مفاوضات سد النهضة: انقلاب بموقف السودان وشرط جديد لإثيوبيا

16 فبراير 2020
تريد إثيوبيا مدّ أجل مفاوضات سد النهضة(إدواردو سوتيراس/فرانس برس)
+ الخط -

كشفت مصادر سودانية مطلعة على مفاوضات سد النهضة الإثيوبي، بين مصر وإثيوبيا والسودان، والتي تُجرى في واشنطن برعاية وزارة الخزانة الأميركية والبنك الدولي، عن تطورٍ وصفته بالمفاجئ في موقف الخرطوم، الذي ظلّ يتأرجح خلال المفاوضات السابقة بين الانحياز للرؤية الإثيوبية تارة، والحياد تارة أخرى.

وقالت المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، إن جولة المفاوضات الأخيرة التي استقبلتها واشنطن على مدار يومين، شهدت تقارباً كبيراً في موقف الخرطوم مع القاهرة، على عكس الجولات السابقة. وبحسب المصادر، فقد وصل هذا التقارب إلى حدّ أن الجانب الإثيوبي وصف الموقف السوداني خلال المفاوضات الأخيرة بـ"المضاد" له بشكلٍ "غير مبرر".

وأوضحت المصادر أن الأسبوع الذي سبق جولة المفاوضات الأخيرة التي استمرت على مدار يومي 12 و13 فبراير/شباط الحالي، شهد تنسيقاً أوسع بين القاهرة وواشنطن حول قضايا إقليمية، وجدت فيها مصر باباً للدخول إلى الجانب السوداني وتوظيفه في قضية السد، موضحة أن القاهرة باتت تؤدي دوراً مهماً في مشاورات سودانية لرفع الخرطوم من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

من جهته، كشف مصدر مصري فني في وزارة الري أن مفاوضات واشنطن شهدت محاولة إثيوبيا فتح مجال جديد للمفاوضات من أجل مدّ أجلها، وباب جديد للجدل تستطيع من خلاله إطالة فترة التفاوض. وقال المصدر إن "الوفد المصري فوجئ في مفاوضات الجولة الأخيرة بالتمسك بالنص على حصةٍ إثيوبية تتحصل عليها، ويكون لها الحق في استخدامها والتصرف فيها مثل مصر التي تمتلك حصة تقدر بـ55 مليار متر مكعب"، مضيفاً أن "الجانب الإثيوبي أراد أن يتم طرح مسألة الحصص من المياه بين دول حوض النيل مجتمعةً، قبل صياغة أي اتفاق رسمي بين مصر والسودان وإثيوبيا". ولفت المصدر المصري إلى أن لدى بلاده "كل الثقة بأن علاقات الولايات المتحدة بالدول الثلاث والروابط الاستراتيجية القائمة بينها وبين مصر ستجعل المخرج من الجانب الأميركي متوازناً وعادلاً وموضوعياً". وثمّن في هذا الإطار "اهتمام الجانب الأميركي، خصوصاً الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بالإضافة إلى من كلف بالمهمة وهو أحد الأقطاب الرئيسية في الإدارة الأميركية، وزير الخزانة ستيفن منوشين، إلى جانب اهتمام وزير الخارجية مايك بومبيو، لتأكيد اهتمام الإدارة الأميركية بالتوصل إلى اتفاق".

وبشأن الموقف السوداني في هذه الجولة من المفاوضات، قال المصدر إنه "كان هناك تطابق في مواضيع كثيرة في الموقفين المصري والسوداني، وهذا شيء متوقع نظراً للظروف المتماثلة المرتبطة بكونهما دولتي مصب، وبالطبع في إطار العلاقة الخاصة التي تربط البلدين".



يأتي هذا في الوقت الذي قال فيه وزير الخارجية المصرية، سامح شكري، أمس السبت، إن الجولة السابقة من مفاوضات سد النهضة في واشنطن "ركّزت على الجوانب الفنية المرتبطة بالاتفاق، في ما يتعلق بملء وتشغيل سد النهضة والقواعد التي تحكم مجابهة الجفاف والسنين الشحيحة في الماء، وكان هناك اتفاق على أنه تم الانتهاء من هذا الجزء وأصبح مغلقاً أمام المفاوضات". وتابع أن "الجولة الحالية انصبت على النواحي القانونية المرتبطة بالاتفاق، بما في ذلك التعريفات وآلية فضّ المنازعات وهيئة التبادل المعلوماتي والتنسيق في ما بين الدول الثلاث، اتصالاً بتنفيذ الاتفاق وقواعد الملء والتشغيل والقضايا القانونية الأخرى، كالتصديق على الاتفاق ودخوله حيز النفاذ وكيفية إجراء التعديل عليه". ولفت الوزير المصري إلى أن الجانب الأميركي كان متلقياً للآراء من قبل الدول الأطراف، وقرر في نهاية الجولة أن بمقدوره أن يطرح على الدول الثلاث صيغةً متكاملة تتضمن كافة العناصر، وتصل إلى نقطة من المرونة وتراعي مصالح ورؤى الدول الثلاث بشكل متساوٍ. وفي السياق، أشار شكري إلى أن موقف الراعي الأميركي أنه لن يعتد برؤية أي من الدول الثلاث بمفردها، ولكن سوف يصل إلى صيغة توفيقية تراعي الرؤية التي طرحت والمصلحة بقدر متساو من التنازل والمكاسب، على أن تطرح الرؤية الأميركية والصيغة النهائية للاتفاق على الدول الثلاث لإبداء مدى موافقتها عليها.

وذكر شكري أن هناك نقاطاً لها أهميتها لم يتفق حولها الأطراف، لكنهم طرحوا رؤيتهم إزاءها واستمع إليها الجانب الأميركي والبنك الدولي، ولديهما رؤية في كيفية صياغة هذه العناصر بشكل يؤدي إلى تحقيق التوازن في المصالح والواجبات بالنسبة للدول الثلاث. وبحسب الوزير، فإن الشريك الأميركي يجد أن الصيغة التي سيقدمها هي الصيغة العادلة التي يجب اعتمادها، آخذاً في الاعتبار مصالح الدول الأطراف.

وأضاف شكري أن كل الأمور المرتبطة بالنواحي الفنية، مثل ملء وتشغيل السد، هي من النقاط التي اتفق عليها من الجولة الماضية وأغلق التفاوض حولها، بينما كافة الأمور العالقة هي أمور قانونية ما يخص فضّ المنازعات وتشكيل هيئة التنسيق والتعريفات المرتبطة بالمصطلحات الفنية والقانونية والتصديق ودخول الاتفاق حيز النفاذ. وأكد "أننا وصلنا إلى نقطة نهائية يجب ألا تضيع من أيدينا، لأنها تفتح مجالات ضخمة لتحقيق مصالح الشعوب الثلاثة والتعاون في ما بينها، وفتح مجالات الاندماج السياسي والاقتصادي بينها، وتضع معايير جديدة في التوصل إلى حلول سلمية تراعي مصالح هذه الدول بصورة متساوية، وترسي قواعد قانونية محددة في هذا الصدد".