حلفاء حفتر يمهدون للتصعيد بعد البيان السداسي حول ليبيا

20 يوليو 2019
هزيمة حفتر بغريان هزت معسكره الإقليمي (محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -

يبدو أن الحلفاء الإقليميين والدوليين للواء الليبي المتقاعد، خليفة حفتر، قرروا التدخل مباشرة في محاولة منهم لحسم معركة طرابلس لصالح الأخير بعد فشل الحملة التي أطلقها في 4 إبريل/نيسان. ويترافق ذلك مع خلافات تضرب المعسكر السياسي الداعم له في الشرق الليبي، فضلاً عن فشل الاجتماع الذي عقدته القاهرة لنواب برلمان طبرق في إطار سعيها للالتفاف على حكومة الوفاق وتقويضها.
وفي السياق، جاءت تحذيرات المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، الذي أكد أن لديه "معلومات استخباراتية" تشير إلى هجوم وشيك لمليشيات حفتر على العاصمة طرابلس، مدعومة بسلاح وأفراد من قبل مصر والإمارات وفرنسا. وبينما لم يصدر عن الدول الثلاث رد على هذا الاتهام حتى منتصف نهار أمس الجمعة، فإنها سبق أن رفضت تقارير غربية وليبية تضمنت اتهامات مشابهة. وقال المجلس، في بيان أصدره في ساعة متأخرة من ليل الخميس - الجمعة، إنه "في الوقت الذي استغرب فيه ورود أسماء بعض الدول في البيان الصادر بتاريخ 16 يوليو/ تموز (عن 6 حكومات عربية وغربية)، والداعي إلى وقف القتال في ليبيا، فإنه يتابع بقلق شديد المعلومات الاستخباراتية الواردة إليه التي تشير بالدليل القاطع إلى أن دولاً بعينها (من تلك الدول الست) تدعم مليشيات حفتر بالسلاح والأفراد".
وأضاف بيان المجلس الأعلى للدولة في ليبيا أن هذه الدول هي "فرنسا والإمارات ومصر"، متهماً إياها بأنها "ترتب للتورط بشكل أكبر مع مليشيات حفتر للهجوم على العاصمة طرابلس باستخدام الطيران والأسلحة النوعية، بعد كل الاختراقات التي قامت بها في السابق، وبعد عجز قوات حفتر عن تحقيق أي تقدم، رغم كل التدخلات والدعم، متسببة في إحداث الدمار والخسائر في الأرواح والممتلكات وترويع الآمنين". وتابع: "المجلس الأعلى للدولة يحمل هذه الدول المسؤولية الكاملة عن ما قد يحدث جراء ذلك". مع العلم أن معلومات حصلت عليها "العربي الجديد" من أكثر من مصدر مصري وليبي وأوروبي أخيراً أفادت بأن المحور المصري الإماراتي السعودي يحشد سياسياً وعسكرياً على نحو غير مسبوق من أجل تأجيح الحرب في ليبيا، بما في ذلك كشف مصدر مصري وثيق الصلة بدوائر صناعة القرار، عن إبرام قادة الإمارات، اتفاقاً مع نائب رئيس المجلس العسكري في السودان، قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، (المعروف بحميدتي)، لتزويد مليشيات حفتر بمسلحين، من المليشيات المسلحة في السودان، التي يرتبط قادتها بعلاقات وثيقة بحميدتي، فضلاً عن اتفاقات جرت مع عناصر مسلحة من تشاد.

ودعا المجلس الأعلى للدولة في ليبيا "بعثة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وكافة الأطراف الدولية إلى اتخاذ موقف قوي وحاسم وتحمل مسؤولياتهم إزاء تدخلات هذه الدول، وما يترتب عليها من مزيد من الضحايا والأضرار والانتهاكات لسيادة الدولة الليبية التي تقودها حكومة شرعية هم يعترفون بها".

وكان البيان المشترك، الصادر عن أميركا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا والإمارات ومصر، والداعي للتهدئة في ليبيا ووقف إطلاق النار والعودة لطاولة المفاوضات، حمل تفسيرات متعددة ومتناقضة من وجهة نظر الفرقاء الليبيين، الذين كان نحو 70 من ممثليهم الأعضاء في مجلس النواب في طبرق مجتمعين في القاهرة، في نفس توقيت إصدار البيان، لمحاولة الاتفاق على نقاط رئيسية لاستئناف مفاوضات على أرضية أممية، لينتجوا في النهاية بياناً هزيلاً لم يخرج في نقاطه الخمس عن شعارات الوحدة وعدم التجزئة والإصرار على الوصول لصيغة توافقية.

ورغم فشل البيان السداسي، وكذلك اجتماع القاهرة، في تحقيق أي تطور ميداني، خصوصاً مع إعلان اللواء الليبي خليفة حفتر بدء مرحلة جديدة من حربه على قوات حكومة الوفاق، وصفها بأنها تهدف لتطهير العاصمة طرابلس، إلا أن موعد صدور البيان، وطبيعة العلاقات بين المشاركين فيه، يطرحان تساؤلات عديدة حول إمكانية ثبات دعم بعض الدول على موقفها الداعم لحفتر أو حتى المحايد حيال الأزمة. وتترسخ بالتدريج في الأوساط الدبلوماسية والاستخباراتية، العربية والغربية على حد سواء، توقعات بعدم صلاحية حفتر للعب دور كبير على مستوى الدولة الليبية مستقبلاً، وفشل الرهان عليه على الأمد البعيد. وقالت مصادر دبلوماسية مصرية، لـ"العربي الجديد"، إن البيان السداسي لا يعبر بالطبع عن موقف مصر الحقيقي الداعم لحفتر، والذي يحاول الالتفاف على حكومة الوفاق وتقويضها بتلك الاجتماعات الخاصة ببرلمان طبرق في القاهرة، ومحاولة اصطناع موقف سياسي منفصل لمجلس النواب يصلح ليكون قاطرة لتحرك متمايز عن كل من حكومة الوفاق ومليشيا حفتر.

وفسرت المصادر هذه المحاولات بأن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اختار أن تكون هذه الاجتماعات هي الصورة السياسية الناعمة لتدخل مصر في الشأن الليبي، بالتوازي مع الدعم الدبلوماسي والاستخباراتي والعسكري لحفتر، وذلك في محاولة للإيحاء بأن لمصر دورا تفاوضيا في الملف، امتداداً للحديث الذي يجدده السيسي، بين الحين والآخر، عن ضرورة العودة للمسار التفاوضي، والذي تتقاطع معه تصريحات له أيضاً باستمرار مصر في دعم حفتر ضد ما يصفه الطرفان والإمارات وفرنسا والولايات المتحدة بالجماعات الإرهابية. ومن هذه النقطة، أوضحت المصادر أن البيان السداسي، الذي كان بدأ التخطيط بشأنه من قبل بريطانيا وإيطاليا ثم انضمت لهما الولايات المتحدة، اشترطت فرنسا والإمارات تضمينه فقرة صريحة عن رفض دول البيان للجماعات الإرهابية، من دون تحديد لهويتها أو موقفها السياسي الحالي. وعلى هذا الأساس لم تجد مصر بداً من المشاركة في إصداره، بإيعاز من الإمارات، لكن السعودية امتنعت عن المشاركة حتى لا يتخذ البيان في تفسيراته المختلفة على محمل سياسي لا تهدف الرياض إليه.

وكشفت المصادر أن الإمارات لم تكن مضطرة أو مرغمة على الاشتراك في البيان، على عكس مصر، بل إن أبوظبي تسيطر عليها رؤية مفادها ضرورة وقف إطلاق النار والبحث عن طريقة جديدة للتخلص من المليشيات الإسلامية والنفوذ التركي في ليبيا، وأن السيسي بإصراره على الرهان على حفتر، وفشل الأخير في تنفيذ رؤى البلدين، يعرض الإمارات لحرج دولي ويستنزف المزيد من أموالها ورصيدها السياسي. وأكدت المصادر أن السيسي "يكاد يكون" الطرف الإقليمي الوحيد الذي ما زال يؤمن بضرورة بقاء حفتر، وعدم الرهان على شخص آخر، ليس فقط باعتباره "صنيعة استخباراتية مصرية" ولكن لأنه يرى أن الوسط السياسي الليبي يخلو من الشخصيات التي يمكن الاعتماد عليها، رغم أن الاستضافات المتتالية للقيادات الليبية في القاهرة تهدف في جزء منها لاستكشاف إمكانية تصعيد بعضها لدور أكبر.


وأحدثت هزيمة مليشيات حفتر في غريان، نهاية الشهر الماضي، هزة في معسكره الإقليمي، دفع المخابرات المصرية لتبني خطاب إعلامي، عبر وسائل الإعلام المصرية والليبية التابعة لها، يصعّد الهجوم على تركيا وجماعة الإخوان المسلمين، ويوجه رسائل للخارج تهدف لتجديد ثقة العواصم الكبرى بأن حفتر متماسك وقادر على استكمال مهامه، الأمر الذي يبدو مشكوكاً في صحته حالياً، بعدما باتت حملته على طرابلس قاب قوسين من الفشل. وكانت الدول الداعمة لحفتر قد خاضت معركة دبلوماسية مع الدول الأوروبية التي تعترف بحكومة الوفاق في طرابلس، لمنع اتخاذ أي تدابير من شأنها توقيع عقوبات على حفتر، أو تعطيل الدعم العسكري واللوجيستي المقدم له من قبل حكومات مصر والإمارات والسعودية، وبدرجة أقل روسيا، بما في ذلك تحريك تحقيقات دولية بشأن تدخل الإمارات عسكرياً في الميدان الليبي، واستخدام أسلحة صينية الصنع لا تمتلكها إلا دول معدودة منها أبوظبي لتحقيق أفضلية لمصلحة حفتر، بحسب مصادر دبلوماسية من مصر ودولتين أوروبيتين تحدثت لـ"العربي الجديد" في مارس/آذار الماضي.

وفي السياق نفسه، ذكرت المصادر أن وزارة الخارجية المصرية فتحت قناة تواصل مع واشنطن لدعم فريق النواب الليبيين الموالين لحفتر الذين سيزورون واشنطن قريباً للتباحث حول التطورات الأخيرة. وأوضحت المصادر أن هذه الزيارة المخطط لها من قبل مصر تأتي استكمالاً للاتصالات التي كثفها السيسي منذ شهرين ونصف الشهر تقريباً مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ودوائر مؤثرة أخرى في الحزب الجمهوري، لإقناعه بضرورة اتخاذ واشنطن "موقفاً حاسماً وواضحاً بدعم حفتر ضد المليشيات التي تصفها مصر في خطابها الدبلوماسي داخل الغرف المغلقة بأنها إرهابية وتنفذ أجندة الإخوان المسلمين". ويؤمن السيسي أن غياب الحسم الأميركي للموقف من التطورات الميدانية التي تحصل في ليبيا، هو سبب الارتباك الأوروبي واستمرار ضبابية الأوضاع السياسية هناك، في وقت تحاول فيه فرنسا وإيطاليا تطوير رؤى مشتركة للوصول أولاً إلى قرار لوقف إطلاق النار، ثم العودة إلى طاولة التفاوض السياسي والاقتصادي أيضاً. ويأمل السيسي أن ينجح في تغيير المعادلة لصالح حفتر قبل قمة مجموعة السبع نهاية أغسطس/آب المقبل في فرنسا، والتي ستحضرها مصر ودول أفريقية أخرى من ترويكا الاتحاد ومجموعة الساحل وجنوب الصحراء، بحيث تشهد القمة اجتماعاً أو أكثر لخدمة الرؤية المصرية الإماراتية، بالتوازي مع إعادة طرح مقترحه الشخصي لاستضافة ترامب في مؤتمر بالقاهرة يركز أساساً على الشأن الليبي ويلتقي خلاله بالزعماء الأفارقة، قبل نهاية العام الذي ترأس فيه مصر الاتحاد الأفريقي.