رئاسيات تونس 2019: اكتمال ترشح رموز الصف الأول

10 اغسطس 2019
يروّج الشاهد لرغبته بالقطع مع المنظومة القديمة (حسنى/فرانس برس)
+ الخط -
أقفل أمس الجمعة باب الترشح للانتخابات الرئاسية المبكرة في تونس، والمقررة في 15 سبتمبر/ أيلول المقبل، ليفتح الباب أمام معركة يُتوقع أن تكون حامية لخلافة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، في ظل منافسة بين عشرات الشخصيات، بينهم مستقلون كثيرون، وهو ما اعتُبر أحد مظاهر دمقرطة الممارسة السياسية في البلاد، التي أصبحت متاحة للجميع، في حين اعتبر آخرون أن بعض الترشيحات غير الجدية من الممكن أن تضر بصورة الانتخابات ومنصب الرئاسة. وتتميّز الانتخابات الرئاسية المبكرة التي تستعد لها تونس، بترشح رئيس سابق هو منصف المرزوقي، وثلاثة رؤساء حكومات هم رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد، ورئيسا الحكومة السابقان مهدي جمعة وحمادي الجبالي، ونائب رئيس البرلمان عبد الفتاح مورو، ووزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي، بالإضافة إلى رئيس المجلس التأسيسي السابق مصطفى بن جعفر، ومديرة الديوان الرئاسي السابقة سلمى اللومي، ما يعكس صراعاً جلياً بين ممثلي أجهزة ومؤسسات الدولة حول هذا المنصب.

وتقدّم أيضاً عدد من الشخصيات الحزبية الهامّة ومستقلون لهذا السباق، أبرزهم رئيس حزب "قلب تونس" نبيل القروي، الذي كانت تشير التوقعات إلى تقدّمه في المراتب الأولى، ورئيسة "الحزب الدستوري الحر" عبير موسي، ومحمد عبّو عن "التيار الديمقراطي"، وحمة الهمامي ومنجي الرحوي عن التيار اليساري، ومحسن مرزوق عن حزب "مشروع تونس". وفيما تمكن المواطن المستقل محمد الصغير النوري من جمع نحو 15 ألف تزكية شعبية، وجد أحمد نجيب الشابي، أحد أبرز الوجوه السياسية، وأستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد، الذي حضر دائماً في مقدمة استطلاعات الآراء، صعوبة كبيرة في الحصول على التزكيات.

وكان المرزوقي قد حذّر في تصريح لـ"العربي الجديد" من استطلاعات الرأي، لأنها "تدخل في إطار الحرب النفسية"، داعياً المواطن التونسي لـ"بناء خياره على أسس التجربة والخبرة والأخلاق، وهي مقاييس معروفة"، واصفاً الانتخابات المقبلة بـ"المفصلية"، لأنها "ستبني مستقبل تونس لسنوات".

واعتبر المرزوقي، في كلمة بمناسبة تقديم ترشيحه لهيئة الانتخابات، أن أبرز منافس له في هذا الاستحقاق سيكون "المال الفاسد"، معتبراً أنه "خطر يهدد التجربة الديمقراطية في تونس ويخشى أن يؤدي دوره في الانتخابات المقبلة"، وأنه "لا خيار لتونس سوى انتصار الديمقراطية على المال الفاسد"، الذي "أدى دوره في انتخابات 2014، ولا مجال لانتصاره مجدداً". وشدد على أن الشعب التونسي "هو الذي سيقرر من يصل إلى الدور النهائي، وهو الذي سيختار من يمثله".

أما رئيس الحكومة يوسف الشاهد، فافتتح ترشحه بتوجيه رسائل مباشرة إلى حركة "النهضة"، في محاولة لبداية فك الارتباط والتمايز عن تحالفه عنها. وقال الشاهد لدى ترشيحه من قبل حزبه: "قالوا إني عقدت صفقة مع النهضة حتى أبقى في الحكومة... وأنا اليوم رئيس حكومة، وترشحت للانتخابات الرئاسية. سبق ودعوني (النهضة) إلى الاستقالة إذا أردت البقاء في الحكومة، وأنا في رئاسة الحكومة ومرشح لرئاسة الجمهورية بفضلكم". وشدّد الشاهد على أنه ليس "العصفور النادر للنهضة"، بل "مرشح الصف الديمقراطي والتقدمي"، وأن حكومته تعرضت لـ"ضرب تحت الطاولة"، مؤكداً أن الماكينة الاقتصادية تحركت، وأن تونس تجنّبت السيناريو الأسوأ، وأنه هو من أوصلها إلى "بر الأمان"، مضيفاً أن حكومته قامت بالعديد من الإنجازات.

وفي تصريح لـ"العربي الجديد" أمس الجمعة لدى تقديم ترشحه رسمياً، رأى الشاهد ردّاً على دعوات استقالته، أن من يطالب بالاستقالة يريد الفراغ لتونس وللحكومة، لأن استقالته تعني استقالة الحكومة في ظرف تعاني فيه البلاد من الإرهاب، ومن ظروف دقيقة إلى جانب العودة المدرسية التي تقف على الأبواب، ومن ثم فإن الاستقالة برأيه هي هرب من المسؤولية. وقال الشاهد إن الترشح مسؤولية يدرك معناها وحجمها، وهو تحملها منذ ثلاث سنوات، مشدداً على أن رئيس الجمهورية هو الضامن للدستور وللانتقال الديمقراطي في تونس، وعليه أن يكون نظيفاً، وأن يتخذ القرارات الصعبة في الوقت المناسب. وبيّن رئيس الحكومة أنه ينبغي على رئيس الجمهورية أن يمنح الأمل للتونسيين، وأنه بترشحه يريد وضع قطيعة مع المنظومة القديمة التي تكبّل البلاد وكذلك القوانين المعطلة، مؤكداً معاناته شخصياً من بعض التصرفات والممارسات.

وعبّر الشاهد عن رغبته من وراء الترشح بمنح الأمل للشباب، لما يتميز به من قدرة على قيادة البلاد، متحدثاً عن إمكانية أن تكون تونس دولة عادلة ومحترمة في الخارج والداخل. كما تحدث عن الرغبة في "بناء صفحة جديدة لتونس، ومشروع وطني قائم على المصالحة الشاملة والبناء"، معتبراً أن "فئة كبيرة من التونسيين غير معنية بالحياة السياسية"، وسيعمل هو على إشراكها فيها، لإيمانه بأهمية بالشباب.

وبدأ الشاهد بالتشديد على حصيلة حكومته التي يعتبرها إيجابية، كما بدأ الدعوة للقطيعة مع المنظومة القديمة التي تكبّل البلاد، التي هو جزء منها في الواقع. أما عن التنصل من علاقته مع "النهضة" لأنه مرشح الصف الديمقراطي، فالحقيقة أنه تحالف معها لثلاث سنوات، ويؤكد أنه لم يستجب لدعوات "النهضة" للاستقالة إذا كان يرغب في البقاء في الحكومة، بينما كان أكد عند إعلان هذه الشروط، أن ليس لديه نوايا في الترشح لرئاسة الجمهورية.

وسيكون على الشاهد البحث عن خطاب أكثر إقناعاً خلال السباق، وخصوصاً أنه يملك مقومات قد لا تتوفر في غيره من المرشحين، لأن منافسيه لن يتركوا شيئاً من هذه التفاصيل، وتحديداً ما يتعلق بحصيلة حكومته وعلاقته بالرئيس الراحل الباجي قائد السبسي وشراكته مع "النهضة".

وسيكون الشاهد في قلب هذا الصراع الانتخابي، ومعه منظومة الحكم التي حكمت خلال السنوات الخمس الماضية، إذ سيحاول القادمون للسباق من الخلف طرح أنفسهم كبدائل عن وجوهها، بسبب حصيلتها المتواضعة اقتصادياً واجتماعياً، تماماً كما الانتخابات التشريعية التي ستقوم على انتقاد إخفاق البرلمان في استكمال المؤسسات الدستورية، وفي الصورة التي خرجت عنه، بسبب الخلافات التي تجاوزت كل الحدود بين نوابه. أما أبرز القادمين من الخلف، فسيكون نظرياً نبيل القروي، إذا صدقت أرقام الاستطلاعات، ورئيس الحكومة الأسبق مهدي جمعة، وعبد الكريم الزبيدي.

ويُصرّ الزبيدي (69 عاماً) على أنه يتقدم للسباق الرئاسي المبكر بصفته مستقلاً عن جميع الأحزاب، بالرغم من الدعم المعلن من حزبي "نداء تونس" و"آفاق تونس"، وهو اختار الاستقالة من منصبه الوزاري لتكون "المنافسة مع بقية المرشحين نزيهة، وفي كنف الشفافية"، على حد تعبيره، إلا أنه تعرض لحملة قوية من جهات قال إن بعضها يستخدم أدوات الدولة، في إشارة تحمل اتهامات واضحة لمنافسه يوسف الشاهد.


ويبدو أن الزبيدي يريد أن يستفيد من حياده الحزبي على مدى السنوات الماضية، ومن قربه من السبسي. وأشار بيان لـ"نداء تونس"، إلى أن الحزب قرر مساندة ترشح الزبيدي لما يحوزه الأخير من "خصال الكفاءة والتجربة والنزاهة والوفاء لنهج الزعيم الراحل".

من جهته، أعلن رئيس مركزية حزب "نداء تونس" حافظ قائد السبسي في تصريح صحافي، أنه تم التشاور مع قيادة "الاتحاد العام التونسي للشغل" حول ترشيح عبد الكريم الزبيدي، من دون أن يؤكد مساندة المنظمة النقابية لترشيح الأخير. ونأى اتحاد الشغل بنفسه عن الانتخابات الرئاسية والتشريعية، بعدما منع قيادات الصف الأول فيه من الترشح، إلا أنه سيكون لموقفه السياسي بالتأكيد تأثير مهم على مجرى السباق.

رغم ذلك، فإن كل هذه التصريحات والتموضعات ستتغير مع نهاية الجولة الأولى من الانتخابات، المقررة في 15 سبتمبر/ أيلول المقبل، وستتضح مع نتائجها حقيقة الاتفاقات المبرمة بين جميع هذه الشخصيات والأحزاب، إذ إن كثراً منها قد لا يكون ترشحها على الأرجح سوى تكتيك لصدّ الطريق أمام بعض المنافسين، استعداداً للمعركة الحقيقية، التي ستكون في الجولة الثانية والتي لم يحدد موعدها بعد.