كورونا يخلخل مركزية القرار في فرنسا: مسؤولون محليون "يتمردون" على الحكومة

24 مارس 2020
مسؤولون محليون يعتبرون قرارات الحكومة "غير كافية"(مارتن بورو/فرانس برس)
+ الخط -
تُعرف فرنسا بأنها من أكثر بلدان أوروبا الغربية مركزيةً لناحية القرار السياسي والاقتصادي، بخلاف ألمانيا مثلاً، حيث النظام الفيدرالي يتيح للولايات استقلالية وصلاحيات واسعة، فيما لا تملك المناطق والمدن الفرنسية إلا هامشاً ضئيلاً من السلطة، بل تنفّذ الخطط والتوجيهات التي يجري اتخاذها في أروقة الحكم في باريس.

لكن وباء كورونا، الذي يعصف بالبلد، بدأ يفرض تغيّراً، مؤقتاً على الأقل، على النحو الذي تسير فيه الأمور. ففي وجه خيارات حكومية يراها كثير من المسؤولين المحليين "غير كافية" للحدّ من الوباء، يذهب عدد متزايد من هؤلاء إلى اتخاذ قرارات خاصة بمناطقهم، لا تتناغم تماماً مع قرارات الحكومة.

في السياق، ارتفع عدد المدن والبلدات الفرنسية التي تفرض حظر تجوّل على أراضيها إلى نحو 40، حتى مساء أمس الإثنين، في وقت تصرّ فيه الحكومة على سياستها بفرض "عزل"، دون الذهاب إلى حظر التجول.

ورغم أن العزل الذي تعيشه البلاد منذ الثلاثاء يشمل منعاً للتجول يتضمن بعض الاستثناءات فقط، إلا أن كثيراً من الفرنسيين لا يظهرون التزاماً تاماً بهذه التعليمات. وقد تجاوز عدد المخالفات التي سجلها عناصر الأمن حتى يوم الأحد الماضي الـ90 ألف مخالفة، في حين شهد أمس، الاثنين، وحده، أكثر من 23 ألف مخالفة.

ويبرر المسؤولون المحليون قراراتهم بفرض حظر التجول (الذي يمتد غالباً بين الثامنة أو التاسعة مساء والخامسة صباحاً)، بضرورة حماية السكان في مناطقهم، وردع المستخفين بقرار العزل، الذين لا يضرون بأنفسهم فحسب، بل بالسلامة العامة.

وتعدّ مريم دركاوي (من الحزب الشيوعي الفرنسي)، وهي عمدة مدينة أوبرفيلييه الواقعة في شمال باريس، إحدى آخر المسؤولين المحليين لجوءاً إلى اتخاذ قرار كهذا، حيث أعلنت، مساء أمس الإثنين، أن حظراً للتجول (بين الساعة الثامنة مساء والخامسة صباحاً) سيدخل حيز التنفيذ بدءاً من اليوم، الثلاثاء، في مدينتها.

وقالت دركاوي إنها اتخذت قرارها بسبب الخروقات الملحوظة وعدم احترام تعليمات السلامة، حيث "يقوم بعض الأشخاص بالتجمع في الأماكن العامة، وفي باحات المباني وفي الأسواق أو في الحدائق المغلقة، والتي نوصي الناس بعدم التوجه إليها".

ورغم أنه لا يمضي يوم إلا ويخرج فيه أحد وجوه الحكومة لإعلان تشديدات في تعليمات العزل أو لشرحها، إلا أن السلطة لا تبدو متوجهة للتخلي عن هذه السياسة، مع رفضها لفكرة حظر التجول أو فرض "عزل تام ومطلق" في كل أنحاء البلاد، وهو ما طالبت به نقابات للمشتغلين في القطاع الصحي.

ولا يتوقف الاختلاف بين خيارات الحكومة وخيارات بعض المسؤولين المحليين هنا؛ إذ اضطرت الأزمة الصحية وقلة الإمكانيات التي توفرها الحكومة لمواجهة هذه الأزمة ستةً من رؤساء المناطق الفرنسية إلى التقدم بطلبات شراء 40 مليون كمامة من أجل سد النقص في مناطقهم.

ويبدو هؤلاء المسؤولون وكأنهم يحاولون الاعتماد على أنفسهم، ولو جزئياً، للحدّ من الوباء في مناطقهم، في وقت لا تصل فيه بعض إمدادات الحكومة من الكمامات إلا متأخرة أو دون العدد والجودة المطلوبين.

كما توصل رئيس منطقة الشرق الكبير الإدارية، جان روتنر، إلى اتفاق خاص مع السلطات المجاورة في ألمانيا وسويسرا ولوكسمبورغ، لاستقبال عدد من مرضى المنطقة في مسعى لتخفيف الضغط عن مستشفياتها المملوءة بمصابي كورونا، وهو حلّ لا يبدو أن لباريس تدخلاً فيه.

وفي مؤشر آخر على الهوة بين منظور الحكومة ومنظور الفاعلين المحليين، أعلن مدير قسم الأمراض الجرثومية في المعهد الطبي الجامعي المتوسطي في مرسيليا، البروفسور ديدييه راوولت، أن مؤسسته لن تنتظر نتائج الاختبارات التي كلفت الحكومة بإجرائها للتأكد من فعالية مادة الكلوروكين ضد الإصابة بفيروس كورونا، مؤكداً أن المستشفى يقترح منذ الآن العلاج بالكلوروكين الممزوج بالأزيتروميسين لكل مرضاه المصابين بكورونا.

ورغم تحذيرات الحكومة ودعوتها إلى التريّث، شاءت هذه المؤسسة الصحية تعميم العلاج المذكور بعد قيامها بتجربة على نحو 20 مريضاً أظهرت، كما يقول البروفسور راوولت، نجاعة لهذا الدواء المستخدم لمكافحة الملاريا في مكافحة الإصابة بكورونا.

كما يقوم هذا المستشفى بإجراء فحوصات لأعداد كبيرة من المرضى، في وقت ترفض الحكومة اللجوء إلى هذه السياسة، ما يجلب لها انتقادات كثيرة، وخصوصاً أن سياسة فحص أعداد كبيرة من المصابين وغير المصابين أدت إلى السيطرة على الوباء في بلد مثل كوريا الجنوبية.

ويقول البروفسور راوولت، الذي يعد رغم معارضته لخيار الحكومة واحداً من أعضاء المجلس العلمي الذي شكلته الحكومة لنصحها في القرارات الخاصة بأزمة كورونا، إنه من "غير الأخلاقي" انتظار نتائج الاختبارات، أو انتظار الحصول على دواء مرخص له، في وقت تستدعي فيه حالة المرضى تدخلاً سريعاً.​

دلالات