رحلة شمالية إلى عدن: دخول صعب وشواهد حرب ودمار

01 نوفمبر 2016
تعاني المدينة من فوضى تعدد السلطات (صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -
لم يعد الدخول إلى مدينة عدن أمراً سهلاً كما كان في مرحلة ما قبل الحرب، إذ تشكل نقاط التفتيش المؤدية إلى المدينة معاناة إضافية للمواطنين، لا سيما المنحدرين من المناطق الشمالية. الاحتجاز اليومي والتحقيق يتعديان مسمى الإجراءات الأمنية والبحث عن مطلوبين للعدالة أو الحد من تدفق الأسلحة إلى إعاقة هؤلاء المواطنين من دخول المدينة. تشكل نقاط التفتيش في طريق الضالع-عدن العدد الأكبر من هذه النقاط، وتلقي ضوءاً على فوضى سلطات ما بعد الحرب. فواز الشعيبي، أحد المسلحين القائمين على نقطة سناح-الضالع، يتردد اسمه كثيراً لمنعه مرور المواطنين المنحدرين من الشمال واحتجازهم، رفض مرورنا على الرغم من امتلاكنا الوثائق الثبوتية.

ولدى سؤاله عن أسباب المنع الذي يطاول الشماليين دون غيرهم، رفض الشعيبي تفسير الآلية التي يتبعها، قبل أن يضيف بأنه يتبع قوانين الحزام الأمني التابع للتحالف العربي، وتحديداً دولة الإمارات العربية المتحدة. كما لم يتردد في القول إنه لا يعترف بسلطة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وأن هذه الإجراءات لمنع كل الشماليين الذين هم "خلايا نائمة تستهدف أمن الجنوب وتهدد استقلاله"، على حد وصفه. وبينما لم يقم الشعيبي بتفتيش الحقائب أو صندوق السيارة، اكتفى بالاستجواب وتسجيل أسمائنا ومكان ميلادنا وأرقام هواتف أهلنا في عدن.



النفاذ من نقطة سناح-الضالع لا يعني انتهاء المشقة. على مسافات متقاربة لا تتجاوز الأمتار في بعض الحالات، امتدت قرابة ثلاثين نقطة تفتيش، موزعة ما بين نقاط تابعة للحراك الجنوبي وللحزام الأمني، ونقاط شعبية تفرض إتاوات مالية و"حق القات والغداء".

يرتدي بعض القائمين على هذه النقاط الزي الرسمي للجيش اليمني فيما بعضهم الآخر يكتفي بالزي اليمني التقليدي. وفيما ترتفع على بعض النقاط أعلام دولة الجنوب (قبل الوحدة) إلا أن بعضها الآخر من دون علم أو لافتة، فقط مطب أرضي يتمترس بجواره مسلحون ملثمون بلحى طويلة أو أطفال لا تتجاوز أعمارهم الثامنة عشرة. ولأن معظم هذه النقاط لا تتبع سلطة سياسية محددة يمكن الاحتجاج لديها بشأن الانتهاكات التي تطاول المواطنين الآتين من الشمال، فإن التحلي بالصمت الحل الأمثل لضمان العبور الآمن. في النقطة الأمنية الرئيسية في مدخل مدينة عدن، تداول العسكر اسم أبو اليمامة، كشخص ذي نفوذ يتبع لواء الحزام الأمني. ووفقاً لسلطته يتم السماح بدخول الشماليين أو منعهم. استغرق التوقيف في هذه النقطة أكثر من ساعة وامتدت السيارات العالقة في انتظار السماح لها بالعبور. تمحورت الأسئلة حول هوياتنا الشمالية وأسباب الزيارة، وبمجرد العبور من هذه النقطة تستقبل الواصلين صورة ضخمة لقادة الدول العربية المشاركة في عاصفة الحزم، ثم صور لبعض الضحايا الجنوبيين الذين قتلوا في معارك التحرير، قبل أن تتوالى الصور المنفردة لرئيس دولة الامارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان.

لا تشبه عدن ما بعد الحرب ما قبلها، هذا أول ما يتبادر إلى ذهن من يدخل المدينة بعد غياب عنها لنحو عام ونصف العام. تبدو آثار الحرب التي امتدت داخل المدنية لأربعة أشهر شاخصة في المنازل، والفنادق، ومؤسسات الدولة، والمرافق الخاصة المدمرة. القذائف وضربات الطيران جعلت من تلك المباني شاهداً على عنف الحرب. لكن تبعات الحرب تظهر أيضاً، وبشكل أكبر، على المواطنين. الفقر المدقع وتزايد أعداد المتسولين لم يعد ظاهرة محدودة في مناطق بعينها، وإنما أصبح نمط حياة للأهالي الذين فقدوا أعمالهم ومنازلهم، وكذلك النازحين من المدن الأخرى. يحتل الأطفال المصابون بسوء التغذية والمشردين القوام الأكبر من المتسولين، إضافة إلى الأفارقة والصوماليين النازحين من الحرب في بلدانهم إلى مدينة عدن. بالنسبة للعديد من السكان، تحرير مدينة عدن من مليشيات الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح لا يعني عدم تجددها بشكل آخر. يظل الخوف قائماً من احتمال تفجر العنف مجدداً لأسباب متعددة حاضرة في أذهان سكان المدينة. يحكي أحد المواطنين أنه لا يثق بآتين من خارج المدينة والذين يسيطرون اليوم على مقاليد السلطة، مستدعياً من الذاكرة القتال شبه الأهلي في 13 يناير/كانون الثاني 1986.

من جهتها، ترى الموظفة في قطاع التعليم الحكومي، أمل محمد علوان، أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة، لا سيما بعد فشل البنك المركزي، عقب نقله إلى مدينة عدن، في الإيفاء بتعهداته وتوقف رواتب موظفي الدولة، قد يشعل انتفاضة اجتماعية. تتحدث أيضاً عن تزايد الانفلات الأمني وانتشار السلاح وتعدد الفصائل المسلحة على الأرض، وأن كل ذلك يتوازى مع ضعف السلطة الشرعية ومؤسسات الدولة التابعة لها وتعمد تعطيل مهامها من قبل أطراف سياسية، الأمر الذي يشكل مدخلاً لتفجير الأوضاع في مدينة عدن.

عدا عن نقاط التفتيش المنتشرة في شوارع مدينة عدن التي تتعدد الهويات السياسية لأفرادها، والتي تكرس في ذهنية الزائر للوهلة الأولى وهماً بحضور الأمن في المدينة وتعهده بحماية حياة المواطنين، فإن الانفلات الأمني هو المظهر البارز في مرحلة ما بعد تحرير المدينة. يستمر بين وقت وآخر في الساعات الأولى للصباح أو في الليل سماع تبادل اطلاق الرصاص بين الجماعات المسلحة وكذلك قصف مدفعي لمؤسسات الدولة ومحاولة اقتحامها من قبل فصائل مسلحة. لذا تبقى هوية السلطة الأمنية والسياسة سؤال الأمني وهوية السلطة السياسية التي تدير المدينة سؤال بلا إجابة وموضعاً للتكهنات. يرى عبدالله العدني أن المدينة تخضع على الصعيد الأمني تخضع للإدارة الإماراتية، ولا يحتكم مدراء الأمن لتعليمات السلطة الشرعية ممثلة بأجهزتها الرسمية وإنما لإدارة الحزام الأمني. ويلخص الدور الإماراتي في الجانب الأمني لمدينة عدن بوقوع سجن المنصورة تحت الاشراف المباشر للإدارة الاماراتية التي تمنع المحامين اليمنيين من زيارة السجناء إلا بحضور ممثلين لها، على حد قوله.

أما على صعيد جوانب الحياة الأخرى، كالخدمات التي تمس حياة المواطنين بشكل مباشر، فترى هدى الصراري أن الحكومة الشرعية عاجزة عن توفير الكهرباء ما يمثل سبباً لغضب الأهالي، لا سيما مع انقطاعها المستمر وارتفاع درجات الحرارة وعدم قدرة معظم سكان المدينة على شراء بدائل كالطاقة الشمسية. الدخول إلى مدينة عدن ليس كالخروج منها، إذ لم تكن نقاط التفتيش هذه المرة مهتمة بالمغادرين، وكان أفرادها منهمكين في استجواب يمنيين آخرين ينحدرون من أصول شمالية آتين الى المدينة لزيارة الأهل أو للسفر عبرها إلى الخارج.