إيران تستشعر الخطر من تغييرات الإدارة الأميركية

26 مارس 2018
من عرض عسكري إيراني، سبتمبر 2017 (فرانس برس)
+ الخط -

راهنت طهران طويلاً على مسألة دعم المجتمع الدولي لاتفاقها النووي بما يحبط مساعي الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الرامية للضغط عليها نووياً ولكبح برنامجها الصاروخي ودورها الإقليمي، لكنها بدأت، في الوقت الراهن، تشعر بأن الأمور باتت تتجه نحو مسار أكثر تعقيداً وصرامة. فتغيرات الإدارة الأميركية والمناصب الهامة التي منحت لأشخاص معروفين بعدائهم لإيران، جعلت شكل الحكومة الأميركية الحالية تبدو وكأنها الأكثر عداءً وتشدداً إزاء البلاد منذ عقود.

ويجلس ترامب، الذي يتخذ قرارات غير متوقعة وغير مدروسة، على رأس الهرم الذي حاولت إيران أن تتعامل معه طيلة الأشهر الماضية. ولعبت على هذا الوتر أمام المجتمع الدولي الذي فاجأته قرارات ترامب، حتى خارج الدائرة الإيرانية، لكنها أصبحت تشعر اليوم أن تحالفاته مع أطراف في الإقليم، والمناصب التي منحها إلى وجوه صعبة المراس، قد تعني الكثير لها في المستقبل. وشكّل تعيين جون بولتون مستشاراً للأمن القومي هاجساً جدياً لدى إيران، فهو من المعادين القدماء لها، والذي قدّم سابقاً سيناريو لخروج أميركا من الاتفاق النووي الذي رفضه بشدة، واقترح الدخول في محادثات سرية بين أميركا وكل من فرنسا وألمانيا وإسرائيل والسعودية لإيجاد مخرج من الاتفاق، داعياً إلى إقناع الكل بتهديدات طهران والحشد للحصول على دعم دولي يؤيد خروج واشنطن من الاتفاق. وعلّق وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، سابقاً على هذه المطالب بالقول إنها لن تتسبب إلا بالمزيد من العزلة للولايات المتحدة، وعلى بولتون أن يقتنع بالسبب الذي دفع بلاده للتفاوض مع إيران حول الملف النووي بعد سنوات من الامتناع عن ذلك، وبعد أن أصبحت بحاجة للاتفاق، بحسب وصفه. وبولتون هو صاحب الوجه الذي تعتبره إيران داعماً قوياً لجماعة "مجاهدي خلق" المعارضة للنظام، والملقبة في الداخل بتنظيم "المنافقين" والمصنفة كجماعة إرهابية. ومنذ تعيينه في منصبه الأخير، نشرت كافة المواقع الإيرانية صوراً لبولتون في مؤتمرات لهذه الجماعة، التي وعد أعضاءها، في أحد خطاباته، بالقضاء على النظام الإيراني بحلول العام 2019.

وجيمس ماتيس، الذي تسلم منصب وزير الدفاع الأميركي، معروف هو الآخر بعدائه وكراهيته لطهران و"حزب الله"، وهو الذي يحمل ضغينة تفجيرات بيروت التي أدت إلى مقتل عناصر من المارينز في العام 1983. أما الوجه الثالث المقلق فهو وزير الخارجية الجديد، مايك بومبيو، الذي حل مكان ريكس تيلرسون، وكان هذا الأخير ممن ساهموا، بشكل أو بآخر، باستمرار العمل بالاتفاق النووي رغم معارضة ترامب. ورأى بومبيو، وهو رئيس الاستخبارات المركزية السابق، صراحة أن منظومة إيران الصاروخية تشكل تهديداً لإسرائيل، وأن طهران تدعم الحوثيين في اليمن ومجموعات شيعية في العراق، وكلها مساع تحتاج كبحاً.

تقرأ طهران كل هذه التغييرات من باب محاولة الضغط عليها، نووياً وإقليمياً وصاروخياً، وتعتبر أن ما يحدث مجاراة للرغبات السعودية والإسرائيلية. وقد علق المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية، حسين نقوي حسيني، على هذه التطورات بالقول، أمس الأحد، أن التغييرات في الإدارة الأميركية، وتعيين جون بولتون مستشاراً للأمن القومي، يعني استهدافاً لطهران بشكل مباشر، واصفاً التغييرات بالهادفة، إذ ترمي للإطاحة بإيران. ورأى حسيني، في تصريحات نقلتها وكالة "إيسنا" الإيرانية، أن الولايات المتحدة مستمرة بفرض العقوبات، وتصر على موقفها السلبي من الاتفاق النووي وتطرح عناوين خلافية، من قبيل ملف الصواريخ  وحقوق الإنسان، وكل هذا يؤكد على رفع مستوى العداء والإصرار على ذات السياسات. وقال إن "واشنطن ليست أهلاً للثقة ولا للحوار ولا للتفاوض ولا للالتزام بالمعاهدات الدولية". ودعا مسؤولي الجهاز الدبلوماسي الإيراني، والمقصود به وزارة الخارجية التي تولت ملف الحوار مع الغرب، إلى الاقتناع بأنه لا أمل من تغيّر الموقف الأميركي، وبأن الرضوخ أو المسايرة لن تؤدي إلا للمزيد من التمادي الأميركي.


واتفق مع نقوي في موقفه هذا المساعد الأول ومستشار رئيس البرلمان للشؤون الدولية، حسين أمير عبد اللهيان، الذي دعا إلى تقديم "منطق القوة" على "قوة المنطق" في التعامل مع البيت الأبيض، معتبراً أن التغييرات التي طاولت المناصب الأميركية تعني أن لدى واشنطن تكتيكا يقوم على رفع مستوى النهج الأمني في التعامل مع طهران. ودعا إلى الاستمرار بتطوير المنظومة العسكرية الدفاعية، وإلى استمرار الموقف الإيراني من قضايا الإقليم، الذي وصفه بالفاعل والبنّاء. وقبل ذلك، أكد رئيس لجنة الأمن القومي البرلمانية، علاء الدين بروجردي، أن واشنطن صعّدت مسار سلوكها، وقررت اتخاذ سياسات أكثر تشدداً نحو طهران، داعياً إلى تعزيز العلاقات مع الشرق بدلاً عن الغرب. ورأى أن كل القرارات الأميركية الأخيرة تؤكد مجاراة السعودية وإسرائيل، وهما اللتان تقفان ضد الاتفاق النووي ودور إيران في المنطقة. أما نائب الرئيس الإيراني، إسحاق جهانغيري، وإن وصف السياسات الأميركية بالحمقاء، إلا أنه بدا أكثر تفاؤلاً في مسألة الاتفاق النووي. ونوه إلى الموعد المقبل لتمديد تجميد العقوبات، والذي سيتخذه ترامب في مايو/أيار المقبل، معتبراً أنه سيكون فرصة أمام أميركا، متجاهلاً أن الرئيس الأميركي كان قد أعلن خلال موافقته على التمديد السابق أنه سيكون الأخير، إلا في حال تم تعديل نص الاتفاق أو اتخاذ قرارات تقف بوجه برنامج إيران الصاروخي وتهديداتها، حسب رأيه.

وفي الوقت الذي تشعر فيه إيران بخطر التصعيد ضدها، والذي سيترجم غالباً بفرض عقوبات جديدة عليها، وربما سينهي عمر اتفاقها النووي، أيدت بريطانيا الخطوات الأميركية إزاء طهران، كما أن فرنسا أعلنت صراحة رفضها لبرنامج إيران الصاروخي وأبدت تحفظها على دورها الإقليمي عدة مرات. وبوجود حديث عن مفاوضات تدور بين واشنطن وحلفاء أوروبيين تتعلق بهذه الملفات، يبدو أن طهران ستبقى متمسكة باتفاقها حتى النفس الأخير، ولن تتحمل مسؤولية فضّه أمام المجتمع الدولي. كما يشعر الداخل الإيراني أن البلاد باتت تواجه مثلثاً، يشكله ترامب ومعه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وهو ما قد يعرّض الاتفاق النووي لعراقيل أصعب من تلك التي مرّ بها سابقاً، ما سيجعل إيران تراهن أكثر على الحلفاء كروسيا والصين.

المساهمون