يؤكد مسؤولون عراقيون محليون وآخرون في قيادة عمليات الجيش بمحافظة نينوى شمالي البلاد، استغلال حزب "العمال الكردستاني"، المعارض لأنقرة، الأشهر الأخيرة الساخنة في العراق، منذ مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي وما رافقه من تفجّر الاحتجاجات الشعبية واستقالة الحكومة العراقية، وصولاً إلى التصعيد الأميركي الإيراني داخل العراق، للعودة إلى جبل سنجار، غرب الموصل، وتعزيز مواقعه وحفر ملاجئ وأنفاق وملاذات آمنة له هناك. وقد وصل عدد هذه المواقع إلى أكثر من 30، خلال الفترة الماضية، وذلك في خطوة اعتُبرت تحسّباً من هجوم تركي وشيك على سلسلة جبال قنديل العراقية الواقعة ضمن المثلث العراقي التركي الإيراني، والتي تعتبر المعقل التاريخي للحزب منذ تسعينيات القرن الماضي.
مقابل ذلك، يستمرّ الصمت العراقي تجاه تغول مسلحي "العمال الكردستاني"، على الرغم من التأكيدات التي تحدثت عن أنّ الحزب مستمرّ في إعادة انتشاره وتغيير مواقعه باستمرار في سنجار وجبل سنجار، ومناطق عدة أبرزها: بارة وسنوني وخانة صور، وقرطبة، وعين فتحي، وكرسي، وكذلك قرى سفح جبل سنجار. وينسب للحزب في هذه المناطق أيضاً القيام بعمليات تهريب للنفط السوري المستخرج من حقول في دير الزور والحسكة مثل حقلي رميلان والعمر، حيث تدخل شحنات النفط المهرب إلى العراق برعاية مسلحي الحزب، ثمّ تتوجّه إلى إقليم كردستان ومافيات نفط في إيران. وتعتبر عمليات التهريب هذه مصدر تمويل مهمّ للحزب.
في السياق، قال مسؤول عراقي محلي في ديوان محافظة نينوى، وسط مدينة الموصل، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الوضع في مدينة سنجار يشبه إلى حدّ كبير وضع جرف الصخر"، في إشارة إلى أنها غير خاضعة للحكومة العراقية. وأضاف أنّ "مسلحي حزب العمال يديرون المدينة من خلال وحدات حماية سنجار (مليشيا كردية أيزيدية محلية)، ويتواجدون في مناطق جبل سنجار وبلدات أخرى تتصل بالحدود السورية"، لافتاً إلى أنّ "الجيش العراقي قادر على تنظيف المنطقة منهم خلال بضعة أيام، وإعادة المدينة لأهلها الذين ما زال غالبيتهم نازحين، لكن الموضوع فيه جانب سياسي".
وأكّد المسؤول نفسه الذي طلب عدم كشف هويته، أنّ الحزب عاود في الأشهر الأربعة الأخيرة نشاطه، وأمّن مواقع وخنادق وملاذات داخل جبل سنجار كمواقع بديلة له في حال نفّذ الجيش التركي تهديده فعلاً وهاجم قنديل برياً"، في إشارة إلى جبال قنديل.
وعلى الرغم من أنّ "العمال الكردستاني" كان قد أعلن في أغسطس/آب عام 2017، أنه "قرر سحب جميع مقاتليه من أطراف بلدة سنجار بشكل كامل بعد إنهاء مهامهم هناك، وبعد استتباب الأمن في المنطقة"، إلا أنّ الحزب عاد إلى البلدة مرة أخرى، منذ اغتيال نائب القنصل التركي في أربيل، عثمان كوسيه، في يوليو/تموز من العام الماضي، عقب مضايقة قوات البشمركة وجهاز الأسايش للحزب في مناطق بارزان وسنوني وقرب محافظة دهوك. ليصبح الوضع أكثر سوءاً بالنسبة للحزب، خلال العملية التي شنتها القوات التركية داخل العراق، لاستهداف مقراته وقد عرفت باسم "المخلب 3"، وجرت في أغسطس الماضي، مستهدفةً مواقع جديدة للعمال الكردستاني غير تلك التي كان انسحب منها مقاتلوه قبل نحو عامين، وفقاً لمصادر محلية في سنجار قالت إنها تتوقع هجوماً تركياً جديداً واسعاً.
وينشط مقاتلو الحزب في مناطق عدة شمالي العراق، أبرزها جبال قنديل وسيدكان وسوران وخواكورك وبنكرد، إضافة إلى أطراف قضاءي العمادية وزاخو. وعقب احتلال "داعش" عام 2014، نينوى ومنها مدينة سنجار، وجد الحزب فرصة للتوغل أكثر داخل الشمال العراقي، ليستقرّ في أبعد نقطة عن القوات التركية، إذ إنّ أنقرة تكتفي بين فترة وأخرى بقصف مواقع للحزب في سنجار جواً من دون وجود إمكانية لها للتقدّم البري على غرار عمليات مماثلة في سورية، لوجود مدن قبل سنجار خاضعة للجيش العراقي وقوات البشمركة التابعة لإقليم كردستان العراق.
وفي الإطار ذاته، قال قائمقام قضاء سنجار، محما خليل، إنّ عدد عناصر "العمال الكردستاني" في المنطقة "بات بالآلاف"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الحكومة المحلية في شنكال (التسمية الكردية لمدينة سنجار) ليس لديها أي تواصل مع حزب العمال الكردستاني أو اتصالات، كما أننا لا نعرف الأعداد الحقيقية للمسلحين التابعين للحزب، لكننا نعلم أنهم بالآلاف، والحكومة العراقية شملت أخيراً وحدات حماية سنجار (الجناح المحلي لحزب العمال) بمرتبات ضمن اتفاق تطبيع الأوضاع بالمدينة".
وأكّد خليل أنّ "الأهالي يشتكون من أنّ جبل سنجار والجهة الغربية من القضاء، كلها تحت سيطرة مقاتلي الحزب، وفي الوقت نفسه الحدود مع سورية منفلتة بسبب وجود هؤلاء المسلحين، ومن خلالهم تدخل كل الممنوعات إلى العراق عبر قاطع خانصور الحدودي مع سورية. كما أنّ المسلحين متهمون بتهريب عناصر من تنظيم داعش من مخيم الهول الذي يخضع لسيطرة حزب العمال في سورية، مقابل مبالغ مالية كبيرة يحصلون عليها". وتابع أنّ "وجود حزب العمال يمنع عودة النازحين، ويمنع إعمار سنجار، كما أنه يمنع عجلة التقدّم، وقد خاطبنا بغداد مراراً بضرورة العمل على إخراج الحزب من المدينة، ولكنها لم تستجب، بل إنها مكنته أكثر، من خلال زيادة تعاون فصائل الحشد الشعبي معه".
وبشأن الاستهداف التركي لمواقع حزب "العمال"، أكد خليل أنّ "الحكومة المحلية في سنجار ترفض القصف التركي، وبغداد هي التي تتحمل مسؤولية عدم ردع أنقرة، ومشكلة الأخيرة وحزب العمال لا بدّ أن تكون خارج العراق، ولا يتم تسويتها على حساب الأبرياء الذين يسقطون جراء العمليات العسكرية التركية في نينوى ومحافظات كردستان".
في المقابل، وصف عضو مجلس سنجار المنحل، محمد أمين، المدينة بأنها "خاضعة للحزب"، موضحاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "حكومة عادل عبد المهدي فاقمت الأوضاع سوءاً في سنجار من خلال قبول وحدات حماية سنجار كفصيل ضمن الحشد الشعبي، على الرغم من أنها تعتبر فعلياً ذراع حزب العمال، وهو من أسسها عام 2015 عقب اجتياح داعش". وتابع أنّ "صور عبد الله أوجلان المرفوعة في المدينة وداخل المباني الحكومية، دليل كاف على أنّ بغداد منحت حزب العمال غطاءً مناسباً للبقاء والتمدد بالمدينة".
وأكّد أمين أنّ "غالبية سكان مخيم دهوك للنازحين، هم من أهالي سنجار ويفضلون الخيام على العودة للمدينة كونها مدمرة، ولم يصلها إعمار بسبب سيطرة حزب العمال عليها".
من جانبه، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، كريم عليوي، إنّ "حزب العمال يعتبر قوة أجنبية داخل إقليم كردستان، وبما أنّ البرلمان العراقي صوت أخيراً على إخراج القوات الأجنبية من أراضي البلاد، فهي مشمولة أيضاً"، موضحاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "جهات أجنبية عدة في العراق وجدت ضعفاً كبيراً لدى الحكومة الاتحادية، ولذلك استفحلت ظاهرة وجودها ومنها حزب العمال".
ونهاية العام الماضي، قالت خلية الإعلام الأمني العراقية، إنّ طائرة مجهولة وجهت ضربة جوية لمقر تابع لقوات "وحدات حماية سنجار"، وذلك بمنطقة خانة صور، التابعة لقضاء سنجار، والواقعة على بعد 100 كيلومتر غربي الموصل، أسفرت عن مقتل وإصابة 20 من أفراد الفصيل المسلح. وعلى الرغم من عدم إشارة السلطات العراقية إلى هوية الطائرة التي استهدفت المنطقة، إلا أنّ مصادر عراقية في بغداد تحدثت عن أنها تركية.
إلى ذلك، أشار الباحث في الشأن العراقي، علي الحياني، إلى أنّ "حكومة إقليم كردستان تنظر لحزب العمال، على أنه غير شرعي، وهذا الرأي ينتمي إليه معظم أعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يناهض وجود حزب العمال، على عكس بعض القوى الكردية الأخرى، التي ترى أن الحزب يدافع عن حقوق الأكراد في تركيا".
وتابع في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "الحكومة العراقية تتعامل مع حزب العمال، وتحديداً مع القوة المحلية من الأيزيديين التابعة لهذا الحزب، على أنها تمثيل لإرادة الأهالي في سنجار، ولذلك فقد استغل الحزب موقف الحكومة العراقية، وتمكّن من الحصول على مغانم سياسية عبر مشاركته بصناعة أحزاب كردية".
وتقع مدينة سنجار شمال غرب الموصل، ضمن محافظة نينوى، وتبعد نحو 50 كيلومتراً عن الحدود مع مدينة الحسكة السورية و70 كيلومتراً عن الحدود التركية، وتضم ثلاث نواح وأكثر من 60 قرية، وهي خليط من العرب المسلمين من عشائر شمر وعبيد، والعرب المسيحيين، ومن التركمان والأكراد الأيزيديين، وهناك كذلك قرى آشورية ضمنها. وتعرضت المدينة لواحدة من أفظع جرائم "داعش"، إذ قام التنظيم بسبي آلاف النساء والأطفال وقتل المئات من الرجال عندما تمكن من احتلال المدينة في العام 2014، قبل أن تتمكن قوات البشمركة الكردية والتحالف الدولي من تحريرها بعملية استمرت أسابيع عدة شاركت فيها وحدات من حزب العمال الكردستاني.