معركة الموصل تدخل شهرها الثاني: الحسم متوقع في ديسمبر

17 نوفمبر 2016
ألف مدني خرجوا من أحياء الموصل (يونس كيليس/الأناضول)
+ الخط -
تتصاعد حدة المعارك في الأحياء الشرقية لمدينة الموصل العراقية، بينما تضيق المساحات التي يسيطر عليها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) داخل المدينة شيئاً فشيئاً، وتتسع معها رقعة معاناة السكان الذين باتوا محاصرين داخل منازلهم في سبعة أحياء سكنية، تشهد معارك طاحنة. في المقابل، يهاجر سكان من باقي أحياء الساحل الأيسر، عبر نهر دجلة، باتجاه الساحل الأيمن، جنوب المدينة، سواء بالزوارق أو عبر الجسر الوحيد، والذي ما زال صالحاً حتى الآن، في مشهد جديد يشي بأن المعارك وصلت إلى منتصف الطريق، وأن الحسم بات وشيكاً مع تأكيد وجود نهاية مأساوية بحق المدنيين.

في هذا السياق، شهد يوم أمس الأربعاء، تطوراً جديداً على مستوى المعارك، بعد نجاح القوات العراقية ممثلة بجهاز مكافحة الإرهاب في السيطرة على حي القادسية الثانية والاندفاع بقوة نحو أحياء المثنى والزهور والمرور. وهي من أحياء الموصل المهمة، بل تمثل أحد المراكز السكانية الرئيسة في الساحل الأيسر للموصل.

ووفقاً لمصادر عسكرية عراقية تحدثت لـ"العربي الجديد" فإن "نسبة التقدم بلغت 1.8 كيلومتر، بشكل عمودي في أحياء المثنى والزهور والمرور عبر شارع الأفران، ثم الانتشار. وذلك قبل أن تبدأ معارك عنيفة استمرت ست ساعات، انتهت بسبب تردي الطقس وانخفاض نسبة الرؤيا إلى ما دون المائة متر في المنطقة، لتتجدّد بعد الظهر، وسط قصف عنيف من الطيران الأميركي لمناطق وجود التنظيم".

وتميّزت معارك الأربعاء بعودة استخدام السلاح الثقيل في المعارك والاشتباكات، كالدروع والدبابات، والتي اضطرت على ما يبدو القوات العراقية لاستخدامها، مع وجود الهجمات الانتحارية وصواريخ "كورنيت" والقنّاصة بكثافة.

في هذا الإطار، أكّد ضابط عراقي لـ"العربي الجديد" أن "هناك عدداً كبيراً من المنازل دُمّرت، ولا نعلم إن كان فيها عائلات أم لا، لكن الجندي بالنهاية ليس موظف حقوق إنسان، بل مطلوب منه كسب المعركة بأي شكل"، وفقاً لقوله. وألقى باللائمة على السكان الذين لم يخرجوا من المدينة في وقت مبكر، في ظلّ منع "داعش" السكان من الخروج منذ نحو عامين، فارضاً عليهم إقامة جبرية وعقوبات لمن يحاول الخروج.

من جانبه، أفاد العميد سعد العتبي من جهاز مكافحة الإرهاب لـ"العربي الجديد"، بأن "أحياء سكنية تم تحريرها ما زالت تشهد هجمات لداعش، ويعود السبب في ذلك إلى الأنفاق التي حفرها التنظيم سابقاً". ولفت إلى أن "المسلحين يخرجون لاستهداف القوات، ثم ينسحبون، لذا فإن أي حديث عن تحرير كامل لأي من أحياء الساحل الأيسر يجب ألا يكون قبل الوصول إلى نهر دجلة" وفقاً لقوله. وقدّر أعداد مقاتلي "داعش" بأنهم "أكثر من خمسة آلاف مسلّح حالياً، غالبيتهم من العراقيين والسوريين وهناك قلة من العرب والأجانب".



وأضاف أن "أسلوب السيطرة على حي كامل، ثم الانتقال إلى آخر، لم يعد نافعاً، والأسلوب الحالي هو الأفضل، لكون التنظيم يفقد توازنه مع كل تحرك سريع لنا، ويعيد ترتيب صفوفه في حال حصرنا قواتنا بحي واحد". وأشار إلى أنه "تمّ قطع الاتصالات السلكية واللاسلكية عن المدينة بأجهزة تشويش أميركية، وصلت حديثاً لقطع التواصل بين عناصر التنظيم وخلاياه".

إلى ذلك، أعلنت وزارة الدفاع العراقية أن "طيران الجيش العراقي نفّذ أكثر من 800 طلعة جوية في سماء الموصل، وسط استعداد القوات العراقية وقوات التحالف الدولي لتهيئة قاعدة القيارة الجوية، جنوب الموصل، لاستقبال مقاتلات التحالف الدولي والمقاتلات العراقية، المشاركة بعمليات القصف على مدينة الموصل".

في هذا الإطار، قال المتحدث الرسمي باسم الوزارة العميد تحسين الخفاجي، في مؤتمر صحافي، إن "طيران الجيش العراقي نفذ أكثر من 880 طلعة جوية منذ بدء عمليات تحرير نينوى"، مؤكداً أن "قاعدة القيارة ستستقبل الطائرات المقاتلة في القريب العاجل".

بدوره، أعلن المتحدث باسم قوات التحالف الدولي، العقيد جون دوريان، في مؤتمر صحافي عقده في قاعدة القيارة، أن "طائرات التحالف قصفت مواقع لعناصر داعش بأكثر من أربعة آلاف قنبلة منذ انطلاق عمليات تحرير نينوى". وبيّن أنها "أسفرت عن مقتل المئات من عناصر داعش وتدمير 59 عجلة مفخخة و80 نفقاً"، لافتاً إلى "استمرار طائرات التحالف باستهداف مواقع التنظيم داخل الموصل، مع مراعاة وجود المدنيين" على حد قوله.

خلال ذلك، أفاد رئيس منظمة السلام العراقية لحقوق الإنسان، محمد علي، بأن "تقارير ميدانية تؤكد وجود سبع عائلات في أحياء شهرزاد وعدن والقادسية تحت الأنقاض. كما أن هناك نحو خمسة آلاف عائلة محاصرة منذ أربعة أيام، لا تستطيع الخروج". وكشف لـ"العربي الجديد"، أنه "تم استقبال نحو ألف مدني يمثلون 288 عائلة، خاطروا وخرجوا وتمكنوا من الوصول إلى بر الأمان، لكن هناك تسعة مدنيين قتلوا وجرح 36 آخرون، خلال محاولتهم الفرار".

بدورهم، ذكر نازحون من أهالي حي الانتصار، والذي تحوّل إلى ساحة معركة خلال اليومين الماضيين، أن "القصف المتبادل بين عناصر داعش والقوات الأمنية أدى لمقتل عشرات المدنيين المحاصرين داخل منازلهم في حيي الانتصار والزهراء".



في هذا الصدد، اعتبر أحد سكان منطقة الانتصار، علاء الجوادي، بعد وصوله مع أفراد عائلته إلى مخيم الخازر، شرق الموصل في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "جثث ضحايا القصف المتبادل والاشتباكات ما زالت في شوارع المنطقة، من دون أن يتمكن أحد من الوصول إليها بسبب اطلاق النار الكثيف والقصف الشديد". وأكد الجوادي أن "الأهالي قاموا بدفن ضحايا القصف في حدائق المنازل والطرقات، بينما ما تزال بعض جثث الضحايا تحت أنقاض المنازل التي دمرت خلال القصف بعد تعذر نقلها ودفنها".

كذلك أفاد ضابط في قوات جهاز مكافحة الارهاب بأن "عدداً من النازحين الفارين من الأحياء التي تشهد اشتباكات عنيفة قُتلوا وأصيب آخرون أثناء عملية إخلائهم إلى مخيم الخازر، بسبب سقوط قذائف هاون أطلقها عناصر داعش". وأضاف أن "القوات الأمنية العراقية تمكنت من إخلاء عشرات الأسر المحاصرة من قبل داعش، أثناء تقدم القطعات العسكرية العراقية في حيي البكر وعدن، شرقي الموصل". ولفت إلى أن "العائلات تم نقلهم بحافلات خاصة وعربات عسكرية إلى مخيم الخازر".

على صعيد متصل، أكد مصدر محلي في الموصل، لـ"العربي الجديد"، أمس، أنّ "الأحياء الشرقية في المدينة، تتعرّض لنزوح غير مسبوق، بسبب تحصن عناصر داعش، في المناطق التي تشهد قصفاً جوياً ومدفعياً عنيفاً". وأعلن جهاز مكافحة الإرهاب أمس، أن "قواته تخوض حرب شوارع عنيفة مع عناصر داعش، والذين يحاولون عرقلة تقدم القوات العراقية المهاجمة على شكل مجاميع صغيرة متفرقة، برفقة انتحاريين يرتدون أحزمة ناسفة وعربات مفخخة، وضعها عناصر التنظيم داخل مواقف السيارات التابعة للمنازل السكنية في المنطقة، لتكون جاهزة لمباغتة القوات الأمنية ومهاجمتها".

إلا أن مصدراً عسكرياً في قيادة عمليات نينوى، كان قد أشار لـ"العربي الجديد" إلى أن "تنظيم داعش ما يزال يحتفظ ببعض الجيوب والمجاميع الصغيرة القتالية، والتي تباغت قوات جهاز مكافحة الإرهاب في أحياء الزهراء والقادسية والانتصار، مستغلين اندفاع قوات جهاز مكافحة الإرهاب نحو الأحياء الوسطى من الجانب الأيسر لمدينة الموصل".

وأضاف أن "عناصر داعش كانوا يخرجون ليلاً من بعض المخابئ التي أعدوها في الأحياء المحررة للقيام بهجمات خاطفة، تستهدف أماكن تجمع قوات جهاز مكافحة الإرهاب، ما أدى لوقوع خسائر بين صفوف قوات الأمن العراقية".

إلى ذلك، أبدى ضابط في قيادة عمليات تحرير نينوى تحفّظه على مشاركة قوات الفرقة التاسعة المدرعة في المعارك الجارية داخل أحياء الموصل. ولفت في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "قيادة القوات المشتركة قد تكون ارتكبت خطأً كبيراً يتعلق بإشراك قوات عسكرية مدرعة في معارك تحمل طابع حرب العصابات التي تجري بين أزقة الأحياء السكنية الضيقة". وعلل سبب اعتراضه بأن "قوات الدروع التي تشمل دبابات البرامز ودبابات تي 52، والمدرعات الكبيرة الأخرى تجد صعوبة كبيرة في التحرك والتنقل داخل الأزقة السكنية، ما يجعلها تتعرض بسهولة للهجمات السريعة والخاطفة التي يشنها عناصر داعش على قوات الجيش في أحياء الموصل".

ولفت إلى أن "سبب تزايد خسائر قوات الجيش العراقي في المعارك الجارية في المحور الشرقي خلال الأيام الماضية، هو عدم استعداد قوات الجيش لخوض حرب الشوارع الجارية حالياً في الموصل، بل يفضّل إشراك قوات جهاز مكافحة الإرهاب فقط في المعارك التي تهدف للسيطرة على أحياء الموصل، لكونها مدربة على ذلك ومسلّحة تسليحاً جيداً".

أما في المحور الغربي، فأعلن المتحدث الرسمي باسم مليشيات "الحشد الشعبي" أحمد الأسدي، أن "فصائل الحشد تمكنت من السيطرة على قرى عدة على مشارف مطار تلعفر، الواقع على مسافة سبعة كيلومترات فقط من مدينة تلعفر".

وذكر الأسدي أن "الحشد سيطر على قريتي تل الصوبان وتل الرمح الواقعتين على مشارف مطار تلعفر العسكري"، مضيفاً أن "فصائل الحشد تخوض حالياً معارك عنيفة مع عناصر داعش في قرية تل شيان شرق مطار تلعفر". كما أعلن أن "طيران الجيش العراقي تمكن من تدمير مركبة عسكرية مفخخة داخل مطار تلعفر، كان يحاول عناصر داعش تفجيرها ضد الحشد الشعبي".

المساهمون