على الرغم من التأكيد المسبق على أن "الأغلبية الرئاسية" ستكتسح البرلمان الفرنسي المقبل، وأنها قد توصل 400 نائب إلى البرلمان، إلا أن ثمة دوائر انتخابية ستشهد صراعاً وتشويقاً كبيرين، حتى النهاية. ومن هذه الدوائر، تلك التي يتواجد فيها قادة أحزاب، أو حركات سياسية، أو وزراء قد يغادرون وزاراتهم إذا خسروا الانتخابات. وعلى رأس هؤلاء جان لوك ميلانشون، والأمين العام للحزب الاشتراكي، جان كريستوف كامباديليس، الذي يواجه الوزير المكلف بالقطاع الرقمي، منير محجوبي، وأيضاً زعيمة حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف، مارين لوبان، وآخرون.
ويتهدد الخطر وزيرة الشؤون الأوروبية، ماريال دو سارنيز من حزب "الموديم"، والمقربة من وزير العدل، فرانسوا بايرو، وهي تواجه النائب الاشتراكي المنتهية ولايته، باسكال شيركي، المقرب من بونوا هامون، في الدائرة الحادية عشرة من باريس. برونو لومير، الوزير الحالي للاقتصاد والقادم من حزب "الجمهوريون"، مرشح في الدائرة الأولى في إقليم أور، وهو مدعوم من قبل حركة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ما دفع حزبه السابق لتعيين مرشح لمنافسته. وعلى الرغم من استطلاعات الرأي التي تمنحه الفوز إلا أنه يشدد على اصطياد كل صوت. هل سيحقق الوزير الشاب منير محجوبي الفوز، فيقصي الأمين العام للحزب الاشتراكي، في دائرة شمال-شرق باريس (الدائرة 16). إن هذا الإنجاز، الذي يبدو في متناول اليد، بسبب ترهل الحزب الاشتراكي، وأيضاً بسبب دينامية الرئيس الجديد وحركته السياسية، سيضرب عصفورين بحجر واحد، ضرب رأس أحد أكبر الأحزاب السياسية الفرنسية، وأيضاً البقاء في الحكومة ومواصلة المشروع الرقمي. وفيما يخص الوزراء الآخرين المرشحين، فلا شيء يثير القلق، بالنسبة إلى أنيك جيراردان في دائرة سان-بيير-ايميكيلون، ولا للوزير ريشار فيران في دائرة فينستير، رغم شبهة الفساد التي تحوم حوله. وربما سيجد الوزير كريستوف كاستانير، في دائرة الألب-هوت-بروفانس، بعض الصعوبة في الفوز بسبب تحقيق ميلانشون نسباً عالية، في دائرته، في الدورة الأولى من رئاسيات فرنسا.
مارين لوبان اختارت الدائرة الحادية عشرة في هينان-بومون في منطقة با-دي-كاليه، إذ تعرف المنطقة أزمة اقتصادية قوية وتواجداً كبيراً للمهاجرين الذين يريدون التوجه إلى بريطانيا، ولا تخلو من توتر مع السكان ومع الشرطة. وتريد لوبان أن تحقق ما عجزت عنه في الانتخابات البرلمانية السابقة، حين حصلت على 49.98 في المائة، وخسرت بفارق 118 صوتاً. ولا يخفي جان لوك ميلانشون، زعيم "فرنسا غير الخاضعة"، عداءه للحزب الاشتراكي، حزبه السابق، ولهذا قرر أن يترشح في مارسيليا (الدائرة الرابعة)، في معقل النائب الاشتراكي المنتهية ولايته، باتريك مينوتشي، ويواجه في الوقت ذاته مرشحة حركة "الجمهورية إلى الأمام"، كورين فيرسيني. وعلى الرغم من أن المنطقة غريبة عنه، إلا أنه يستطيع أن يرتكز على النتائج الجيدة التي حققها في الدورة الأولى من الرئاسيات، ويستفيد من روائح الفساد التي تلاحق الحزب الاشتراكي في المنطقة. ووفق آخر استطلاع للرأي، فإن ميلانشون سيفوز في الدورة الثانية بنسبة 53 في المائة في مواجهة منافسته من حركة ماكرون.
الخطر محدق بهذه الوزيرة السابقة، نجاة فالو بلقاسم، والتي فضلت البقاء في الحزب الاشتراكي، حين غادره الكثير من رفاقها وزملائها في الحكومة. وقد ترشحت في الدائرة السادسة في مدينة فيلورلبان بمنطقة الرون. وإذا كانت فضلت في 2012 ألا تترشح في الانتخابات التشريعية، خوفاً من الخسارة وضياع الوزارة، فإنها جربت، هذه المرة، الاقتراع المباشر. لكن استطلاعات الرأي تمنح الصدارة لمرشح "الجمهورية إلى الأمام"، رجل الأعمال، برونو بونيل. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المدينة صوتت بشكل كبير لصالح ماكرون في الدورة الثانية من الرئاسيات. مريم الخمري، التي يعرفها الفرنسيون من خلال قانون الشغل الذي يحمل اسمها والذي يثير الجدل، في وضعية أفضل من زميلتها نجاة فالو بلقاسم، فقد اقتربت، هذه المرشحة باسم الحزب الاشتراكي، من حركة ماكرون، فلم يتم ترشيح أحد لمواجهتها، وهو ما سهّل عليها بعض الأمر، لولا أنها تواجه المرشحة النسائية واليسارية، كارولين دو هاس، التي يدعمها الإيكولوجيون وحركة "معاً"، التي كانت السبب في كل الحملة المناهضة لقانون الشغل الجديد.
مانويل فالس، رئيس الحكومة السابق الذي رفض ماكرون منحه التزكية وإن كان قرر ألا يعين منافساً في مواجهته، يدخل هذا الاختبار، هذه المرة، في ظروف صعبة. فعلى الرغم من أن الحزب الاشتراكي، حزبه السابق، لم يرشح منافساً له، إلا أن فريدة عمراني، وهي من أصول مغربية، وتمثل حركة "فرنسا غير الخاضعة"، تمثل تهديداً جدياً له، وقد تهزمه، إذا ما صوّت لصالحها مرشح الحزب الشيوعي الذي يدعمه، صراحة، بونوا هامون. غازي حمادي، من بين النواب القلائل من أصول عربية في البرلمان الفرنسي، والذي ظلّ وفياً للرئيس السابق، فرانسوا هولاند، تقصيه كل استطلاعات الرأي في الدائرة السابعة من سين-سان-دونيه، في مواجهة أليكسي كوربيير، مرشح "فرنسا غير الخاضعة" والمقرب من ميلانشون. وتواجه ناتالي كوسيسكو موريزي، القيادية في حزب "الجمهوريون"، والتي أيدت التقارب مع ماكرون، وكانت تتوقع تعيينها وزيرة في حكومته، في الدائرة الباريسية الثانية مرشحين اثنين منشقَّيْن عن حزبها، هما هنري غينو، مستشار الرئيس الفرنسي الأسبق، نيكولا ساركوزي، وجان بيير لوكوك. وهي لم تحظ بما حظي به رفاقها الذين لم يعين ماكرون أي منافس ضدهم. بل على العكس، فإن مرشح "الجمهورية إلى الأمام"، جيل لوجوندر، قادر على هزيمتها، حسب مختلف استطلاعات الرأي، وهو ما تعترف به موريزي، متأسفة على هذا الاحتمال.
وفي صراع الإخوة الأعداء، سيجد كريستوف بورجيل، المسؤول عن الانتخابات في الحزب الاشتراكي، صعوبة في الاحتفاظ بمقعده في مواجهة مرشح "فرنسا غير الخاضعة" ومدير حملة ميلانشون الانتخابية، مانويل بومبارد، خصوصاً أن دائرة أوت-غارون شهدت تحقيق ميلانشون 27 في المائة من الأصوات أثناء الدورة الأولى من الرئاسيات. وسيحتدم الصراع في منطقة لاسوم بين الثلاثي، الاشتراكية، باسكال بواستارد، ومرشح "الجبهة الوطنية"، فرانك دولابيرسون، ومدير مجلة "فكير" المخرج السينمائي الملتزم، المرشح عن حركة "فرنسا غير الخاضعة"، فرانسوا ريفان. وستجد القيادية في الحزب الإيكولوجي الوزيرة السابقة، سيسيل دوفلو، صعوبة في الاحتفاظ بمقعدها البرلماني في الدائرة السادسة من باريس، إذ إنه ورغم حصولها على دعم الحزب الاشتراكي، وحضور خاص من طرف بونوا هامون، فهي تواجه المنشقة الاشتراكية، نوال عومير، إضافة إلى مرشحة "الجمهورية إلى الأمام"، دانييل سيموني، الأوفر حظاً.