مقايضة السيسي - ترامب: تمرير تعديل الدستور و"صفقة القرن"

14 فبراير 2019
سعى السيسي جاهداً للتودد إلى ترامب (Getty)
+ الخط -

كشفت مصادر سياسية مصرية أن نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي حصل على ضوء أخضر من الإدارة الأميركية بشأن تمرير تعديلات الدستور، المطروحة حالياً أمام مجلس النواب، وعدم ممانعة استمرار السيسي في الحكم حتى العام 2034، على الرغم من حالة الرفض السياسي للتعديلات من جانب المعارضين، لارتباط السيسي أمام الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي وأطراف عربية بتنفيذ بنود خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية، المعروفة إعلامياً باسم "صفقة القرن".

وقالت المصادر، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، إن السيسي سعى جاهداً للتودد إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وإظهار موقفه المؤيد لتمرير "صفقة القرن"، التي تشمل تبادلاً للأراضي بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي ومصر والأردن، مستشهدة بحديثه، خلال زيارة الولايات المتحدة في إبريل/نيسان 2017، عن أنه "داعم وبقوة لكل الجهود التي ستُبذل لإيجاد حل لصفقة القرن، ويثق في قدرة ترامب على إنجازها". وأشارت المصادر إلى أن السبب الرئيسي لتعجيل السيسي في تمرير تعديلات الدستور، بعد أقل من عام واحد على إعادة انتخابه، يعود إلى ثقة الرئيس المصري في عدم ممانعة ترامب لها، أو الصمت عنها على أقل تقدير، باعتبار أنه أحد الأطراف الفاعلة في "صفقة القرن" التي يرعاها الرئيس الأميركي، فضلاً عن استباق الانتخابات الرئاسية المقررة في الولايات المتحدة العام المقبل، وما قد تسفر عنه من إمكانية خسارة ترامب أمام أحد مرشحي الحزب الديمقراطي.

ووفقاً لمصادر أميركية فإن إدارة ترامب انتهت من مسودة "صفقة القرن"، المكونة من نحو 200 صفحة، على أن يشارك مستشار الرئيس الأميركي، جاريد كوشنر، في العاصمة البولندية وارسو في مؤتمر ترعاه الولايات المتحدة "لبحث القضايا الإقليمية المتعلقة بالشرق الأوسط"، يعقبه إجراء مستشار ترامب جولة تشمل خمس دول خليجية لكسب المزيد من الدعم لـ"خطة السلام" بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ويعمل السيسي جاهداً، منذ وصوله إلى الحكم قبل نحو خمسة أعوام، على توطيد العلاقات بين القاهرة وواشنطن من ناحية، ومع تل أبيب من ناحية أخرى، الأمر الذي وصل إلى حد التحالف في بعض المواقف الإقليمية مع الاحتلال الإسرائيلي، والتنسيق مع الأخيرة حول توجيه ضربات الطيران للمسلحين في مناطق سيناء، بحسب ما اعترف به الرئيس المصري خلال مقابلته الأخيرة مع برنامج "60 دقيقة" على قناة "سي بي إس" الأميركية.

وتشمل تعديلات الدستور المصري تمديد فترة الرئاسة من 4 سنوات إلى 6 سنوات، والسماح للسيسي، عبر نص انتقالي، بالترشح لولايتين جديدتين بعد انتهاء ولايته الثانية في العام 2022، وتعيين نائب أو أكثر لرئيس الجمهورية، وإعادة صياغة وتعميق دور الجيش في "حماية الدولة المدنية"، واشتراط موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على تسمية وزير الدفاع، وإلغاء الهيئتين الوطنيتين للصحافة والإعلام. ومن المرجح إطلاق خطة "صفقة القرن" عقب إجراء الانتخابات الإسرائيلية في 9 إبريل/نيسان المقبل، بعد حصول النظامين السعودي والمصري على إشارات بعدم الاكتراث لدعوات مساءلة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في قضية مقتل الصحافي جمال خاشجقي، أو معارضة التعديلات الدستورية في مصر، خصوصاً مع جهود البلدين المبذولة لانتزاع موافقة مبدئية من السلطة الفلسطينية والأردن.


وأجرى محمد بن سلمان محادثات ثنائية مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الشهر الماضي، تطرقت إلى سبل حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وتطورات قضية مقتل خاشقجي، في وقت يرى فيه محللون أن الولايات المتحدة تشترط تمرير السعودية لخطة "صفقة القرن" لتبرئة بن سلمان من القضية، خصوصاً أن ولي العهد السعودي يمارس ضغوطاً على الرئيس الفلسطيني محمود عباس للموافقة على الصفقة، مقابل منح السلطة الفلسطينية حزمة من المساعدات الاقتصادية. ويسعى السيسي لتمرير الدستور في أسرع وقت، استغلالاً لانشغال إدارة ترامب في ملف الصراعات الداخلية، خصوصاً مع مجلس النواب، على وقع تجاهل الرئيس الأميركي الموعد المحدد للرد على مطالب لجنة العلاقات الخارجية في المجلس بشأن تقديم تقرير يحدد المسؤولين عن مقتل خاشقجي، واقتراح مجموعة من المشرعين مشروع قانون يتضمن وقف بعض مبيعات السلاح الأميركي إلى السعودية، وفرض عقوبات على أي سعودي متورط في قتل الصحافي. كما تصاعدت أزمة ترامب مع رئيسة مجلس النواب الديمقراطية، نانسي بيلوسي، بعد قوله "إنها سيئة للغاية لبلادنا، وتريد في الأساس حدوداً مفتوحة"، رداً على رفضها بناء الجدار على الحدود مع المكسيك، فضلاً عن تحذيره الديمقراطيين، الذين يسيطرون على مجلس النواب، من توسيع تحقيقاتهم بشأن علاقاته مع روسيا، بحجة أن التحقيقات "سخيفة ومنحازة، وتُهدد الاقتصاد الأميركي".

ووفقاً لمصدر برلماني مصري فقد "بدا واضحاً أن الإدارة المصرية منتبهة للأوضاع الداخلية في الولايات المتحدة، وكذلك الخارجية، وتورط واشنطن كطرف في الأزمة الحاصلة في فنزويلا، واختارت توقيتاً مثالياً لتمرير تعديلات الدستور، خصوصاً أن هناك حالة من الصمت الأوروبي المريب حيالها، مراعاةً من بعض دول الاتحاد الأوروبي لمصالحها المشتركة مع النظام المصري، وذلك في ملفات مثل التسليح ومكافحة الهجرة غير الشرعية". وعلى نقيض الموقف الراهن، سبق ودعا الاتحاد الأوروبي الرئيس المصري المعزول محمد مرسي إلى "احترام العملية الديمقراطية"، عقب إصداره إعلاناً دستورياً في نوفمبر/تشرين الثاني 2012 يشمل مجموعة من القرارات المحصنة ضد الطعن، إذ طالبته وزيرة خارجية الاتحاد آنذاك كاثرين آشتون، بالفصل بين السلطات، واستقلال القضاء، وحماية الحريات الأساسية، وإجراء انتخابات تشريعية في أسرع وقت ممكن. وفي منتصف يوليو/تموز 2018، وافق مجلس النواب المصري على تمرير مشروع قانون يسمح ببيع الجنسية المصرية، مقابل وديعة قدرها 7 ملايين جنيه (أقل من 400 ألف دولار)، بعد عام ونصف العام من طرحه للمرة الأولى من قبل حكومة السيسي، وتجميده داخل البرلمان بعد إبداء القضاء، ممثلاً في مجلس الدولة، العديد من التحفظات على نصوصه، وكذلك من بعض الجهات السيادية كالجيش والاستخبارات العامة. وتزامن صدور التشريع مع الشبهات التي تحوم حول دور السيسي في "صفقة القرن"، وما تحتويه من بنود مفادها إلغاء حق العودة للفلسطينيين المقيمين في الدول العربية منذ ستينيات القرن الماضي، ومنهم المقيمون في مصر الذين يعاملون معاملة المصريين في العديد من الإجراءات الحكومية، لكنهم لم يكتسبوا الجنسية المصرية، ولا يحق لأبنائهم الحصول عليها تبعاً لأمهاتهم المصريات "إلا بناءً على أحكام قضائية". وتمنح نصوص القانون الجديد الفلسطينيين المقيمين في مصر الفرصة للحصول على الجنسية المصرية مقابل إيداع المبلغ المالي المنصوص عليه، ليكونوا على قدم المساواة مع المصريين بما يتعلق بحقوق العمل والملكية والتوظيف، فضلاً عن توريثهم الجنسية المكتسبة لأبنائهم.

المساهمون