الخبز والحريات يسيطران على افتتاح البرلمان الأردني غداً

11 نوفمبر 2017
مخاوف من بت قوانين تطاول الفقراء (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -
وسط جدل مستمر حول مستقبل رغيف خبز الأردنيين، الذي تُواصل الحكومة الإبقاء عليه في المنطقة الرمادية، يفتتح الملك عبدالله الثاني، غداً الأحد، أعمال الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة (النواب والأعيان)، والتي تعقب الترويج على نطاق واسعٍ لشعار "الاعتماد على الذات"، بكل ما يثيره من ذعر في نفوس المواطنين.

ينظر سياسيون واقتصاديون بكثير من الاهتمام والقلق للدورة البرلمانية نتيجة للملفات "الصعبة" التي تنتظرها، ويتمثّل أخطرها في مشروع قانون الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2018، الذي بات محسوماً أن يتضمن رفع الدعم عن مادة الخبز. كما يُتوقَع أن تناقش الدورة البرلمانية قانوناً جديداً لضريبة الدخل وضريبة المبيعات، باتجاه توسيع قاعدة المشمولين بضريبة الدخل، ورفع ضريبة المبيعات على شريحة جديدة من السلع. هذه القوانين ستعمّق من صعوبة عيش الفقراء ومحدودي الدخل.

ونفذت حكومة هاني الملقي جولة علاقات عامة، لترويج سياساتها الاقتصادية، تضمّنت لقاءات مع القطاعات الاقتصادية والتجارية، واجتماعات مع الكتل النيابية. وخلال اجتماعاتها مع الكتل النيابية الست، والتي كان آخرها الاجتماع مع "الكتلة الديمقراطية"، أبلغت الحكومة النواب بأنها لم تحسم قرار رفع الدعم عن الخبز. لكنه بلاغ ينظر إليه النواب بعين الشك، خصوصاً أنه يتزامن مع ضخ إعلامي حكومي حول قرب التوصل إلى آلية لتوجيه الدعم النقدي للمواطنين بدلاً من دعم السلعة (الخبز).
نواب في "الكتلة الديمقراطية"، يفضّلون عدم توجيه رسائل لطمأنة الرأي العام حول توجّهات الحكومة المتعلقة بالخبز، ويقول أحدهم "تلك معركة الحكومة ولسنا طرفاً فيها حتى الآن"، معتبراً أن نقل الملف من الحكومة إلى النواب قبل تسليمه رسمياً للمجلس سيضع النواب في موقف محرج شعبياً، ويزيح عن الحكومة عبئاً ثقيلاً. ويضيف النائب ذاته "الحكومة ليست شفافة في التعامل مع ملف الخبز، ولا نستطيع أن نتبنّى موقفاً قبل أن تتضح الرؤية".

وتوقع اقتصاديون، تحدثت إليهم "العربي الجديد" في وقت سابق، أن يؤدي رفع الدعم عن الخبز إلى انتفاضة شعبية، أو موجة احتجاجات كبيرة، على غرار "انتفاضة الخبز" في العام 1996 التي أعقبت قرار الحكومة آنذاك رفع الدعم عن الخبز.
وتبلغ كلفة الدعم الحكومي السنوي للخبز 140 مليون دينار (197 مليون دولار)، للحفاظ على كيلوغرام الخبز عند السعر المحدد منذ العام 1997، والبالغ 16 قرشاً (23 سنتاً)، وهي تطمح اليوم لتوفير أكثر من نصف المبلغ، من خلال "توجيه الدعم لمستحقيه"، ما يقتضي حرمان نحو 3 ملايين لاجئ ومقيم من الدعم، إضافة للمواطنين الذين يزيد دخلهم عن ألف دينار أردني (1411 دولاراً)، حسب الملامح الأولية لخطة رفع الدعم. فيما يتخوف المواطنون الذين سيستحقون الدعم النقدي بعد رفعه عن السلعة، من تراجع الحكومة عن صرف الدعم النقدي مستقبلاً، كما جرت العادة في تجارب سابقة.


السياسة الاقتصادية "القاسية" تأتي استجابة لشعار "الاعتماد على الذات" الذي أعلنه الملك، وطبّقته الحكومة، وتُمثّل استجابة لواقع توقف الدعم المقدّم للمملكة خصوصاً من حلفائها الخليجيين، و"ارتهاناً لإملاءات" أو نصائح صندوق النقد الدولي، من دون أن تضع في حسبانها الكلفة السياسية والاجتماعية لقراراتها الاقتصادية، كما يقول معارضو تلك السياسة.
وبينما يحتل الخبز أولوية في النقاش العام، تثار مخاوف حول مستقبل الحريات، بعد أن فرغت الحكومة من مشروع قانون الجرائم الإلكترونية المعدّل، المنتظر عرضه على الدورة البرلمانية المقبلة. وتتخوّف نقابة الصحافيين الأردنيين، وحقوقيون من أن يتسبّب مشروع القانون المعدّل في خنق الحريات المكفولة دستورياً، حاملين عليه التوسع في تعريف خطاب الكراهية الذي جرى تعديل القانون لتجريمها، والذي يتيح توسيع قاعدة الأفعال المجرّمة بشكل قد يمثل اعتداء على حرية الرأي والتعبير.

رئيس ديوان التشريع والرأي، نوفان العجارمة، الذي يحمل لواء الدفاع عن مشروع القانون المعدّل، أكد خلال ندوة عُقدت قبل أيام في مقر نقابة الصحافيين، أن "لا تعارض بين حرية التعبير وبين جرائم الذم والقدح والتحقير وخطاب الكراهية"، مضيفاً "مشروع القانون لا يُشكّل قيداً على حرية التعبير، بل جرّم بعض المسائل التي لا يمكن الاختلاف عليها".
لكن جهود العجارمة لطمأنة الرأي العام والمتضررين المفترضين من مشروع القانون، تُقابَل بالتشكيك في نوايا الحكومة، إذ رأى نقيب الصحافيين راكان السعايدة، أنه "لا ضرورة للتعديلات والقوانين المتعلقة بحرية الرأي والتعبير، ولدينا سلسلة كبيرة من القوانين"، وسط توجّه لتشكيل جبهة معارضة لمشروع القانون المعدّل.
وفي ظل هذا الوضع، فإن السياسات الاقتصادية، وعلى رأسها الخبز، والحريات التي يرسم لها مشروع قانون الجرائم الإلكترونية المعدل مستقبلاً غامضاً، تجعل من الدورة البرلمانية دورة استثنائية واختباراً صعباً للنواب.

المساهمون