انتفاضة العراق بشهرها الثالث: صالح سيعود إلى بغداد وزعيم "العصائب" يهدده بالإقالة

28 ديسمبر 2019
انتفاضة العراق دخلت شهرها الثالث (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -
دخلت الاحتجاجات العراقية شهرها الثالث، وسط تقاطعات عميقة بين السلطات العراقية، وكذلك بين الكتل الكبيرة في البرلمان، بشأن المرشح لتشكيل الحكومة الجديدة، وفي الوقت الذي تحدثت فيه مصادر سياسية عن عودة مرتقبة لرئيس الجمهورية برهم صالح من السليمانية في إقليم كردستان العراق إلى بغداد لحسم هذا الأمر، هدد قيس الخزعلي، زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" (وهي أحد مكونات تحالف البناءالرئيس بالإقالة.

وقالت مصادر سياسية مطلعة، لـ"العربي الجديد"، إنّ رئيس الجمهورية سيعود، اليوم السبت، إلى قصر السلام في بغداد لمواصلة نقاشات اختيار رئيس الوزراء الجديد، مؤكدة أن صالح لا يزال غير مقتنع بتكليف مرشح تحالف "البناء" المدعوم من إيران، أسعد العيداني، لرئاسة الحكومة.

في غضون ذلك، صعّد قادة بتحالف "البناء" لهجتهم ضد رئيس الجمهورية؛ بسبب رفضه مرشحهم لرئاسة الوزراء.

وقال الخزعلي، في مقابلة متلفزة، إنّ الخطوة الأخيرة لرئيس الجمهورية "لم تكن مبررة، والحجج التي أعطاها لم تكن منطقية ولا صحيحة"، مردفاً بالقول إنّ "الدستور يحتم على رئيس الجمهورية تكليف مرشح الكتلة الكبرى".

وأشار إلى أنّ "اعتراض صالح على مرشح معين ليس وظيفة رئيس الجمهورية بل الكتل المتنافسة"، مضيفاً "ليست وظيفة رئيس الجمهورية تحقيق التوافق لأنّ التوافق يعني المحاصصة والمحاصصة غير دستورية"، محذراً من أنّ "عدم تكليف مرشح الكتلة الكبرى يدخل البلاد في فوضى ويهدد السلم الأهلي وسلامة ووحدة العراق".

ودعا الأمين العام لمليشيا "العصائب" رئيس الجمهورية "إذا كان شجاعاً فليقدم استقالته بطريقة دستورية"، قائلاً "أمام صالح إما الإقالة أو الاستقالة".

وأعلن رئيس الجمهورية، الخميس الماضي، عن استعداده لوضع استقالته أمام أعضاء مجلس النواب، فيما قدم اعتذاره عن تكليف المرشح العيداني برئاسة الحكومة الجديدة.

وفي السياق، أكد النائب ستار الجابري، وجود تحركات برلمانية من أجل جمع تواقيع لإقالة صالح من منصبه.

ونقلت وسائل إعلام محلية عن الجابري قوله، إنّ الرئيس العراقي قام بخرق الدستور، مضيفاً أنها "ليست المرة الأولى التي يتعمد فيها صالح خرق الدستور".

دعوى قضائية ضد صالح

من جانبه، كشف النائب عن تحالف "البناء" حامد الموسوي، اليوم السبت، عن تحرك تحالفه لإقامة دعوى قضائية ضد الرئيس العراقي لدى المحكمة الدستورية، بسبب رفضه تكليف مرشح الكتلة الكبرى.

ويتزامن ذلك مع حراك سياسي لعدة قيادات داخل تحالف "البناء" بعد توجيه تهمة خرق الدستور للرئيس العراقي، على اعتبار أنّ المادة 76 تتضمن أن دور الرئيس هو تكليف مرشح الكتلة الأكثر عدداً في البرلمان، ولا يحق له رفض هذا الترشيح، وهي مادة تعطي دوراً لرئيس الجمهورية في اختيار رئيس الحكومة أشبه ما يكون بساعي بريد، وفق ما قالته مصادر مطلعة، لـ"العربي الجديد"، وفي وقت سابق.

وقال الموسوي، في حديث خصّ به "العربي الجديد"، إنّ "استخدام المنصب من قبل رئيس الجمهورية برهم صالح لأغراض سياسية، مخالفة للدستور، هي جريمة يحاسب عليها القانون، فهو تجاوز صلاحيته وسلطاته".

وكشف أنّ "يوم غد الأحد، سوف يقدم تحالف البناء، إلى المحكمة الدستورية كتاباً يطلب فيه الفصل في هذه المخالفة الدستورية من قبل رئيس الجمهورية".

وبيّن أنّ "المحكمة الدستورية، هي إحدى المؤسسات القضائية، المرتبطة بمجلس القضاء الأعلى، وهي المعنية في حل الخلافات الدستورية، بين السلطات الثلاث، فما يجري الآن هو خلال بين مجلس النواب العراقي وبين رئاسة الجمهورية".

وأضاف النائب أنّ "السكوت عن خرق الدستور، سوف يكون سنة سيئة للخروقات الدستورية في المستقبل، كل ما حدث خلاف سياسي، وخرق الدستور في تشكيل حكومة عادل عبد المهدي، وتشكيل حكومة بعيداً عن الكتلة الكبرى التي أكد الدستور العراقي عليها، سبّب بزوال حكومة بعمر أقل من سنة، ولهذا يجب الآن العودة إلى الأطر الدستورية، حتى نحافظ على شكل النظام السياسي، ونمنع أي خروقات دستورية في المستقبل"، وفقاً لقوله.

في المقابل، انتقد عضو البرلمان، عن تحالف "سائرون"، بدر الزيادي، إصرار تحالف "البناء" على ترشيح شخصية متحزبة لرئاسة الوزراء، مؤكداً، في بيان، أنّ "تصرف رئيس الجمهورية برهم صالح بعدم تكليف مرشح البناء كان موقفاً حكيماً، لأنه يريد الحفاظ على الأمن والسلم المدني في العراق، بدل جر العراق إلى الفوضى".

وأضاف "إذا كنا نريد تهدئة الشارع، على تحالف البناء أن يعطي الحرية لرئيس الجمهورية لاختيار شخصية مستقلة"، مبيناً أنّ كتلته (سائرون) "أكدت أن الشعب هو الكتلة الكبرى التي ستختار شخص رئيس الوزراء".


واعتبر مراقبون أنّ تحركات تحالف "البناء"، خطوات تصعيدية لغرض الابتزاز السياسي لا أكثر. وقال الخبير بالشأن العراقي أحمد الحمداني، لـ"العربي الجديد"، إنّ "إقالة الرئيس غير واقعية الآن، فتحالف البناء لا يملك أصواتاً تكفيه لذلك، فالدستور ينص على أنّ الإقالة تكون بالنصف زائداً واحداً من مجمل أعضاء البرلمان".

وبيّن أنّ "التهم التي يمكن أن ترفق مع الشكوى إلى المحكمة الاتحادية أيضاً غير موجبة لاعتبارها لا تدين الرئيس العراقي بشيء"، معتبراً أنّ تحركات تحالف "البناء"، بالساعات الأخيرة وخاصة التصريحات الهجومية ضد صالح "لا يمكن اعتبارها غير أنها تتم بقبول أو توجيه إيراني واضح".

من جانبه، قال الخبير القانوني العراقي طارق حرب، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الطريق الذي رسمه الدستور في المادة 61 منه لإنهاء خدمة رئيس الجمهورية معقد وصعب جداً فهو يبدأ من تقديم طلب يحدد الأسباب إلى تصويت أغلبية عدد الأعضاء، وليس أغلبية الحضور إلى تحقق حالة من الحالات التي حددها الدستور، وهي الحنث باليمين الدستورية أو انتهاك الدستور إلى الخيانة العظمى، بحيث يتم تصويت النواب على ذلك ثم يحال الموضوع إلى المحكمة الاتحادية العليا لكي تتولى إصدار حكم على الرئيس بأنّه ارتكب واحدة من الحالات أي الحنث أو الانتهاك أو الخيانة، فإذا صدر حكم بالإدانة لا بد من جلسة للبرلمان لكي يقرر بأغلبية الأعضاء وليس أغلبية الحاضرين بإعفاء الرئيس".

وأوضح حرب أنّ "المحكمة الاتحادية العليا إذا قررت إدانة الرئيس، يجب أن يتولى البرلمان التصويت مجدداً بنفس الأغلبية السابقة للمرة الثانية، وبعد كل ما تقدم يتم إعفاء الرئيس وليس إقالته أو سحب الثقة منه أو عزله"، مضيفاً "هناك فرق بين الإعفاء وبين الإقالة وسحب الثقة والعزل، كما أنّ المحكمة لا تثبت الإدانة في جميع ما ينسب للرئيس لكي يتم إعفاؤه، وإنما الإعفاء يكون إذا ثبت للمحكمة أنّ الرئيس انتهك الدستور أو حنث باليمين أو ارتكب الخيانة العظمى، وهذه مسائل قانونية صعبة ودقيقة، وليست مثل أفعال أخرى كالسرقة والقتل مثلاً".


ويأتي ذلك في وقت تتواصل فيه الاحتجاجات الرافضة لترشيح العيداني في العاصمة بغداد ومحافظات جنوبية.

وأكد ناشطون، في احتجاجات البصرة جنوبي البلاد، وصول أعداد جديدة من المتظاهرين إلى ساحة البحرية، وأشاروا إلى أن شعارات المتظاهرين توحدت على رفض محافظ البصرة أسعد العيداني مرشحاً لرئاسة الوزراء.

وفي بغداد قام متظاهرون بإغلاق شركة تقدم خدمات الإنترنت بالكابل الضوئي، في منطقة الجادرية وسط العاصمة، وعلقوا عليها يافطات كتبوا عليها "مغلقة بأمر الشعب بسبب سوء الخدمة"، بينما استمر توافد المتظاهرين إلى ساحة التحرير والمناطق القريبة منها لرفض مرشحي الأحزاب لرئاسة الوزراء.

كما نصب متظاهرو ساحة الحبوبي في مدينة الناصرية (مركز محافظة ذي قار) خيماً جديدة للاعتصام، ليرتفع عدد خيم الساحة إلى نحو 200 خيمة، ورددوا شعارات رافضة لموقف البرلمان ورئيسه محمد الحلبوسي الذي تبنى موقفاً داعماً لتكليف العيداني لرئاسة الوزراء.

ورفض المحتجون، في ساحة اعتصام الديوانية بمحافظة القادسية، محاولات بعض شيوخ العشائر إنهاء الإضراب عن الدوام في المناطق الجنوبية، داعين زعماء القبائل إلى الانضمام للتظاهرات، وجاء ذلك رداً على اجتماع عدد من شيوخ عشائر المحافظة طالبوا فيه المتظاهرين بإنهاء حالة الإضراب.