دفعت المحاولة الانقلابية الفاشلة في منتصف يوليو/تموز الماضي، أنقرة، إلى إعادة ترتيب علاقاتها الخارجية على مستوى كبير. وبينما أدت المحاولة إلى توتر كبير في العلاقات التركية مع حلفائها التقليديين في كل من أوروبا والولايات المتحدة و"حلف شمال الأطلسي"، كان من شأن المحاولة أن تدفع الإدارة التركية نحو المزيد من التعاون مع كل من موسكو وطهران اللتين أظهرتا دعماً واضحاً للحكومة التركية. واستمرت العلاقة مع السعودية ومصر والإمارات وسط حالة من التوتر المستتر، خصوصاً مع أبوظبي التي أثبتت الأحداث لاحقاً الدور الواضح الذي قامت به لدعم الانقلاب. في المقابل، تحرص أنقرة على صوْن علاقاتها مع الدوحة، لا سيما بعدما أظهر تصرف القادة القطريين مدى متانة هذه العلاقات في أصعب الظروف، حين تمت محاولة الانقلاب، وهو ما تقدّره القيادة التركية، بحسب ما جاء على لسان وزير الخارجية، مولود جاووش أوغلو، لدى استقباله نظيره القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أمس الجمعة في أنقرة، بقوله "حين حصل الانقلاب اتصل أمير دولة قطر (الشيخ تميم) وقدم عرضاً بالدعم ولن ننسى ذلك".
تحول العلاقات التركية مع الخارج البعيد والقريب كان ضخماً. لكن التحوّل الأبرز هو ذلك الذي طرأ على العلاقات التركية العربية، خصوصاً بعدما تأكد وجود أصابع عربية في محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا. وبينما يبدو دور الغرب و"حلف شمال الأطلسي" اعتيادياً في تاريخ الانقلابات التركية، كان دعم المحور الإماراتي-المصري، بالتعاون مع بعض الأجنحة في السعودية، هو الأبرز، وبالذات تدخل دولة بحجم الإمارات في شؤون دولة كبيرة مثل تركيا وعضو في "الحلف الأطلسي". وعلى الرغم من ذلك، استمرت أنقرة بسياسة عدم التصعيد.
وسارعت قطر لدعم الحكومة التركية بكل السبل المتاحة لها، وذلك بينما كانت الإمارات وبعض الأجنحة السعودية منْ أهم الداعمين للانقلابيين على مختلف المستويات. وهذا الدعم كان ربما بمثابة الحلقة قبل الأخيرة في المخطط الإماراتي لضرب ثورات الربيع العربي التي بدأت مع دعم الانقلاب المصري عام 2013.
وتبيّن الدور الإماراتي لاحقاً، وبشكل أوضح بعد أزمة حصار قطر، من خلال التسريبات عن البريد الإلكتروني، للسفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، والتي أظهرت علاقات أبوظبي الواسعة باللوبيات الصهيونية ومراكز الأبحاث التابعة للمحافظين الجدد، مثل "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" التي يمولها رجل الأعمال، شيلدون أدلسون، أحد حلفاء رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. وبحسب التسريبات، فإن العتيبة راسل كبير المستشارين في "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات"، جون هانا، وأحد مستشاري نائب الرئيس الأميركي الأسبق، ديك تشيني، ليؤكد على الدور الذي لعبته أبوظبي و"مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" في المحاولة الانقلابية في تركيا. وبينما أكد العتيبة لهانا مدى فخره لأن تلك المؤسسة شريك للإمارات، كان هانا قد نشر مقالاً، قبيل شهر من المحاولة الانقلابية، في مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، بعنوان "كيف تحل المشاكل على طريقة أردوغان"، مقترحاً ضرورة القيام بانقلاب عسكري في تركيا من أجل "حمايتها"، وفق تعبيره.
اقــرأ أيضاً
أما عن حجم الأموال التي دفعتها أبوظبي لدعم الانقلاب، فقد أكد الصحافي التركي، مدير مكتب "قناة 7" الموالية للحكومة التركية، محمد أجت، في عموده في جريدة "يني شفق" التركية، منتصف الشهر الماضي، أن الإمارات دفعت 3 مليارات دولار لحركة "الخدمة" لدعم المحاولة الانقلابية، عبر مستشار ولي العهد الإماراتي، القيادي الفلسطيني المفصول من حركة فتح، محمد دحلان، وهو ما لم تنفه حكومة أبو ظبي. ونسب الصحافي التركي أرقامه إلى تصريحات أدلى بها وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، قبل ستة أشهر، خلال جلسة حوارية في مدينة إسطنبول، قائلاً: "نحن نعلم بأنه يوجد دولة قدمت 3 مليارات دولار لدعم المحاولة الانقلابية ضد الحكومة التركية بشكل غير شرعي، وهذه الدولة هي دولة إسلامية". ثم أصبح الأمر علنياً اليوم، تحديداً منذ بدء حصار قطر، حين قال أردوغان ورئيس حكومته بن علي يلدريم، مراراً، إن تركيا "لم تنسَ" من دعم شعبها وحكومتها ومن دعم الانقلابيين من دول وحكومات عربية.
عدم ثقة بواشنطن والغرب عموماً
كان للموقف الأميركي المبهم في عهد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، والموقف الأوروبي الغامض من المحاولة الانقلابية أثرٌ كبيرٌ في الشكوك التي انتابت الحكومة التركية إزاء الدور الذي أدّته الدوائر الغربية في محاولة الانقلاب، انطلاقاً من قاعدة إنجرليك العسكرية في تركيا. وقد تجنبت واشنطن إبداء أي إدانة للمحاولة الانقلابية إلى أنْ تبيّن فشلها، لتليها المواقف التي ركزت على حماية المشاركين في تنفيذ الانقلاب لاعتبارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، أكثر من تقديم الدعم للحكومة الشرعية أو إدانة الانقلابيين.
وتجلى الدعم الغربي للانقلاب في الأشهر اللاحقة، بمماطلة ورفض واشنطن تسليم زعيم حركة "الخدمة"، فتح الله غولن، المقيم في بنسلفانيا بأميركا منذ عام 1999، وكذلك في الامتناع عن تسليم أي من الضباط أو أنصار حركة "الخدمة" من الذين وجدوا طريقهم إلى الولايات المتحدة وأوروبا، وصولاً لضغط كبير من برلين على أثينا لمنعها من تسليم ثمانية عسكريين شاركوا بشكل مباشر في المحاولة الانقلابية وفروا إلى الاراضي اليونانية باستخدام حوامة تابعة للجيش التركي.
لا يزال انعدام الثقة هو المخيم على العلاقات بين أنقرة وواشنطن، على الرغم من تغيير الإدارة الأميركية، ومع أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كان أول المهنئين للرئيس التركي بتمرير التعديلات الدستورية. وأسباب الحذر التركي كثيرة، يأتي على رأسها رفض واشنطن المستمر لتسليم غولن وكذلك استمرارها في دعم قوات حزب "الاتحاد الديمقراطي"، الجناح السوري لحزب "العمال الكردستاني".
وعلى الرغم من أن وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، مدح، خلال زيارته الأسبوع الماضي، إلى أنقرة، شجاعة الشعب التركي في حماية الديمقراطية في وجه المحاولة الانقلابية، إلا أنه لم يتردد في الإشارة إلى عمل الجانبين لتجاوز حالة انعدام الثقة بين الحليفين، بالقول "أعتقد أننا نبدأ بإعادة بناء بعض الثقة التي فقدها كل من الجانبين ببعضهما، لقد خسروا ثقتنا إلى حد ما، وخسرنا ثقتهم"، وفق تعبيره.
أما على الجانب الأوروبي، وعلى الرغم من محاولة الطرفين أخيراً لتهدئة العلاقات، إلا أن التوتر لا يزال موجوداً وبشدة، خصوصاً في بعض الدوائر الأوروبية التي لا تتوقف عن مهاجمة الرئيس التركي، بسبب ودون سبب، وصولاً إلى مطالبة تقرير البرلمان الأوروبي الأخير بوقف مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد وكذلك عودة الرئيس التركي عن التعديلات الدستورية ووقف بناء مفاعل "أك سويو" النووي على ساحل المتوسط بالتعاون مع روسيا.
وتبدو الأمور معقدة في العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، وكذلك تبدو دول الاتحاد منقسمة في سياساتها تجاه تركيا. وبينما تعبّر فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وحتى اليونان وعدد من دول شرق أوروبا عن ترحيبها بالتعاون مع أنقرة، تظهر كل من النمسا وألمانيا وهولندا وبلجيكا والدانمارك عداءً شديداً يكاد يتجاوز العداء التاريخي التركي-اليوناني. وبلغ التوتر أوجه بمنع حزب "العدالة والتنمية" من إقامة حملته لصالح التعديلات الدستورية على أراضي تلك الدول حيث توجد جالية تركية، مقابل سماحها لمعارضي التعديلات وحزب "العمال الكردستاني" بالعمل بكل حرية، وصولاً لقبول طلبات لجوء المئات ممن تتهمهم أنقرة بالمشاركة بالمحاولة الانقلابية من عسكريين وموظفين في الإدارات الرسمية.
العلاقات مع روسيا وإيران
كانت روسيا وإيران من أكثر الدول التي ساندت أنقرة في مواجهة المحاولة الانقلابية. وبدا واضحاً أن الجانبين كانا على يقين بأن "حلف شمال الأطلسي" والغرب عموماً يقف وراء تلك المحاولة التي تمت بعد أقل من أسبوعين على المصالحة التي عقدت بين كل من موسكو وأنقرة بوساطة كازاخستانية وأنهت الخصومة التي بدأت بعد قيام سلاح الجو التركي بإسقاط طائرة روسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2015.
وبينما منعت روسيا حركة "الخدمة" في وقت مبكر من ممارسة أي نشاطات في روسيا لارتباطها الوثيق بواشنطن، أكد المفكر الروسي، ألكسندر دوغين، المقرب من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ومستشار الحكومة الروسية للشؤون الخارجية، التوجس الروسي المبكر من الانقلاب، خلال مقابلة أجراها مع التلفزيون الرسمي التركي الناطق بالإنكليزية، في ديسمبر/كانون الأول الماضي. وذكر أنه "ما إن أعلن الرئيس التركي اعتذاره لموسكو، بالنسبة لنا كان هذا حدثاً يقول لنا إنه سيكون هناك انقلاب أو محاولة انقلابية"، وفق تعبير دوغين.
وتعزز التعاون التركي الروسي بسرعة بعد المحاولة الانقلابية، ليصل إلى ما يمكن اعتباره توافقاً على طريقة إدارة الصراع في سورية، وتحالفاً لمواجهة برلين ومن ورائها الاتحاد الأوروبي، وكلٌّ لأسبابه. ووصل التعاون إلى حد إعلان أنقرة نيتها استيراد نظام الدفاع الصاروخي الروسي "إس 400"، بما يعد أول خرق لنظام التسليح التركي المعتمد على الغرب، والبدء بإنشاء خط غاز السيل التركي الذي تعارضه أوروبا، وسيقوم بنقل الغاز الروسي عبر تركيا وبلغاريا وصربيا.
من جانبها، ساندت طهران وبشدة الحكومة التركية، لمخاوف إيرانية من فقدان أنقرة استقلاليتها في حال سيطر الغرب عليها، وهي استقلالية تضمن عدم تدهور العلاقات الثنائية على الأقل. ولم تمض ساعات على المحاولة الانقلابية حتى باشر وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، اتصالات متواصلة مع نظيره التركي، مولود جاووش أوغلو، بينما كان مستشار الأمن القومي، علي شمخاني، أيضاً بحالة تواصل مع المسؤولين الأمنيين في أنقرة.
وإضافةً إلى استمرار فصل العلاقات التركية-الإيرانية عن الخلاف على مناطق النفوذ في المنطقة، أعقب المحاولة الانقلابية نوع من التسويات المرحلية بين إيران وتركيا، وذلك في كل من سورية والعراق. هكذا، أبعدت المليشيات الإيرانية عن الحدود التركية-السورية وكذلك عن الموصل وتلعفر، وتمت موافقة طهران وروسيا على عملية "درع الفرات". وحصل تقارب في وجهات النظر لاحقاً، لمواجهة خطر الانفصال الكردي المدعوم من الإمارات، سواء في العراق أو عبر الجناح السوري لـ"العمال الكردستاني" المتحالف مع الأميركيين.
اقــرأ أيضاً
وسارعت قطر لدعم الحكومة التركية بكل السبل المتاحة لها، وذلك بينما كانت الإمارات وبعض الأجنحة السعودية منْ أهم الداعمين للانقلابيين على مختلف المستويات. وهذا الدعم كان ربما بمثابة الحلقة قبل الأخيرة في المخطط الإماراتي لضرب ثورات الربيع العربي التي بدأت مع دعم الانقلاب المصري عام 2013.
وتبيّن الدور الإماراتي لاحقاً، وبشكل أوضح بعد أزمة حصار قطر، من خلال التسريبات عن البريد الإلكتروني، للسفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، والتي أظهرت علاقات أبوظبي الواسعة باللوبيات الصهيونية ومراكز الأبحاث التابعة للمحافظين الجدد، مثل "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" التي يمولها رجل الأعمال، شيلدون أدلسون، أحد حلفاء رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. وبحسب التسريبات، فإن العتيبة راسل كبير المستشارين في "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات"، جون هانا، وأحد مستشاري نائب الرئيس الأميركي الأسبق، ديك تشيني، ليؤكد على الدور الذي لعبته أبوظبي و"مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" في المحاولة الانقلابية في تركيا. وبينما أكد العتيبة لهانا مدى فخره لأن تلك المؤسسة شريك للإمارات، كان هانا قد نشر مقالاً، قبيل شهر من المحاولة الانقلابية، في مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، بعنوان "كيف تحل المشاكل على طريقة أردوغان"، مقترحاً ضرورة القيام بانقلاب عسكري في تركيا من أجل "حمايتها"، وفق تعبيره.
أما عن حجم الأموال التي دفعتها أبوظبي لدعم الانقلاب، فقد أكد الصحافي التركي، مدير مكتب "قناة 7" الموالية للحكومة التركية، محمد أجت، في عموده في جريدة "يني شفق" التركية، منتصف الشهر الماضي، أن الإمارات دفعت 3 مليارات دولار لحركة "الخدمة" لدعم المحاولة الانقلابية، عبر مستشار ولي العهد الإماراتي، القيادي الفلسطيني المفصول من حركة فتح، محمد دحلان، وهو ما لم تنفه حكومة أبو ظبي. ونسب الصحافي التركي أرقامه إلى تصريحات أدلى بها وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، قبل ستة أشهر، خلال جلسة حوارية في مدينة إسطنبول، قائلاً: "نحن نعلم بأنه يوجد دولة قدمت 3 مليارات دولار لدعم المحاولة الانقلابية ضد الحكومة التركية بشكل غير شرعي، وهذه الدولة هي دولة إسلامية". ثم أصبح الأمر علنياً اليوم، تحديداً منذ بدء حصار قطر، حين قال أردوغان ورئيس حكومته بن علي يلدريم، مراراً، إن تركيا "لم تنسَ" من دعم شعبها وحكومتها ومن دعم الانقلابيين من دول وحكومات عربية.
عدم ثقة بواشنطن والغرب عموماً
كان للموقف الأميركي المبهم في عهد إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، والموقف الأوروبي الغامض من المحاولة الانقلابية أثرٌ كبيرٌ في الشكوك التي انتابت الحكومة التركية إزاء الدور الذي أدّته الدوائر الغربية في محاولة الانقلاب، انطلاقاً من قاعدة إنجرليك العسكرية في تركيا. وقد تجنبت واشنطن إبداء أي إدانة للمحاولة الانقلابية إلى أنْ تبيّن فشلها، لتليها المواقف التي ركزت على حماية المشاركين في تنفيذ الانقلاب لاعتبارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، أكثر من تقديم الدعم للحكومة الشرعية أو إدانة الانقلابيين.
وتجلى الدعم الغربي للانقلاب في الأشهر اللاحقة، بمماطلة ورفض واشنطن تسليم زعيم حركة "الخدمة"، فتح الله غولن، المقيم في بنسلفانيا بأميركا منذ عام 1999، وكذلك في الامتناع عن تسليم أي من الضباط أو أنصار حركة "الخدمة" من الذين وجدوا طريقهم إلى الولايات المتحدة وأوروبا، وصولاً لضغط كبير من برلين على أثينا لمنعها من تسليم ثمانية عسكريين شاركوا بشكل مباشر في المحاولة الانقلابية وفروا إلى الاراضي اليونانية باستخدام حوامة تابعة للجيش التركي.
لا يزال انعدام الثقة هو المخيم على العلاقات بين أنقرة وواشنطن، على الرغم من تغيير الإدارة الأميركية، ومع أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كان أول المهنئين للرئيس التركي بتمرير التعديلات الدستورية. وأسباب الحذر التركي كثيرة، يأتي على رأسها رفض واشنطن المستمر لتسليم غولن وكذلك استمرارها في دعم قوات حزب "الاتحاد الديمقراطي"، الجناح السوري لحزب "العمال الكردستاني".
وعلى الرغم من أن وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، مدح، خلال زيارته الأسبوع الماضي، إلى أنقرة، شجاعة الشعب التركي في حماية الديمقراطية في وجه المحاولة الانقلابية، إلا أنه لم يتردد في الإشارة إلى عمل الجانبين لتجاوز حالة انعدام الثقة بين الحليفين، بالقول "أعتقد أننا نبدأ بإعادة بناء بعض الثقة التي فقدها كل من الجانبين ببعضهما، لقد خسروا ثقتنا إلى حد ما، وخسرنا ثقتهم"، وفق تعبيره.
أما على الجانب الأوروبي، وعلى الرغم من محاولة الطرفين أخيراً لتهدئة العلاقات، إلا أن التوتر لا يزال موجوداً وبشدة، خصوصاً في بعض الدوائر الأوروبية التي لا تتوقف عن مهاجمة الرئيس التركي، بسبب ودون سبب، وصولاً إلى مطالبة تقرير البرلمان الأوروبي الأخير بوقف مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد وكذلك عودة الرئيس التركي عن التعديلات الدستورية ووقف بناء مفاعل "أك سويو" النووي على ساحل المتوسط بالتعاون مع روسيا.
وتبدو الأمور معقدة في العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، وكذلك تبدو دول الاتحاد منقسمة في سياساتها تجاه تركيا. وبينما تعبّر فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وحتى اليونان وعدد من دول شرق أوروبا عن ترحيبها بالتعاون مع أنقرة، تظهر كل من النمسا وألمانيا وهولندا وبلجيكا والدانمارك عداءً شديداً يكاد يتجاوز العداء التاريخي التركي-اليوناني. وبلغ التوتر أوجه بمنع حزب "العدالة والتنمية" من إقامة حملته لصالح التعديلات الدستورية على أراضي تلك الدول حيث توجد جالية تركية، مقابل سماحها لمعارضي التعديلات وحزب "العمال الكردستاني" بالعمل بكل حرية، وصولاً لقبول طلبات لجوء المئات ممن تتهمهم أنقرة بالمشاركة بالمحاولة الانقلابية من عسكريين وموظفين في الإدارات الرسمية.
العلاقات مع روسيا وإيران
كانت روسيا وإيران من أكثر الدول التي ساندت أنقرة في مواجهة المحاولة الانقلابية. وبدا واضحاً أن الجانبين كانا على يقين بأن "حلف شمال الأطلسي" والغرب عموماً يقف وراء تلك المحاولة التي تمت بعد أقل من أسبوعين على المصالحة التي عقدت بين كل من موسكو وأنقرة بوساطة كازاخستانية وأنهت الخصومة التي بدأت بعد قيام سلاح الجو التركي بإسقاط طائرة روسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2015.
وتعزز التعاون التركي الروسي بسرعة بعد المحاولة الانقلابية، ليصل إلى ما يمكن اعتباره توافقاً على طريقة إدارة الصراع في سورية، وتحالفاً لمواجهة برلين ومن ورائها الاتحاد الأوروبي، وكلٌّ لأسبابه. ووصل التعاون إلى حد إعلان أنقرة نيتها استيراد نظام الدفاع الصاروخي الروسي "إس 400"، بما يعد أول خرق لنظام التسليح التركي المعتمد على الغرب، والبدء بإنشاء خط غاز السيل التركي الذي تعارضه أوروبا، وسيقوم بنقل الغاز الروسي عبر تركيا وبلغاريا وصربيا.
من جانبها، ساندت طهران وبشدة الحكومة التركية، لمخاوف إيرانية من فقدان أنقرة استقلاليتها في حال سيطر الغرب عليها، وهي استقلالية تضمن عدم تدهور العلاقات الثنائية على الأقل. ولم تمض ساعات على المحاولة الانقلابية حتى باشر وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، اتصالات متواصلة مع نظيره التركي، مولود جاووش أوغلو، بينما كان مستشار الأمن القومي، علي شمخاني، أيضاً بحالة تواصل مع المسؤولين الأمنيين في أنقرة.
وإضافةً إلى استمرار فصل العلاقات التركية-الإيرانية عن الخلاف على مناطق النفوذ في المنطقة، أعقب المحاولة الانقلابية نوع من التسويات المرحلية بين إيران وتركيا، وذلك في كل من سورية والعراق. هكذا، أبعدت المليشيات الإيرانية عن الحدود التركية-السورية وكذلك عن الموصل وتلعفر، وتمت موافقة طهران وروسيا على عملية "درع الفرات". وحصل تقارب في وجهات النظر لاحقاً، لمواجهة خطر الانفصال الكردي المدعوم من الإمارات، سواء في العراق أو عبر الجناح السوري لـ"العمال الكردستاني" المتحالف مع الأميركيين.