وتبادر لسكان سيناء أنّ قرار مجلس المحافظة بتفعيل القرار الجمهوري يمثّل فصلاً جديداً في مسلسل التهجير القسري الذي بدأ منذ الانقلاب العسكري صيف عام 2013، وشمل مناطق واسعة أهمها مدن رفح والشيخ زويد والعريش، وشرّد خلاله الجيش آلاف المصريين من سيناء، بعد أن دمّر منازلهم ومزارعهم بشكل كامل. وازداد قلق المواطنين من هذا القرار، لتزامنه مع استضافة العاصمة المصرية القاهرة لجاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره، الذي يقوم بجولة شرق أوسطية جديدة للترويج لخطته لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة إعلامياً بـ"صفقة القرن". والتقى كوشنر خلال جولته ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وملك الأردن عبد الله الثاني، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بالإضافة إلى ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.
في السياق، قال أحد مشايخ سيناء في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ القرار الجديد "يعني مزيداً من تهجير المواطنين، وتجريف المنازل والمراكز الحيوية والمزارع، إذ إنّ طريق العريش-رفح الدولي يخترق المدن الساحلية في محافظة شمال سيناء". ولفت إلى أنه "يتضح أنّ القائمين على الأمر تعمدوا إبقاء التفاصيل مبهمة، فلم يوضحوا إن كان القرار ينطبق على المناطق التي بداخل المدن أم لا، إذ إنّ الطريق الدولي المذكور يمرّ على محمية الزرانيق وبحيرة البردويل ومحاجر الملح بسبيكة والروضة، وحقل نور للغاز الطبيعي الذي يمتد من العريش حتى الشيخ زويد، بالإضافة إلى بساتين الفاكهة والزيتون الممتدة من مدينة رفح وحتى العريش على جانبي الطريق. وبالتالي، فإنّ تنفيذ القرار يعني أن تصبح هذه المشاريع تحت ملكية وزارة الدفاع المصرية، وهذه كارثة بحقّ أصحاب هذه المناطق أو المستفيدين منها، والكارثة الأكبر أن يتجه الجيش لإزالتها كأحد التعديات على الحرم المنوي إنشاؤه".
وأضاف الشيخ القبلي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أنّ تنفيذ القرار يعني كذلك إزالة مئات المنازل في مدينتي الشيخ زويد والعريش، في ظلّ أنّ مدينة رفح تمّ مسحها عن الخارطة بشكل كامل. ويشمل القرار مناطق مركز مدينة الشيخ زويد حيث يخترق الطريق الدولي وسط المدينة، وهي المنطقة التي لا تزال تعيش فيها الكتلة السكانية المتبقية، بعد تهجير الجيش لغالبية سكان جنوب وشرق وغرب المدينة خلال السنوات الماضية، ضمن الحملات العسكرية التي ما زالت مستمرة في تلك المناطق. أما في مدينة العريش، فإنّ القرار يعني إزالة حي المساعيد ومناطق الريسة ومحيطها، ومناطق جنوب شارع أسيوط، ويتجاوزه في بعض المناطق، بالإضافة إلى كل الكافتيريات والاستراحات والشاليهات الساحلية، ويمتد الحرم حتى يصل مسجد النصر وحي أبو صقل وضاحية الجيش، بالإضافة إلى قرى مدينة بئر العبد.
يشار إلى أنّ الجيش المصري نفّذ مشاريع عدة أدّت لتهجير آلاف السكان من سيناء على مدار السنوات الست الماضية، ومن ضمن هذه المشاريع، المنطقة العازلة في مدينة رفح على طول الحدود مع قطاع غزة، وذلك في أكتوبر/ تشرين الأول 2014، حيث تمدّدت المنطقة العازلة حتى أجهزت على مناطق رفح كافة، وباتت المدينة جزءاً من الماضي. من ثمّ اتجه الجيش إلى تهجير سكان قرى جنوب وشرق مدينة الشيخ زويد، فيما أعلن عن إنشاء حرم مطار العريش ليزيل عشرات المنازل والمصانع ويجرف الأراضي الزراعية. وفي مرحلة لاحقة، أعلن عن إنشاء حرم ميناء العريش، الذي من المفترض أن يهجّر مئات السكان بعد تجريف منازلهم وشاليهاتهم على الطريق الساحلي، لتصبح غالبية مدن محافظة شمال سيناء خالية من السكان، ومناطق عسكرية تتبع الجيش المصري بشكل مباشر.
وفي تعقيب على ذلك، قال الناشط السيناوي أشرف أيوب، عبر صحفته بموقع "فيسبوك"، إنّ "هناك غموضاً في توقيت القرار، والصيغة التي تلاه بها المحافظ في المجلس، حيث لم يقل غير أنّ المحافظة ستبدأ التنفيذ على مرحلتين؛ الأولى إزالة الأسوار والثانية المنازل، وترك المجال لكل مَن هب ودب يدلو بدلوه، دفاعاً أو مظلومية، فيما السؤال الأهم هو: هل طريق العريش-رفح طريق صحراوي خالٍ من السكان وسبل الحياة؛ صيد، زراعة، سياحة، اصطياف؟ وهل قرار المجلس التنفيذي عسكري أم مدني، أي المجلس التنفيذي ينوب عن وزارة الدفاع؟".
وينتهج الجيش المصري سياسات قاسية في التعامل مع سكان سيناء في الملفات كافة، كإدخال البضائع والمحروقات والأدوية والأغذية، والتي جميعها تحتاج إلى تنسيق أمني كي تتمكن من الوصول لمدن سيناء، خصوصاً العريش والشيخ زويد. يضاف إلى ذلك أنّه يضيّق على حركة السكان في التنقل داخل مدن المحافظة، ومنها إلى خارجها، عدا عن سياسات الاعتقال العشوائي والمداهمات وحوادث إطلاق النار العشوائي التي وقع ضحيتها عشرات المواطنين على مدار السنوات الماضية، فيما لم تفلح كل حملات الجيش في القضاء على تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لتنظيم "داعش" الإرهابي، الذي لا يزال ينفّذ هجماته ضدّ قوات الأمن على الرغم من كل حالة الاستنفار الأمني القائمة منذ سنوات.