بني غانتس والعودة إلى خطة يغئال ألون

02 فبراير 2019
خطة غانتس لا تخرج عن إطار خطة ألون الأصلية(Getty)
+ الخط -

عندما خرج الجنرال الإسرائيلي بني غانتس عن صمته ليعلن تصوره للحل السياسي والتسوية السلمية المنظورة مع الفلسطينيين، فقد أعاد إلى الأذهان عملياً الخيار الإسرائيلي السائد، في كل ما يتعلق بمستقبل وشكل الكيان الفلسطيني، وعلى أي رقعة أو مساحة من الأراضي الفلسطينية سيقوم.

واكتفى غانتس، في خطابه يوم الثلاثاء الماضي، بالإشارة إلى خطوط عريضة وغير محددة المعالم لأفق التسوية كما يراها، فقط في حال بدا أن هذه التسوية ممكنة، كتسوية إقليمية شاملة، وليست بالضرورة اتفاق سلام رسمياً بين الجانب الفلسطيني وبين دولة الاحتلال. أما في حال تعذر ذلك فإن الجنرال يقترح عملياً مواصلة سياسة الوضع القائم مع تعزيز الكتل الاستيطانية الموجودة، والقدس المحتلة الموحدة عاصمة لإسرائيل، والاحتفاظ بغور الأردن والسيطرة الأمنية الكاملة لإسرائيل على كامل "أرض إسرائيل"، مع الاحتفاظ بهضبة الجولان السورية.

ويعني خيار غانتس، تعزيز الكتل الاستيطانية والاحتفاظ بغور الأردن، تبنياً رسمياً (في حال نجح فعلاً في الوصول لرئاسة الحكومة)، للمرة الأولى، لخطة يغئال ألون التاريخية لتسوية النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، بما يحفظ المصالح الأمنية الإسرائيلية. ويعود مسمى خطة ألون إلى الخطة التي قدمها بعد شهر ونصف الشهر من حرب يونيو/ حزيران عام 1967، وزير العمل في حكومة الاحتلال، يغئال ألون، لرئيس الحكومة آنذاك أشكول ليفي لاعتمادها كخطة إسرائيلية رسمية لمفاوضات مقبلة مع الأطراف العربية، ولضمان حرية مناورة أكبر لإسرائيل، من خلال المبادرة لطرح الخطة بدلاً من إملاء حل دولي على إسرائيل يلزمها بانسحاب كامل من الأراضي التي احتلتها. ونصت خطة ألون على الأسس الآتية: نهر الأردن هو الحد الشرقي لدولة إسرائيل حتى البحر الميت حيث تمر الحدود الدولية في خط المنتصف للبحر الميت، ثم على طول الحدود الانتدابية لفلسطين في منطقة وادي العربة، مع استثناء شريط ضيق في منطقة أريحا، تنسحب منه إسرائيل لإبقاء تواصل جغرافي بين الأردن وبين الضفة الغربية، وشق شبكة طرق في السفوح الشرقية لجبل الضفة الغربية تمكن الإسرائيليين من التنقل باتجاه الجنوب شرقي الضفة الغربية وصولاً إلى القدس المحتلة والشطر الغربي من البحر الميت. وتعاد غالبية الأراضي في الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء إلى الطرف العربي، باستثناء ضم منطقة الأغوار والسفوح الشرقية لجبال الضفة الغربية غير المكتظة بالسكان، على أن تصل الحدود حتى مدينة الخليل، مع احتفاظ إسرائيل بمناطق أخرى ذات أهمية أمنية، مثل الجبال في محيط القدس، ومنطقة غوش عتصيون وجبال رام الله وشرقي القدس وجنوب قطاع غزة وسيناء.


وشكلت هذه الخريطة عملياً أساساً لإطلاق حركة الاستيطان الإسرائيلي في عهد حكومات "العمل"، إذ تمت إقامة أكثر من 70 مستوطنة شكّلت النواة للكتل الاستيطانية القائمة اليوم، والتي تم الاعتراف بها في مراحل مختلفة من المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بعد اتفاق أوسلو، ككتل سيتم ضمها لإسرائيل مقابل تبادل أراضٍ توازي مساحة هذه الكتل. أما سياسياً فاقترحت الخطة منح الفلسطينيين في الضفة والقطاع خيار إقامة كيان فلسطيني ما، أو الانضواء تحت لواء المملكة الأردنية الهاشمية، وهو ما شكل لاحقاً أساساً لسلسلة مفاوضات مع الأردن في عهد الملك حسين، وعرفت عادة بالخيار الأردني، ووصلت في مراحل متطورة، كما في اتفاق لندن بين شمعون بيريز والملك حسين، إلى ما عرف باسم خطة التقاسم الوظيفي والإداري. ومع أن الخطة لم تقبل رسمياً ورفضتها حكومة أشكول ليفي، ومن ثم حكومة غولدا مئير، فحكومة إسحاق رابين الأولى، إلا أنها شكلت على أرض الواقع دليلاً للاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية، وتحديد المواقع التي ينبغي الاستيطان فيها تحت لواء "المصالح الأمنية" من جهة، والمناطق قليلة الاكتظاظ السكاني الفلسطيني، بما يضمن شريطاً استيطانياً لا يشكل مشكلة ديمغرافية في حالة ضمه إلى إسرائيل. وبالرغم من أن حزب "الليكود" أطلق العنان لحركة الاستيطان، بعد صعوده للحكم في عام 1977، في أول انقلاب سياسي في إسرائيل، إلا أنه حافظ إلى حد ما على تكثيف الاستيطان "الرسمي والمعترف به" في حدود المناطق التي حددتها خطة ألون، إلى أن أطلق آرييل شارون، عندما كان وزيراً للبنى التحتية في حكومة بنيامين نتنياهو الأولى، بين 1996 و1999، دعوته لشبان المستوطنين (ما بات يعرف اليوم بفتية التلال) بعيد اتفاق الخليل، بالانطلاق لاحتلال واستيطان قمم الجبال والتلال غير المأهولة في الضفة الغربية وإقامة البؤر الاستيطانية عليها.

وخلال "الفترة الذهبية" الأولى التي أعقبت إعلان اتفاق أوسلو، فقد حافظت حكومة إسحاق رابين على استمرار الحركة الاستيطانية وفق الخريطة التي اقترحها يغئال ألون، وسرعت من وتيرة الاستيطان، بما زاد عدد المستوطنين خلال سنوات قليلة من نحو 40 ألف مستوطن عشية أوسلو إلى ما يزيد عن 150 ألف مستوطن. وقد كرر رابين مراراً موقفه الرافض للانسحاب من الضفة الغربية كاملة، وأصر على الحديث عن "كيان فلسطيني" دون الدولة، مع تأكيد أهمية "الاستيطان الزراعي في غور الأردن". ومع عودة نتنياهو للحكومة، في ولايته الثانية في عام 2009، وبعد خطاب بار إيلان، ظلت خطة ألون الخريطة الأكثر قبولاً في أروقة الحكم في إسرائيل. وجرى الحديث عن خطة "ألون معدلة"، مع إضافة شرط عدم القبول بأي قوات عسكرية غير القوات الإسرائيلية بين نهر الأردن وبين إسرائيل.

ويمكن القول إن خطة غانتس لا تخرج عن إطار خطة يغئال ألون الأصلية، مع تعديلات طفيفة بفعل ما تم فرضه على الأرض. وهذا الطرح متأثر عملياً من كون الخطة عكست لسنوات طويلة، رغم عدم تبنيها رسمياً، الاستراتيجية الإسرائيلية على محك الممارسة الفعلية (حتى خلال المداولات والتقديرات العسكرية المختلفة في هيئة الأركان العامة للجيش). وقد حظيت هذه الاستراتيجية بشكل عام بقبول إسرائيلي واسع لمبادئها وعناصرها الخاصة بالسيطرة على أكبر ما يمكن من مساحات الأراضي الخالية من الفلسطينيين. وقد يكون اعتماد بني غانتس لمبادئها الواسعة نتاج التربية العسكرية له، وانخراطه في الجيش طيلة حياته، بعيداً عن الطروحات والتبدلات التي شهدتها الحياة الحزبية والسياسية في إسرائيل، من إطلاق تعبير "المناطق المدارة" على الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل في حرب يونيو، مروراً بمرحلة سن قانون فرض القانون الإسرائيلي على هضبة الجولان السوري المحتل، بموازاة وقف استخدام تعبير "المناطق المدارة" بعد صعود مناحيم بيغن للحكم في عام 1977 واستبداله بالتعبير الرسمي المعتمد في دولة الاحتلال ووسائل إعلامها اليوم "يهودا والسامرة".

المساهمون