نصر الحريري لـ"العربي الجديد": الإعلان الدستوري لتنظيم المرحلة الانتقالية

31 مارس 2017
الحريري: السياسة الأميركية الحالية ستفشل(فابريس كوفريني/فرانس برس)
+ الخط -
يعرض رئيس الوفد السوري المعارض عن "الهيئة العليا للمفاوضات"، نصر الحريري، في حوار مع "العربي الجديد"، تقييمه للجولة الخامسة لمحادثات جنيف، التي يقول عنها إنها اقتربت من مرحلة بدء المفاوضات الجدية. يفند الحريري جوانب من تهرب النظام السوري من الاستحقاق، ويعتبر أن الإعلان الدستوري الذي انطلق الحديث عنه غايته تنظيم المرحلة الانتقالية التي تتألف من 18 شهراً، بينما يجزم بأن لا علاقة ولا تنسيق بين فصائل "الجيش السوري الحر" والفرع السوري من تنظيم "القاعدة" في معركة دمشق الأخيرة. ويبرر الحريري سبب عدم ممانعة وفده مناقشة سلة مكافحة الإرهاب، لأنها ستضعف ورقة النظام المفضلة التي يبرر بها جرائمه. ويكشف الحريري عن طلبات أميركية وروسية متواصلة لضم حزب "الاتحاد الديمقراطي" إلى صفوف المعارضة، معتبراً أن التحالف الأميركي مع الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني أسبابه سياسية لا عسكرية. وفي ما يلي نص الحوار:

كيف تقيّمون جولة المفاوضات الحالية مقارنة بسابقتها، هل لديك أي آمال حتى ولو بسيطة بحدوث أي اختراق؟

نعرف من الجولات السابقة نيات النظام الذي يستمر منذ عام 2014 في التركيز على ملف الإرهاب. وعندما وافقت المعارضة حينها على جدول أعمال المبعوث الدولي السابق الأخضر الإبراهيمي، رفض النظام الدخول في محادثات. والآن في هذه الجولة نشاهد التصعيد العسكري الشديد من جديد لعرقلة الحل السياسي. وإذا كنا نعتقد بأن النظام سيأتي من تلقاء نفسه للحل السياسي، فنحن ومن يعتقد ذلك واهمون، فالنظام والمليشيات الإيرانية بالذات لن تأتي إلى أي نوع من أنواع الحل السياسي، لأنهم يعتقدون أن الحل السياسي ليس لمصلحتهم، حتى لو كان ذلك بالسقف الذي تريده روسيا أو حتى بالسقف الذي لا يمكن لنا أن نقبله، فهو غير مقبول بالنسبة للنظام، فما بالك عندما نتحدث عن تطبيق قرارات دولية وبيان جنيف1 وتشكيل حكم انتقالي؟ يدرك النظام أن ذلك الحل السياسي يعني نهايته الحتمية.

ولكنه اعتراف بشرعيتكم على الأقل؟

أولاً نحن شرعيون قبل أن يعترف بنا النظام، فشرعيتنا آتية من الشعب السوري. ثانياً إن القرارات الدولية تتحدث عن حكم انتقالي، وبالتالي لم يعد لبشار الأسد ونظامه الشرعية التي كانا يتمتعان بها. الآن نحن في مفاوضات غير مباشرة، ولا تزال الأمور في بدايتها، وتقدمنا في نقاش الموضوعات مع الأمم المتحدة. لا نعلم ما الذي قدمه الطرف الآخر، ولا نعلم ما هي النقاط التي يمكننا البناء عليها.


ألم تتلقوا أي ردود عبر المبعوث الدولي من النظام، سواء شفهية أو مكتوبة؟

حتى هذه اللحظة، بحسب المعلومات غير الرسمية غالباً التي نمتلكها، فإن النظام وافق ظاهرياً على مناقشة كل المحاور المطروحة حسب خطة الأمم المتحدة، ولكنه عملياً يتجنب الدخول في أي نقاشات موضوعية، بمعنى ردود من نوع "أوافق أو لا أوافق".

طرحتم العديد من الأوراق للنقاش مع المبعوث الدولي. هل أتاكم أي ردّ من النظام؟

كلا لم يأتنا شيء. الأمم المتحدة لا تتبع حتى هذه اللحظة أي تبادل للوثائق أو للردود. حتى الآن، تركز الأمم المتحدة على موضوع الأجندة وكيفية الدخول في المحاور التي تخدم الانتقال السياسي بحسب بيان جنيف1 وبحسب القرار 2254 (صدر في 18 ديسمبر/كانون الأول 2015). لكن لم يتم التوصل إلى مستوى تبادل الأوراق والردود. لكن أعتقد أن المفاوضات بدأت بشكل ما. لا أقول إن النظام يقبل بالنتائج، ولكن المفاوضات قد بدأت فعلياً لأن جميع الموضوعات المطروحة اليوم على جدول النقاش تندرج كلها في إطار الانتقال السياسي، وهذا طبعاً واضح في رؤية "الهيئة العليا للمفاوضات" وكذلك في أوراقنا السياسية التفاوضية. فالانتقال السياسي يحتوي قضايا متعددة وكبيرة جداً، كتشكيل هيئة الحكم الانتقالي والمؤسسات التابعة له ومهامها، بما في ذلك من قضايا عسكرية وأمنية وغير ذلك. والمبعوث الأممي يقسّم هذه الأمور إلى محاور ربما لتسهيل دراستها أو لأسباب أخرى نجهلها، ولكننا نقاربها من منظور ما يخدم الانتقال السياسي، وما يسهل لهيئة الحكم الانتقالي القدرة على العمل. إن وافق النظام على مناقشتها كمواضيع وكانت هناك ضغوط دولية واستعداد دولي للتقدم بهذه المفاوضات، يصبح بإمكاننا أن نقول إن المفاوضات قد بدأت.

هل ما زلتم من يختار الموضوعات التي ستُناقش، أم أن المبعوث الأممي يبلغكم بها؟

للأمانة، إن تعامل الأمم المتحدة ينطلق مما نطرحه نحن من أفكار وموضوعات، ولكن عندما تجد الأمم المتحدة أن بعض الأطراف لا تودّ التقدم في موضوع ما، تقوم هي بطرح موضوعات للنقاش. وخلال كل الجلسات الماضية، كنا نحن من يبادر إلى طرح أفكار ونقاط مستمدة من رؤية "الهيئة العليا للمفاوضات" للانتقال السياسي، وهي الورقة التي نطلق عليها اسم الإطار التنفيذي الذي تم الإعلان عنه في لندن في سبتمبر/أيلول الماضي.

ما هي المشكلة في فتح السلال الأربع بالتوازي بالنسبة إليكم؟

لو كنا نريد أن نناور، لكان بإمكاننا الموافقة على السلال الأربع من دون أن نناقش أياً منها. نحن نقيس الأمور بموازين القرارات الأممية وموازين رؤيتنا للانتقال السياسي المستمدة من القرارات الدولية. كل ما ينسجم مع هذه الرؤية نحن نعلن عن جاهزيتنا لمناقشته لأنه يخدم الانتقال السياسي. هذا ليس تشويشاً أو تعقيداً لعمل المبعوث الأممي، ولكن لأننا لا نريد للمفاوضات أن تذهب في اتجاهات أخرى بعيداً عن الهدف الذي جئنا من أجله، وهو تحقيق الانتقال السياسي. وبالتالي نحن نناقش كل ما يتعلق بالانتقال السياسي وما عدا ذلك نحن غير مستعدين لمناقشته.

ناقشتم ورقة بعنوان الإجراءات الدستورية الخاصة بالعملية الانتقالية. ما هي محتويات هذه الورقة وكيف تتصورون شكل الإعلان الدستوري الواجب صياغته لتشريع عمل هيئة الحكم الانتقالي؟

أولاً، يُطرح دوماً موضوع التخوف من حدوث فراغ دستوري، ونحن أيضاً حريصون على عدم حصول فراغ دستوري. الثورة لا يمكن أن تقبل بالذهاب لحالة فوضى، وحتى لا ندخل في هذا الفراغ خلال فترة انتقالية طويلة مدتها 18 شهراً، يجب أن يكون هناك أطر ناظمة. نعرف كيف تم وضع وإقرار الدستور الحالي، ونعرف الخلل فيه، وبالتالي لا يمكن الاعتماد عليه. نحن بحاجة خلال المرحلة الانتقالية إلى إعلان دستوري بوظيفة واضحة، هي ضبط وتنظيم وإدارة المرحلة الانتقالية دستورياً، بحيث يكون لهيئة الحكم الانتقالي وكل المؤسسات التابعة لها وللحياة العامة والخاصة مرجعية وهي الإعلان الدستوري.


لكن هل سيحدد الإعلان الدستوري ملامح الجمهورية السورية المقبلة، كعلمانيّتها وشكلها وباقي الأمور الحساسة؟

سيكون الإعلان الدستوري مجموعة من المبادئ العامة المستقاة من ضرورات المرحلة والمبادئ الموجودة في بعض القرارات الدولية التي ترتضيها أغلب دول العالم. وقدمنا نحن في الإطار التنفيذي الموجود في أوراق "الهيئة العليا للمفاوضات"، بعض المبادئ العامة التي تصلح لأن تكون ناظمة للمرحلة الانتقالية. وسنكون حريصين على تطوير هذه المبادئ بما يضمن حدوث انتقال سياسي والانتهاء من هذه المرحلة بشكل هادئ ومستقر، ويحقق الأهداف المرجوة من هذه المرحلة.

ما هو دور رئيس النظام بشار الأسد من وجهة نظركم في المرحلة الانتقالية، باعتبار أنكم ترون، بحسب بعض الأوراق المسربة عن محاضر الاجتماعات في الأمم المتحدة، أن تكوين هيئة الحكم الانتقالي يعني انتهاء منصب رئاسة الجمهورية؟

هذه التسريبات غير صحيحة. أساساً، الأسطر الثلاثة التي تم تسريبها من المحضر هي خلاصة نقاش بيني وبين فريق الأمم المتحدة، دام ربع ساعة تقريباً، عندما قالوا لنا إن القرارات الدولية لا تتحدث عن رحيل بشار الأسد، فرددت عليهم بمنطقهم، وليس بمنطق الشعب السوري الذي لا يمكن أن يقبل باستمرار الأسد بكل الأحوال. قلنا لهم إن بيان جنيف1 لا يذكر رحيل المجرم بشار الأسد، ولكنه يتحدث عن تشكيل هيئة حكم انتقالية بآلية الرضى المتبادل، ولا يمكن للشعب السوري الثائر أن يرضى بوجود مجرم ارتكب كل هذه المجازر، سواء في المرحلة الانتقالية أو في مستقبل سورية. لكن في الوقت ذاته سيكون الحكم الجديد شاملاً لجميع أطياف الشعب السوري ضمن المعايير التي تحدثت عنها والتي تستثني المجرمين، الذين ليس لهم ألا يكونوا جزءاً من مستقبل سورية فحسب، ولكن يجب تحويلهم إلى محاكم عادلة في إطار آليات العدالة الانتقالية.

استثناء "من تلطخت أيديهم بالدماء" مصطلح واسع وفضفاض للغاية، كيف تعرّفونه؟

هذا المصطلح غير فضفاض قانونياً. لدينا رؤية واضحة حول من كان له دور مباشر في عمليات القتل في سورية ومن كان له دور غير مباشر. هذا الموضوع سيكون من اختصاص المحاكم التي ستكون ضمن العدالة الانتقالية التي تبدأ مع بداية المرحلة الانتقالية.

ما هو موقف الدول الداعمة للمعارضة السورية من سير المفاوضات حتى الآن؟ هل تدفع باتجاه البقاء على الطاولة بغضّ النظر عن النتائج؟

لو نظرنا إلى المشهد بشكل عام، نرى تطورات على المستوى العسكري والميداني، وهناك كذلك تطورات إنسانية كارثية، وهناك تطورات سياسية. كل الجهود تنصب على هذه المسارات من أجل الوصول إلى الحل السياسي العادل وليس أي حل سياسي. لا شك في أن غياب الدور الأميركي أربك كل هذه الحسابات. هناك دول كبيرة نعرفها كانت داعمة منذ البداية وبقوة لثورة الشعب السوري، ولكن الإدارة الكارثية للرئيس السابق باراك أوباما، والتي لا يزال الشعب السوري يدفع ثمن سياساتها الكارثية، هي من لجمت هذا الأمل والحلم السوريَين. واليوم لا يزال الدور الأميركي حتى هذه اللحظة غائباً. صحيح هناك بعض الملامح التي بدأت تظهر، لكن لا يوجد حتى الآن أي تحرك أميركي حقيقي.


ما هي هذه الملامح؟

في الإطار العام، لعب بشار الأسد على ورقة الإرهاب كثيراً، منذ الأيام الأولى للثورة في درعا، بالتالي إن أي محاولة حقيقية لمحاربة الإرهاب، هي قطعاً لمصلحة الشعب السوري والثورة السورية، لأنها تسلب من الأسد سلاحاً لطالما حاول أن يستخدمه لتسويق نفسه كمحارب للإرهاب. أما النقطة الثانية والتي بدأت تتضح نوعاً ما، فهي موضوع لجم الدور الإيراني الإرهابي. وأي لجم لدور إيران كونها دولة إرهابية، لن يكون فقط لمصلحة الثورة السورية فحسب، ولكن أيضاً لمصلحة المنطقة وربما لمصلحة العالم.

هناك من يردّ عليكم بأن المعارك الأخيرة التي شنها "الجيش السوري الحر" جرت بالتعاون مع تنظيم "القاعدة" في سورية؟

أولاً، لا يوجد تنسيق بين فصائل "الجيش الحر" و"القاعدة". في معارك دمشق الأخيرة، قرر "الجيش الحر" أن يرد على محاولات النظام في الاستهداف العسكري، وكان هناك وجود لـ"القاعدة" في نقطة ما، فاستثمر التنظيم هذه المعركة وبدأ كذلك هجومه بدوره على النظام. هذه تحسب معركة جزئية بين "القاعدة" والنظام، ولا علاقة لـ "الجيش الحر" بها من قريب أو من بعيد. إذا تقاطع "الجيش الحر" و"القاعدة" في معارك، فإن هذا لا يعني وجود تنسيق. ولا يجمع "الجيش الحر" و"القاعدة" أي غرفة عمليات أو قيادة واحدة أو فكر واحد ولا حتى تمويل واحد. وبالتالي لا يمكن حساب "القاعدة" على "الجيش السوري الحر". نحن مواقفنا السياسية واضحة، نحن نرفض إرهاب دولة بشار الأسد وإرهاب إيران والمليشيات التابعة لها، وكذلك نرفض إرهاب تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) و"القاعدة"، ونرحب بكل الأفكار الوطنية التي تخدم مصالح واهتمامات الشعب السوري.

شريحة واسعة من الشعب السوري ترى أن مفاوضات جنيف ليست إلا إضاعة للوقت. كيف تشرحون للسوريين أهمية الحفاظ على المسار الدبلوماسي؟

الثورة السورية ثورة متكاملة. باعتقادي إن الوعي السياسي تغير كثيراً عما كان عليه سابقاً. اليوم نسمع من الفصائل العسكرية حول ضرورة المحافظة على المسار السياسي، بشكل يخدم الثورة السورية، فنحن لسنا فقط بحاجة إلى القتال الذي اضطررنا إليه للدفاع عن أنفسنا، ونحلم باليوم الذي نستطيع فيه وضع السلاح جانباً عندما نصل إلى حلّ سياسي يرحّل بشار الأسد وزمرته وأركانه عن الحكم، لذلك فإنه وإضافة للقتال، لا بد من نافذة على العالم كي نشرح ثورتنا وأهدافها ومبادئنا وقيمنا، وكي نجلس على الطاولات الدولية ونشرح للعالم بأننا نمتلك رؤية تمثل الشعب السوري، وحتى أهلنا الذي يقطنون تحت نير الاستبداد في دمشق وحلب وحمص واللاذقية وطرطوس وغيرها والذين يتمنون رحيل بشار الأسد ولا يستطيعون أن يعبروا عن هذه الإرادة.

رفضت الفصائل العسكرية، أخيراً، التوجه إلى اجتماعات أستانة، إلا بوفد تقني مصغر، تلاه تصعيد عسكري كبير، هل نستطيع نعي محادثات أستانة؟

للفصائل مبرراتها الشرعية والقانونية والأخلاقية والإنسانية لعدم الذهاب، لأنها توجهت إلى أستانة مرتين لتحقيق نتائج وللأسف الشديد، نحن نرى التطورات العسكرية الأخيرة على الأرض. إن قرار تجديد أو نعي نشاط محادثات أستانة مرهون بيد داعمي النظام. التزمت فصائل "الجيش السوري الحر" بوقف إطلاق النار ولكنّ النظام وحلفاءه لم يفعلوا. الفصائل مستعدة لتطبيق كل القضايا الإنسانية، على الرغم من أنها غير مسؤولة عن كارثية الوضع الإنساني، لأن نظام الأسد هو من يحاصر المدنيين ويستهدفهم، ويمنع دخول المساعدات الإنسانية. "الجيش الحر" كان مستعداً لتطبيق وقف إطلاق النار، وقدم ورقة بحرفيّة عالية لكيفية التحقق من وقف إطلاق النار ومراقبته، لكن لم تجد أي آذان صاغية.

ولكن إن أرادت روسيا، وهي الداعم الأكبر للنظام، أن تجعل من أستانة منصة فاعلة لدعم الجهود الجارية في جنيف للوصول إلى حل سياسي عادل وبشكل سريع، فإن موسكو تستطيع ذلك. أما إن استمرت في مساعدة النظام على ارتكاب هذه الجرائم واستمرار الخروقات، باعتقادي فإن أستانة لن تكون له مهمة.

بعد ست سنوات من بدء الثورة السورية، لماذا فشل "الجيش الحر" بتقديم نفسه كحليف وحيد للقوى الدولية في مكافحة الإرهاب، بينما تعمد واشنطن للتحالف مع حزب "الاتحاد الديمقراطي" مثلاً؟

فلنكن موضوعيين. حملت الفصائل السلاح اضطراراً للدفاع عن المدنيين، وحققت إنجازات مهمة، فتمكّنت من دون السلاح الكافي ومن دون خبرة، من مواجهة مؤسسة النظام الأمنية والعسكرية الكبيرة، ليأتي بإيران وعشرات آلاف المقاتلين وتستطيع (الفصائل) التغلب عليهم. ومن ثم تأتي روسيا منذ عام ونصف، بأسطول عسكري مخيف وأسلحة تستخدم لأول مرة بما في ذلك الأسلحة المحرمة دولياً. وعلى الرغم من كل ذلك، تستطيع هذه الفصائل الصمود. هذا باعتقادي أمر غير عادي. لكن هذه الفصائل كان من الممكن أن تقوم بدور أكبر بكثير لو أنها نظمت عملها بشكل أكبر، ولم تتمكن من إيجاد قيادة عسكرية واحدة لأسباب عديدة منها ما هو داخلي وما هو خارجي. لكن اليوم فإن الحراك العسكري خلال السنتين الأخيرتين، انتظم بشكل أكبر باتجاه التجمعات العسكرية الكبيرة، بحيث نستطيع أن نحصي بعض الفصائل فقط في الشمال وفي الجنوب، في الغوطة نتحدث عن فصيلين أو ثلاثة، أي أن العملية المبعثرة التي كانت موجودة انتظمت إلى حد ما.

في ما يخص السياسة الأميركية، لا أعتقد أنها اتجهت لتبني "الاتحاد الديمقراطي" كحليف، بسبب وجود خلل في فصائل "الجيش السوري الحر". نحن نعلم أن فصائل "الجيش الحر" عندما طردت "داعش" من ريف حلب وريف إدلب عام 2014 وتابعت باتجاه الرقة، تم قطع الدعم عن فصائل "الجيش الحر"، على الرغم من أن "داعش" عدو مشترك لجميع القوى الدولية. وهذا ما يشير إلى أن "داعش" هي أداة يتم استثمارها في كثير من الأحيان لتبرير سياسات دولية معينة. بالتالي الاستثمار في "الاتحاد الديمقراطي" هو استثمار سياسي لا يتعلق بالحرفية والانضباط على الأرض.

هل حاولتم إقناع واشنطن باللجوء إلى فصائل "الجيش الحر" بدل "الاتحاد الديمقراطي" في السيطرة على الرقة وعموم حوض الفرات بعد تحريره من قبضة "داعش"؟

نقاشاتنا مع المجتمع الدولي، ومنه الأميركيون، ينصب دوماً على قضايا متعددة. القضية الأولى هي أنه أول من عانى من "الاتحاد الديمقراطي" هم الأخوة الأكراد من أبناء المنطقة، وهذا الأذى لحق بالعرب والتركمان والمسيحيين والمسلمين أيضاً، وبالتالي فإنه يرتكب انتهاكات تتحدث عنها منظمات محلية ودولية. ولدينا اليوم آلاف الشهادات ممن تم تهجيرهم من مناطق سيطرة "الاتحاد الديمقراطي". أما القضية الثانية فهي تأكيدنا للأميركيين بأن السياسة الأميركية الحالية ستفشل، لأن هذه الحاضنة الاجتماعية التي ذاقت الويلات من تنظيم "الاتحاد الديمقراطي" الإرهابي ستنتفض مجدداً لأن سلطة الأمر الواقع هذه لا تختلف عن "داعش"، ولأن أي عملية تحرير يجب أن تكون من قوى وطنية محترمة ومقبولة من الشعب السوري.

هل تم الضغط عليكم لقبول "الاتحاد الديمقراطي" في صفوف "الهيئة العليا للمفاوضات"؟

يتم طرح "الاتحاد الديمقراطي" والطلب بأن يكون جزءاً من المعارضة بشكل دائم، كونه جزءاً من الشعب السوري، ولكن بشار الأسد أيضاً سوريّ وجزء من مقاتلي "داعش" سوريون، وأغلب هذه الطلبات كانت تأتي من الأميركيين ومن الروس، لكن لم يطلب منا أحد في هذه الجولة هذا الأمر، ونحن دائماً نقول إنه ليس لدينا مانع من وجود "الاتحاد الديمقراطي" في صفوف النظام.

هل تمت استشارتكم في ما يخص تجديد تكليف المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا؟

لا لم تتم استشارتنا، ولسنا المسؤولين عن تجديد التكليف.