هل تتّجه الأحزاب التونسية نحو خيار حلّ البرلمان؟

17 فبراير 2020
ترفض أحزاب عدة منح الثقة لحكومة الفخفاخ(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
تحبس الساحة السياسية في تونس أنفاسها بعد إعلان رئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ تركيبة الحكومة، وسط إعلان العديد من الأحزاب، وخصوصاً الحزبين الفائزين بالمرتبة الأولى والثانية، أي "النهضة" و"قلب تونس"، رفضها منحها الثقة، ما يجعل الذهاب إلى البرلمان محكوماً بالفشل، بل أكثر من ذلك، أصبح البرلمان بدوره مهدداً بالحلّ، إن لم تنجح حكومة الفخفاخ في نيل الثقة.
وتباينت آراء الأحزاب في قراءتها للحلول الممكنة للوضع الذي تمرّ به تونس، خصوصاً بعد فشل حكومة الجملي في نيل الثقة، والاتجاه إلى فشل ثانٍ في صورة ذهاب الفخفاخ إلى البرلمان، فما هي الحلول التي تراها الأحزاب ممكنة لتجنّب العديد من التأويلات للدستور، التي قد تقود البلاد إلى المجهول؟


"النهضة": غير مقتنعين بمسار الفخفاخ

يقول النائب عن حركة "النهضة" أسامة الصغير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن آجال المفاوضات لم تنتهِ، وهناك العديد من اللقاءات المبرمجة بين "النهضة" ورئيس الحكومة على امتداد اليوم الاثنين وغداً الثلاثاء، وفي ضوء نتائج اللقاءات، يؤمل الوصول إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف، مؤكداً أنّ "النهضة" تتمسك بحكومة قوية ذات تمثيل واسع في مجلس نواب الشعب.
وبيّن أن "النهضة" تدعو إلى تشريك بقية الأحزاب، باستثناء من أقصى نفسه، ليكون للحكومة تمثيل واسع، مشيراً إلى أن بعض الحكومات مرّت في السابق، ولكن للأسف لم تُمرَّر القوانين والإصلاحات المطلوبة، مبيناً أن الحركة سجلت العديد من الملاحظات حول الحقائب الوزارية الممنوحة لها عموماً، وأن الإشكال لا يتعلق بعدد الوزارات بقدر ما يتعلق بالمنهجية المعتمدة منذ البداية في تشكيل الحكومة، فالحركة غير مقتنعة بالمسار الذي اختاره الفخفاخ.
ولفت الصغير إلى أن الأمر لم ينتهِ، ويؤمل الوصول إلى حلول في الساعات المقبلة، فتونس اليوم أمام مفاوضات لم تنتهِ، ومن السابق لأوانه الحديث عن أي سيناريوهات أخرى، ما دامت المفاوضات مستمرّة، التي في ضوئها سيُعلَن الموقف النهائي.


"الشعب": لتنازل "النهضة"

من جهته، أكدّ القيادي في حركة "الشعب" خالد الكريشي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ الخروج من المأزق الحالي لن يتحقق إلا بتنازل حركة "النهضة" عن موقفها، والابتعاد عن خطاب الابتزاز، والتغوّل، وتغليب المصلحة العامة على المصلحة الحزبية الضيقة، مبيناً أنّ هناك طلبات نشطة من قبل حركة "النهضة"، التي تتمسك بوزارة تكنولوجيا الاتصال، على الرغم من قبولها سابقاً بحقيبة وزارية واحدة في حكومة الحبيب الصيد، لافتاً إلى أنه يمكن "النهضة" التنازل وقبول 6 وزارات، وإخراج البلاد من المأزق الحالي.
وأوضح أن "النهضة" تتحمل المسؤولية الوطنية اليوم في أي سيناريوهات مخيفة قد تؤول إليها الأوضاع من فوضى والذهاب إلى المجهول، مشيراً إلى أن الولاء للحزب والمصلحة الضيقة لا يمكن أن يُغلَّب على المصلحة العليا للوطن، داعياً عقلاء حركة "النهضة" إلى التدخل من أجل الدفع إلى حلول.
وأفاد الكريشي بأن العديد من الأحزاب قدّمت تنازلات، بما فيها حركة "الشعب"، التي قبلت بعدد محدود من الوزارات، وهي مستعدة للتنازل أكثر، ودعم الحكومة لكي تمرّ وتنطلق في الإصلاحات المطلوبة، وتعمل على تلبية احتياجات الشعب ومتطلبات المرحلة الانتقالية، مبيناً أن هناك قلقاً كبيراً اليوم من الفراغ في الساحة التونسية، ولا يمكن العديد من الإصلاحات أن تحصل من دون حكومة قادرة، فالوضع ككلّ غير مستقرّ، وقابل لأي تطورات وسيناريوهات خطيرة.
وشدّد على أنه لا يجب التعنت، لأن العديد من الحلول الدستورية مطروحة اليوم على الطاولة، ومنها سيناريو إعادة الانتخابات وحلّ البرلمان، ولكن سيكون لذلك تبعات عدة على تونس، وبالتالي على "النهضة" تحمّل المسؤولية والاتعاظ من تجارب بعض البلدان، وعلى الجميع التحلي بالحدّ الأدنى من المسؤولية والأخلاق السياسية.

"الجمهوري": للاحتكام إلى الدستور

من ناحيته، قال الأمين العام لـ"الحزب الجمهوري" عصام الشابي، إن رئيس الحكومة المكلف اكتفى بإعلان الأسماء التي من المفترض أن تشكل الحكومة، ولكنه اختار عدم تقديمها إلى رئيس الجمهورية، ولذلك لم يوجّه قيس سعيّد رسالة إلى البرلمان من أجل تخصيص جلسة للمصادقة عليها، موضحاً في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الفخفاخ أجّل إعلان الحكومة وتسليمها للرئيس، خصوصاً أن التركيبة تضمّ أسماءً وشخصيات من حركة "النهضة" التي أعلنت انسحابها، وهو ما يجعل رئيس الحكومة في مأزق حقيقي.
وتابع الشابي قائلاً: "الفخفاخ فشل في تكوين الحكومة، وانتهت دستورياً مهلة الشهر، حيث كان من المفترض إعلانها والمصادقة عليها خلال هذه المهلة، وبالتالي إنّ تشكيل الحكومة أصبح عملياً أمراً مستحيلاً، ويمكن القول إن حكومة الفخفاخ انتهت دستورياً، ولم يعد أمام رئيس الجمهورية سوى حلّ البرلمان والدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها".
وبيّن المتحدث أنه لا بد من الاحتكام إلى الدستور، لأن كل السيناريوهات التي يُصرَّح بها غير ممكنة، ولا يمكن الحديث عن توافق ولا مشاورات بعد انتهاء المهلة الدستورية، مؤكداً أنّ الحلّ هو الذهاب إلى انتخابات مبكرة، وأن تعود الكلمة للشعب التونسي الذي عليه تحمّل المسؤولية والاختيار الجيد.
وأشار الشابي إلى أن ما حصل سببه الأحزاب التي تعيش أزمة ثقة عميقة فيما بينها، فكيف تمنح الثقة للحكومة وتكوّن حكومة؟ مؤكداً أنها تتناحر ويتهم بعضها البعض، ولا يمكنها العمل معاً، وبالتالي على الناخب التونسي أن يعيد الانتخاب على أساس توازنات جديدة وأحزاب ذات أغلبية قادرة على الحكم.


"التيار الديمقراطي" يدعو لعودة "النهضة" إلى رشدها

أمّا القيادي في "التيار الديمقراطي" غازي الشواشي، فيرى في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ الحل الوحيد الممكن في ظل الأزمة الحالية، أن تراعي "النهضة" مصلحة تونس واستقرارها، وأن تراجع موقفها، مبيناً أن "النهضة" تدافع عن حكومة وحدة وطنية، وفي الوقت نفسه ترفع أسباباً للانسحاب تبدو غير واقعية، وهي تشريك "قلب تونس" و"ائتلاف الكرامة"، وهذان الطرفان يرفضان الانضمام إلى الحكومة.
وبين أنّ الحكومة لا يمكن أن تضم جميع الأطراف، فهناك أطراف تحكم، وأقلية تعارض، والتشبث ببعض الوزارات غير منطقي، مؤكداً أنّ تخوف "النهضة" من "التيار" و"حركة الشعب" غير مبرَّر، وعليها التفكير جيداً في موقفها، فتونس غير جاهزة لانتخابات مبكرة.
ولفت إلى أن الحديث عن سحب الثقة من حكومة يوسف الشاهد لا يجوز دستورياً، وقد تدخل تونس في مرحلة تأويل للدستور، وهو ما يفتح الباب على صراع مفتوح حتى مع رئاسة الجمهورية، مشيراً إلى أن هناك فرضية لاختيار رئيس الجمهورية لشخصية ثالثة، بما أنه لم تنتهِ آجال الأربعة أشهر، وإذا فشلت، يُحَلّ البرلمان، وبالتالي الشخصية القادرة على تأويل الدستور وترجمته هي رئيس الجمهورية، في غياب محكمة دستورية، وبالتالي على "النهضة" العودة إلى رشدها، وتغليب مصلحة تونس على المصلحة الحزبية، لأن هناك مخاوف حقيقية من الدخول في مرحلة خطيرة لا تُعرف مآلاتها.