كثّفت الدبلوماسية التونسية من حراكها بهدف كسب أكبر قدر من الضمانات والتأييد للالتحاق بمجلس الأمن بعضوية غير دائمة، بين 2020 و2021، بعدما حشدت دعم المجموعة العربية والأفريقية وعدد من الدول الصديقة. وتواصل الدبلوماسية التونسية حراكها واتصالاتها بالدول المؤثرة والمجموعات الإقليمية لضمان أكبر قدر من الأصوات، خلال التصويت في يونيو/ حزيران المقبل، حيث تشارك 193 دولة في عملية التصويت، فيما تترشح تونس لنيل مقعد من بين خمس مقاعد مخصصة لمجموعة الإقليم الجغرافي لدول القارتين الأفريقية والآسيوية.
وأتم وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي جولته في الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية وعربية وأفريقية، وكان ملف ترشح تونس أبرز نقاط البحث فيها. وأكدت وزارة الخارجية التونسية أن هذه اللقاءات تمثل "مناسبة للتعريف بأولويات تونس خلال فترة عضويتها في مجلس الأمن الدولي، وتأكيد حرصها على خدمة القضايا العربية والأفريقية والدولية الراهنة". كما تهدف هذه التحركات، وفق بيان الخارجية، إلى "تمتين علاقات تونس مع مختلف الشركاء لتعزيز السلام ومنع نشوب النزاعات والمساهمة في التسوية السلمية للنزاعات"، بالإضافة إلى "تعزيز التنسيق لمكافحة الإرهاب، ومجابهة التحديات الناجمة عن تغير المناخ والتهديدات السيبرانية".
وتنقل الجهيناوي بين عواصم أوروبية وعربية وأفريقية حاملاً ملف دعم تونس، وحتى أنه توجه، خلال مايو/ أيار الحالي، نحو أميركا الجنوبية لحشد الدعم والمساندة، في زيارة هي الأولى من نوعها للدبلوماسية التونسية إلى الأرجنتين والأوروغواي. وعقد الجهيناوي، في العاصمة النرويجية أوسلو، الثلاثاء الماضي، جلسة عمل مع وزيرة خارجية النرويج آنا آريكسن سوريدا، تطرقت إلى التنسيق الدبلوماسي المشترك بين البلدين في أفق ترشح تونس والنرويج للعضوية غير الدائمة في مجلس الأمن. وأكد الجانبان على أهمية العمل على تعزيز التعددية والسلام والاستقرار الدوليين، ومكافحة الإرهاب والتسوية السلمية للنزاعات الدولية.
وتشير المعطيات إلى أن تونس هي المرشح الوحيد لهذه المجموعة، بعد أن كانت الكويت مرشحاً توافقياً للدورة السابقة. غير أن القيادة الدبلوماسية التونسية تبحث عن تحصيل أكبر عدد من الأصوات، ما يكسبها شرعية أوسع وإجماعاً أكبر سيمكنها من تمرير برامجها ورسائلها المنتظرة. وقال الخبير في الشؤون الدبلوماسية عبد الله العبيدي، لـ"العربي الجديد"، إن حظوظ تونس كبيرة في بلوغ العضوية غير الدائمة بمجلس الأمن للفترة المقبلة، بعد أن نجحت الدبلوماسية التونسية في نيل مساندة ودعم المجموعتين الأفريقية والعربية، وعدد من الدول المحورية ودائمة العضوية في مجلس الأمن. ولفت العبيدي إلى أن "مواقف تونس الخارجية متزنة ومعتدلة وتحظى باحترام الجميع، كما تتمتع الدبلوماسية التونسية بسمعة طيبة في محيطها الأفريقي والعربي والدولي"، مؤكداً أن تونس تقترب بعد 20 سنة من الفوز مرة أخرى بمقعد غير دائم في مجلس الأمن 2020-2021. وبين أن هذه هي المرة الرابعة التي ستجلس فيها تونس في مجلس الأمن كعضو غير دائم في مجلس الأمن، مشيراً إلى أنه رغم الضمانات في صعود تونس إلى هذا المقعد فإن حشد الأصوات، التي ستحصل عليها من الأعضاء الـ193 في المنظمة، سيكون مقياساً مهماً في هذا المجال.
واستثمر الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي جيداً احتضان تونس الدورة الحادية والثلاثين للقمة العربية ليحصل من رؤساء الدول الحاضرين على دعم تونس لعضوية مجلس الأمن. كما استغل السبسي حضور ممثلي الاتحاد الأفريقي وجولته الأوروبية والأفريقية وزياراته ولقاءاته للترويج لتونس وبرنامجها. كما لم يفوت السبسي، بحسب ما أكدته مصادر من الرئاسة، الترويج للتصويت لتونس خلال إعداده لاحتضان تونس القمة الفرنكوفونية أواخر العام 2020 من خلال حشد الدول الفرنكوفونية، التي ستكون في ضيافة تونس، للتصويت لها في مجلس الأمن. ويرى مراقبون أن السبسي يعول كثيراً على انتخاب تونس في مجلس الأمن، مشيرين إلى أنه بعد نجاح تنظيم القمة العربية نهاية مارس/ آذار الماضي والاستعدادات للقمة الفرنكوفونية المقبلة، يريد السبسي أن يختم ولايته بمنجزات دبلوماسية تحسب له وتضاف لرصيده السياسي، فعلاوة على حراكه الشخصي واتصالاته الثنائية فإن سفراء تونس لدى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لم يفوتوا مناسبة لتحصيل المساندة والدعم.
ولم يقف الحشد الدبلوماسي عند وزارة الخارجية التي يقود سفينتها الرئيس بمساعدة وزير الخارجية، لتتجند الدبلوماسية البرلمانية نحو الجهود نفسها، إذ سافر رئيس البرلمان محمد الناصر إلى الكويت للتنسيق والحصول على ضمانات بأن تخلف تونس الكويت في هذا المقعد. ولم تخل مقابلة الناصر مع أمير دولة الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح ووزير خارجيتها صباح الخالد الحمد الصباح من طرح ملف عضوية تونس. وأكدت رئاسة البرلمان أن "الكويت تعهدت بدعم تونس في محيطها الإقليمي، عربياً وآسيوياً، نظراً لسمعتها الجيدة وعلاقاتها المتينة بمختلف الأطراف".
وقال الجهيناوي، في تصريحات صحافية، إن "عضوية تونس في مجلس الأمن الدولي تعد فرصة لتكريس عودتها القوية إلى الساحة الدولية، وتحدياً مهماً يستوجب تضافر كافة الجهود الوطنية لإنجاحه لتأكيد المكانة المرموقة والاحترام الكبير الذي تحظى به تونس على الساحة الدولية". وأشار إلى أن "تونس ستسعى إلى أن تكون صوتاً للاعتدال والحكمة في مجلس الأمن. كما ستعمل على تقديم مقاربات مبتكرة وبنّاءة لتذليل الخلافات وتقريب وجهات النظر والدفع نحو التوافق". وأضاف أن "تونس ستولي اهتماماً خاصاً لمعالجة القضايا الأفريقية والعربية الراهنة، وستحرص على تعزيز التنسيق والتعاون مع الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية ومع الأعضاء الفاعلين في المجلس". وأشار إلى أن "تونس ستهتم في مجلس الأمن بتعزيز جهود الوساطة وتفعيل الدبلوماسية الوقائية لمنع الصراعات وتوطيد السلام المستدام، ودعم جهود وبرامج مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف". وشدد على أن "السياسة الخارجية تأسست على عدم التفريط بالسيادة الوطنية واستقلالية القرار الوطني والالتزام بقواعد الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والتمسك بالشرعية الدولية والالتزام بها واحترام مقرراتها ومقتضياتها. كما تستند سياسة تونس الخارجية إلى التعلق بالسلم وتغليب الحوار والتفاوض والوسائل السلمية لفض النزاعات والخلافات والمساهمة في كافة الجهود الدولية، بما يخدم السلم والأمن والاستقرار والتنمية والنهوض بحقوق الإنسان والتعاون الدولي ونصرة القضايا العادلة".