اتفاق منبج يدخل حيّز التنفيذ... والنظام يواصل الحشد جنوباً

19 يونيو 2018
آليات تابعة للقوات الأميركية بمنبج في أبريل الماضي(فرانس برس)
+ الخط -
اكتمل اتفاق إخراج المقاتلين الأكراد من غرب الفرات في الشمال السوري، مع إعلان تركيا، أمس الاثنين، عن بدء تسيير جيشها، إلى جانب الجيش الأميركي، دوريات في منطقة منبج في ريف حلب، شمالي شرقي البلاد، تمهيداً لطرد وحدات حماية الشعب الكردية من المدينة، في أوّل تطبيق فعلي لاتفاق 4 يونيو/ حزيران الذي توصّلت إليه كل من أنقرة وواشنطن وتم توقيعه خلال لقاء بين وزيري خارجية البلدين، مايك بومبيو ومولود جاووش أوغلو. وبينما بدأ تطبيق "خارطة الطريق" الأميركية التركية في الشمال، لا يزال الترقّب سيّد الموقف في الجنوب السوري، حيث يواصل النظام حشد قواته في المنطقة، في مؤشر على اقتراب المعركة هناك، في حال لم تتوصّل الاجتماعات الدبلوماسية بين الدول المعنية إلى اتفاقات حول المنطقة.

وبدأ الجيشان التركي والأميركي، أمس الإثنين، تسيير دوريات مستقلة على طول الخط الواقع بين منطقة "عملية درع الفرات" ومدينة منبج، شمالي سورية، بحسب ما ذكرت القوات المسلحة التركية، في تغريدة عبر حسابها على موقع "تويتر"، مضيفةً أنّ تسيير هذه الدوريات يأتي "التزاماً بالمبادئ الأمنية وخريطة الطريق التي جرى الاتفاق عليها بين الجانبين التركي والأميركي حول منبج".

وأكّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال كلمة ألقاها أمام حشد جماهيري في ولاية صامسون، شمالي تركيا، هذا الأمر، وكذلك رئيس الوزراء بن علي يلدريم، الذي قال متحدثاً للصحافيين في إقليم أنطاليا: "جنودنا بدأوا اليوم مهمتهم في منبج، حيث يعملون مع الأميركيين من أجل تطهير تلك المنطقة من العناصر الإرهابية".

بدوره، أوضح وزير الخارجية، مولود جاووش أوغلو، أنّ الجنود الأتراك "سيدخلون منبج خطوة بخطوة. وخلال هذه المرحلة سيتم إخراج عناصر وحدات حماية الشعب الكردية من المدينة". وأضاف "سيجري تطهير منبج من وحدات حماية الشعب الكردية ومتشددي حزب العمال الكردستاني بأسرع وقت ممكن".

من جهة أخرى، لا يزال الجنوب السوري على صفيح ساخن، إذ في حين يجري حراك دبلوماسي مكوكي، بين روسيا والأردن وأميركا وإسرائيل، يستغلّ النظام الوقت ويحشد قواته ومليشياته هناك، بدعم من الروس، حتى أنه أرسل ذراعه العسكري، سهيل الحسن، إلى الخطوط الأمامية في درعا، كورقة ضغط إضافية، للتأثير على ما ستفضي إليه المباحثات حول الجنوب، وللقول إنّ النظام بات جاهزاً للبدء بعملية عسكرية كبيرة في حال تعثّرت المباحثات.

ولا يبدو إلى اليوم أنّ هناك اتفاقاً منجزاً بما يخصّ الجنوب السوري، بين روسيا وأميركا وإسرائيل والأردن، ما يترك الباب مفتوحاً أمام التسريبات المتضاربة في بعض الأحيان، في حين يبدو أنّ الاتصالات لا تزال مستمرّة على الرغم من معلومات تقول إن المفاوضات تمرّ بنوع من الاستعصاء، إن لم يكن فشل، ما يجعل القوات العسكرية كافة على الأرض، سواء التابعة للنظام أو للمعارضة، ترفع من صوت طبول الحرب.


وتلعب الأردن دوراً في المباحثات بين الروس والأميركيين والإسرائيليين، خصوصاً أنّها من الأطراف الإقليمية المعنية في المنطقة؛ أولاً لتشاركها الحدود مع جنوبي سورية، وثانياً لوجود معبر نصيب الحدودي، أحد شرايين الأردن الاقتصادية والوحيد مع سورية. وقد أعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، يوم الأحد الماضي، أن بلاده تجري اتصالات مع الولايات المتحدة وروسيا لضمان "عدم تفجّر القتال" جنوبي سورية، مؤكداً التزام الأطراف الثلاثة (واشنطن، عمان وموسكو) بحماية اتفاق خفض التصعيد، وفقاً لبيان صادر عن وزارة الخارجية الأردنية.

كما غرّد الصفدي على حسابه في موقع "تويتر" قائلاً إنه بحث "الجهود المبذولة لإنهاء الأزمة السورية مع المبعوث الأممي الخاص ستيفان دي ميستورا"، مضيفاً "أكدتُ حتمية الحلّ السياسي وضرورة الحفاظ على خفض التصعيد في الجنوب. ندعم جهود المبعوث الأممي ومسار جنيف إطاراً لحل سياسي يحفظ وحدة سورية ويقبله شعبها الشقيق. وقف القتال وحقن الدم السوري أولوية".

إلى ذلك، لم تكن وسائل إعلام النظام وقادته بعيدة عن التصعيد، إذ تدأب منذ أيام على إطلاق التهديدات. وفي هذا الإطار، قالت صحيفة "الوطن" المقربة من النظام، يوم أمس الاثنين: "يبدو أن معركة الجنوب تقترب أكثر فأكثر، لا سيما في الجزء الغربي المتعلّق بدرعا والقنيطرة، باعتبار أن الجزء الشرقي، بريف السويداء، يشهد معارك مستمرة وتقدماً للجيش حالياً، مع رفض الإرهابيين بتحريض من مشغليهم، للمصالحة التي دعاهم إليها الجيش العربي السوري".

ونقلت الصحيفة ذاتها عن مصدر ميداني (من قوات النظام)، لم تذكره، قوله إن "الجيش لن ينتظر كثيراً حتى يقرر الإرهابيون المصالحة أو الحرب"، مضيفاً "يبدو أنهم قرروا الحرب فعلاً عندما قاموا بقتل أعضاء في لجان المصالحة الأسبوع الماضي، ورفضوا دعوات الجيش المستمرة ونداءاته لهم كي يسلموا أنفسهم وسلاحهم على غرار ما حصل في مناطق عديدة أخرى".

وكان رئيس النظام، بشار الأسد، قد أكّد في مقابلة أجراها مع تلفزيون "العالم" الإيراني، يوم الأربعاء الماضي، أن "ما طُرح بعد تحرير الغوطة هو التوجه إلى الجنوب، وكنا أمام خيارين كما هو الحال في كل المناطق الأخرى في سورية، إمّا المصالحة أو التحرير بالقوة".

ويبدو أنّ التواصل الروسي الإسرائيلي زاد خلال الأيام الماضية مع تأزّم الأوضاع في الجنوب السوري، إذ أعلنت "هيئة البث الإسرائيلي"، السبت الماضي، أنّ قائد الشرطة العسكرية الروسية، الجنرال فلاديمير إيفانوفسكي، المسؤول عن مناطق خفض التصعيد في جنوب سورية، يزور إسرائيل حالياً لإجراء محادثات مع ضباط كبار من الجيش الإسرائيلي. وقبلها كان رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قد تحدّث هاتفياً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، حول التطوّرات الإقليمية والأوضاع في سورية ومواصلة التنسيق العسكري في هذا الشأن، بحسب تقارير إعلامية.



ولا تعتبر إسرائيل بعيدة عن أجواء المفاوضات حول الجنوب السوري، إذ ترى نفسها لاعباً أساسياً هناك، حيث تُحترم مصالحها من قبل الروس والأميركيين على حدّ سواء، ويعملان على أن يكون التنسيق معها على أعلى مستوى. ويبدو أن تل أبيب رفعت سقف مطالبها بما يخص شروطها لإنجاز تسوية ما في الجنوب، فبعدما كانت تطالب بمنطقة خالية من المقاتلين الإيرانيين ومليشياتهم بما فيها "حزب الله" اللبناني، باتت اليوم تطالب بأن تكون سورية كلها خالية منهم. وهذا ما أكده وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، يوم الجمعة الماضي، عندما قال، بحسب "المركز الصحافي لوزارة الأمن الإسرائيلية"، إنه "لا توجد قوات إيرانية أو قوات تابعة لحزب الله في جنوب سورية"، وهو ما اعتبره كثير من المحللين بأن إسرائيل رفعت "الفيتو" عن عملية عسكرية للنظام في الجنوب. لكنه أضاف أنّ "المطلب الإسرائيلي في المسألة السورية واضح تماماً، وهو إبعاد حزب الله وإيران بالكامل عن الأراضي السورية".

وكان نتنياهو قد قال في تصريحات سابقة "أولاً، يجب على إيران أن تنسحب من جميع الأراضي السورية. وثانياً، سنعمل ونعمل حالياً ضد المحاولات الإيرانية والمحاولات التي يقوم بها وكلاء إيران للتموضع عسكرياً قرب الحدود الإسرائيلية وداخل العمق السوري".

من جانبه، قال المتحدث الرسمي باسم "جيش الثورة"، أبو بكر الحسن، في حديث مع "العربي الجديد" من درعا، إنّ "الوضع في المنطقة الجنوبية لا يزال على حاله منذ إبرام الاتفاق الثلاثي، الروسي الأردني الأميركي، وتتعرّض المنطقة وبشكل مستمر لسيل من التهديدات بالاجتياح العسكري من قبل الماكينة الإعلامية للنظام وحلفائه"، موضحاً أنّ "المنطقة شهدت في الآونة الأخيرة إعادة انتشار المليشيات الايرانية، والتي تمّ دمجها ضمن جيش النظام، كالتفاف على المطالب الغربية والإسرائيلية من نظام الأسد وحلفائه".

وأضاف الحسن أنّ "قوات الثورة في المنطقة الجنوبية ترصد تحركات هناك تتمثّل بتحريك بعض القطع العسكرية، ورفعنا الجاهزية وأعلنّا أننا جاهزون لردّ عدوان مليشيات الأسد وإيران وأننا مستمرون بتأدية واجبنا بحماية أهلنا المدنيين في المنطقة الجنوبية"، معتبراً أنّ "نظام الأسد مسلوب القرار، فهو لا يملك قرار السلم والحرب، والتحركات تهدف بشكل أساسي للنيل من صمود الشعب، الذي خرج بتظاهرات ترفض الاستسلام تحت مسمى المصالحة".

وذكر الحسن أنه "لم يُعقد أي اجتماع رسمي دولي في الفترة الراهنة يتطرّق للجنوب، وغالباً سيكون هناك اجتماع في الأيام المقبلة"، مضيفاً "لا يوجد لدينا أيّ تخوّف من أيّ تسوية دولية ممكن أن تتعارض مع مصالحنا، لأن الضامن للمنطقة المحررة هي بنادق عشرات الآلاف من أبنائها، ومطالبنا هي مطالب الثورة السورية، وعلى رأسها رحيل بشار الأسد، والانتقال لسورية حرة واحدة لكل أبنائها".

وكان عضو هيئة التفاوض السورية المعارضة، ورئيس المكتب السياسي لـ"جيش اليرموك"، بشار الزعبي، قد قال في تصريح صحافي، إنّ المفاوضات مع المعارضة السورية بشأن درعا والمنطقة الجنوبية لم تبدأ فعلياً، مضيفاً "تواصلنا مع الجانب الأردني وأخبرونا بأنه لا توجد مفاوضات الآن، مؤكدين أنّ المباحثات تأجّلت حتى الأسبوع المقبل، أو نهاية الأسبوع الجاري".


ولفت الزعبي إلى أنّه من الممكن أن تجري اجتماعات تحضيرية بين الدول المعنية، وبعد الاتفاق على رؤية معينة، سيتم التفاوض مع فصائل المعارضة. وقال إن "النظام يكثّف القصف ويجهّز للمعركة، فيما نحن سوف ننتظر حتى اكتمال بلورة العملية السياسية. وفي حال تطوّر التصعيد العسكري في ظلّ التفاهمات السرية، فإنّنا في فصائل المعارضة جاهزون للرد على أي حماقة قد يرتكبها النظامان السوري والإيراني".

من جانبه، قال الضابط السوري سابقاً في قوات النظام، العميد أسعد الزعبي، وهو يتحدر من درعا، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "قضية الجنوب لا يمكن قراءة نهايتها، لأن أطراف الهجوم، روسيا وإيران والنظام، مختلفون في طريقة التعامل مع ملف الجنوب، فكل منهم له هدف. وكذلك على الطرف الآخر، فإن الداعمين للجنوب غير متفقين في طريقة الرد".

وتابع الزعبي الذي ترأّس وفد "الهيئة العليا للمفاوضات" في جنيف سابقاً، أن "غاية النظام استعادة المنطقة لزيادة ورقة التفاوض، وروسيا تريد تنفيذ رغبة الأردن في ما يتعلّق بالمعبر، وإيران تريد تسجيل نقطة انتصار في وجه معارضيها الداخليين، وهكذا لا توجد أهداف موحدة للمهاجمين حتى يسلكوا جبهة واحدة عسكرية، ولا أهداف موحدة للمدافعين حتى يردعوا المهاجمين. لذا سيبقى الوضع معلّقاً ريثما تنجلي بعض الأمور الدولية، والمفتاح الأساس للقرار إسرائيل".

ورأى الزعبي أنّ "ما يحدث يتمّ استثماره لدعم نجاح اجتماعات وتحركات دي ميستورا. لذا أقول إنّ التصعيد كان كبيراً، لكن هناك طرفاً شاذاً وهو إيران، التي تضع يدها على الزناد، لأنها تخشى خروجها من هذه الاجتماعات صفر اليدين، وبالتالي لديها رغبة بالعمل العسكري، وهذا يتوافق مع نية النظام بالانتقام، لكن الأخير خائف من الفشل لغياب الطيران الروسي".

بدوره، قال الناشط الإعلامي في درعا، أبو محمد الحوراني، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ما يشغل المنطقة الجنوبية هي حشد وتهديد النظام، في منطقة البانوراما ودير العدس وغيرها، في مقابل استعداد الفصائل المسلحة ورفعها من جاهزيتها لصدّ أي هجمة للنظام، في ظلّ غياب خيار الانسحاب من أي منطقة أو تسليمها، بحسب تصريحات قياداتها، الذين قالوا إنهم سيدافعون عن مناطق سيطرتهم حتى الموت".

وبيّن الناشط ذاته أنّ "هناك قيادات من الفصائل تتحدث عن دعم الدول الاقليمية للإبقاء على المنطقة منطقة خفض تصعيد، خصوصاً أنّ المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل تستوعب أكثر من 900 ألف عائلة، وهؤلاء في حال نشوب أعمال عسكرية سيتحولون إلى نازحين نحو دول الجوار، وأعتقد أن الأمر كارثي عليها".

وتشهد منطقة خفض التصعيد جنوب سورية، والتي تضم جزءاً كبيراً من محافظات درعا والقنيطرة والسويداء ويقيم بها عشرات آلاف المقاتلين المناهضين للنظام، وقفاً لإطلاق النار أعلنته موسكو مع واشنطن وعمان منذ تموز/ يوليو الماضي. والمنطقة الجنوبية مختلفة تماماً من حيث الموقع والدعم الدولي عن غيرها من مناطق خفض التصعيد الأخرى (التي انهارت بسيطرة النظام عليها)، إذ إن لدرعا والقنيطرة خصوصية وحساسية إقليمية ودولية، لكونها حدودية مع الأردن وفلسطين المحتلة.