلاح، خصوصاً الجماعات القومية، وذلك "تحسباً من احتمال انسحاب القوات الكردية بضغوط على البارزاني وبقائهم بلا غطاء". وتحولت البيوت القديمة في المدينة إلى ساحة لبيع وشراء السلاح، فالتاجر يبيع هناك عبر لقاء عابر لدقائق قليلة مع زبون بسيارة مدنية، فيتسلّم المشتري السلاح المغلّف بصحيفة ورقية أو أكياس كبيرة كتلك التي تستخدم في تعبئة الأرز والدقيق.

التجار أو باعة السلاح بالعادة هم من المنتفعين الأكراد والتركمان، وبعضهم يعمل في وظائف أمنية ويجلب السلاح من مناطق هزائم تنظيم "داعش" جنوب غربي كركوك حيث منطقة الحويجة، ولا يهمهم من يكسب أو من يهزم ما دام هناك من يدفع المال. "هم تجار حروب"، بحسب وصف محمد عبد الله أحد المواطنين الذي اشترى قطعة سلاح عبارة عن مسدس نوع "بيريتا" بسعر مليون وربع دينار (نحو ألف دولار). قال عبدالله لـ"العربي الجديد"، إنه "لن يستخدم السلاح في الشارع، لأن عندي عائلة. سأستخدمه في حال تم الاعتداء على منزلي وبهذا الوقت سأغادر إلى إسطنبول، لكنني أحاول بيع بيتي الآن لتركماني مثلي أو عربي".

بدوره، كشف النائب في البرلمان العراقي عن المكون التركماني فوزي أكرم لـ"العربي الجديد"، أن "التركمان يتعرضون لتهديد عرقي جدي وتمدد كردي في مناطقهم بكركوك ويتم ذلك بشكل ممنهج". وأضاف أن "هناك ترهيبا لهم لدفعهم إلى ترك المدينة وقدمنا استغاثة للحكومة لتسليح التركمان لكن لم تتفاعل مع الدعوة هذه". ونوّه إلى أن "تقسيم العراق سيبدأ من الخارطة التركمانية فيه، بدءاً من كركوك وحتى تلعفر شمالاً. وهناك مؤامرة كبيرة، لذا ردة فعل الأهالي طبيعية في تخوفهم وتحسبهم للأسوأ، وعلى بغداد إدراك حجم المؤامرة". وقال "نحن نشم رائحة مذبحة كركوك عام 1959 بحق التركمان مرة أخرى، وهناك ترحيل قسري وحالة لا استقرار في المدينة".

وكان نائب الرئيس العراقي إياد علاوي قد حذر في تصريحات له يوم الإثنين، من "اندلاع حرب أهلية بمدينة كركوك إذا لم يتم التوصل إلى حلّ"، مبيّناً أنه طالب البارزاني، وكذلك الحكومة المركزية في بغداد ومليشيات الحشد الشعبي المدعومة من إيران، بضبط النفس وحلّ الخلافات سريعاً.

وأكد علاوي أن "كركوك يمكن أن تكون نقطة الانطلاق التي تشعل الصراع في شمال العراق"، رافضاً في الوقت نفسه استقلال كردستان عن العراق. وتزامن تحذير علاوي مع تصريحات لقيادات "الحشد الشعبي"، لوّحوا فيها بعدم وقوفهم متفرجين على ما اعتبروه "احتلال الأكراد لكركوك".



في هذه الأثناء اتخذت بغداد خطوة جديدة نحو خنق الإقليم اقتصادياً، مع إعلان وزارة النفط عن بدء تأهيل خط الأنابيب النفطي المارّ بمحافظة نينوى، وصولاً إلى ميناء جيهان التركي، في خطوة تمهّد لإغلاق شبكة أنابيب النفط العابرة بأربيل إلى تركيا في الأيام المقبلة، من دون أن يتأثر تصدير النفط العراقي الخام بذلك، لتشارك كل من بغداد وأربيل بشبكة الأنابيب تلك.

ووفقاً للمتحدث باسم وزارة النفط العراقية، عاصم جهاد، فإن "العمل بإصلاح الأنبوب المتوقف منذ نحو 4 سنوات سيتم بأقصى وقت ممكن". ورأى مراقبون أن "اكتمال عمليات الصيانة سيتيح لبغداد منح أنقرة إشارة وقف تصدير النفط الكردي من دون أن تتأثر هي بهذا الإيقاف".

من جانبه، اعتبر عضو التحالف الكردستاني آرام محمد لـ"العربي الجديد"، بأن "بغداد هي من ترفض الحوار وتعيق أي فرصة لتحقيق ذلك". وأضاف أن "الإقليم أبلغ الحكومة الاتحادية بأنه مستعد للحوار بلا شروط، لكن بغداد تصرّ على انتزع إعلان رسمي من أربيل يقول فيه إننا نلغي الاستفتاء، وهو ما لن يحدث".

وتقع غالبية الأحياء التركمانية والعربية بالجزء الجنوبي من كركوك بينما يتركز التواجد التركي في الأحياء الشمالية، أبرزها رحيماوة والشورجة وأمام قاسم وشوان. ومحافظة كركوك أو محافظة التأميم (قبل غزو العراق عام 2003) هي محافظة في وسط شمالي العراق، يسكنها خليط تركماني وعربي وكردي وآشوري وديانات مختلفة. المدينة عريقة تاريخياً وثقافياً والمحافظة ذات أهمية كبيرة اقتصادياً. تشتهر بالإنتاج النفطي، حيث فيها ستة حقول نفطية أكبرها في مدينة كركوك العاصمة المحلية للمحافظة، ويبلغ المخزون النفطي حوالي 13 مليار برميل. ويصدّر النفط الشمالي عن طريق أنبوب نفط الشمال إلى ميناء جيهان التركي، وعدد سكان محافظة كركوك يبلغ 752 ألف نسمة طبقاً لعام 1997.

وبعد عام 2014 سيطرت قوات البشمركة على كركوك بشكل كامل إثر انسحاب الجيش العراقي منها، على وقع سقوط المدن العراقية بيد تنظيم "داعش"، إلا أن التنظيم لم يدخل المدينة، ومع ذلك ترفض كردستان سحب قواتها منها. وعقب احتلال العراق عام 2003 أصدر الحاكم المدني الأميركي، بول بريمر، قراراً، عرف باسم المناطق المتنازع عليها أو المادة 140 من الدستور، وادّعت أربيل أحقيتها بإدارة تلك المناطق كونها تضم سكاناً أكراداً. ووفقاً للمادة 140 فإنه يجب تنظيم استفتاء شعبي لتقرير مصير المحافظة، إلا أنه لم يجر حتى الآن، ويتهم مسؤولون في بغداد حكومة أربيل بعمليات تغيير ديمغرافي بالمدينة وطرد للعرب والتركمان لتغليب كفتهم السكانية.