الجولة التاسعة من أستانة السوري اليوم: توزيع مناطق النفوذ أولوية الدول الضامنة

14 مايو 2018
يشارك لافرينتيف ودي ميستورا في "أستانة 9"(ستانيسلاف فيليبوف/فرانس برس)
+ الخط -

تنطلق في عاصمة كازاخستان اليوم الإثنين الجولة التاسعة من محادثات أستانة، بحضور الأطراف الثلاثة الراعية، روسيا وتركيا وإيران، وممثلين عن النظام السوري والمعارضة، وأطراف دولية أخرى. ومنذ آخر اجتماع لأطراف أستانة، نهاية العام الماضي، شهدت الأوضاع الميدانية تبدلات كبيرة على الأرض، تمثلت أساساً في سيطرة النظام على مناطق كبيرة كانت بيد المعارضة، وهي مناطق كان يفترض أنها محمية بموجب تفاهمات أستانة، وهو ما يجعل قرارات هذه الاجتماعات، بنظر بعض المراقبين، حبراً على ورق، أو مجرد غطاء من المعارضة ومن تركيا لخطط وممارسات حلف النظام وروسيا وإيران، الذي يسعى إلى تجريد المعارضة من كل مكتسباتها، وإعادة تعويم النظام سياسياً، مقابل بعض المكتسبات التي تمنح لتركيا، بينما تكون المعارضة هي الخاسر الأكبر، وربما الوحيد.

وحسب بيان وزارة الخارجية الكازاخية فإن جميع أطراف عملية أستانة، بما فيها المعارضة السورية المسلحة، أكدت مشاركتها في الجولة التاسعة من المفاوضات المقررة في 14 و15 مايو/أيار الحالي. وأوضحت أنه سيشارك في الاجتماع أيضاً وفد الأمم المتحدة، برئاسة المبعوث الأممي الخاص إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، ووفد من الأردن، بصفة مراقبين، مشيرة إلى أن الوفد الروسي سيكون برئاسة مبعوث الرئيس الروسي الخاص للتسوية السورية، ألكسندر لافرينتيف، فيما سيترأس الوفد التركي، نائب وزير الخارجية، سيدات أونال، والوفد الإيراني سيكون برئاسة مساعد وزير الخارجية، حسين جابري أنصاري. وكانت الجولة الثامنة من مفاوضات أستانة عقدت في العاصمة الكازاخية نهاية العام الماضي، وجرى خلالها الاتفاق على إقرار نظام خاص بنشاط مجموعة عمل لشؤون تسليم المحتجزين وتبادل الأسرى، إضافة إلى اعتماد بيان بشأن إزالة الألغام لأغراض إنسانية، خصوصاً فيما يتعلق بالمعالم التي تحميها منظمة اليونسكو، لكن لم يتم على الأرض تنفيذ أي شيء مما تم الاتفاق عليه.

وقال عضو وفد المعارضة إلى أستانة، العقيد فاتح حسون، لـ"العربي الجديد"، إن ما تم التنسيق حوله بشأن جدول أعمال الجولة المقبلة هو "اتفاقية خفض التصعيد وعدم التزام الروس والنظام بها في الغوطة الشرقية وفي الريف الشمالي لحمص، والخروقات الكبيرة التي تجري في منطقة إدلب وما حولها، وكذلك حول ملف المعتقلين والإجراءات التنفيذية التي ستتخذ للتقدم بهذا الملف". وبشأن ملف المعتقلين الذي يفترض أن يكون محور محادثات هذه الجولة، قال حسون إن "خطوات لجنة المعتقلين ما زالت بطيئة، لكنها تسير، ومن المفروض أن يتم التركيز عليها في هذه الجولة". وعن مبررات المعارضة للمشاركة في هذه الجولات التي لا تثمر عن شيء، وإذا أثمرت لا يلتزم الطرف الآخر بما يتم الاتفاق عليه، قال حسون "بالرغم من أننا لا نعول على المفاوضات، لكننا نعتبر أستانة استحقاقاً يمكن أن يفتح ثغرة في جدار التعنت الروسي الرافض للثورة، وحضور قوى الثورة في هذا المسار لا يعني تقاعسها في مسارات واتجاهات أخرى، والغياب عن أي مفاوضات أو تدابير يمكن أن تحقق منفعة للثورة سلوك خاطئ، شريطة الالتزام بمبادئ الثورة ورفض ما يتناقض معها".

والواقع أن التطورات التي شهدتها الساحة السورية منذ الاجتماع الأخير للأطراف في أستانة، تجعل من غير المجدي الحديث في الجولة الجديدة عن "الحفاظ" على اتفاق "خفض التصعيد" الذي يعتبر "الإنجاز" الوحيد لهذه الاجتماعات، بعد أن ابتلعت الآلة الحربية للنظام وروسيا وإيران نصف المناطق المشمولة بهذا الاتفاق، أي الغوطة الشرقية وريفي حمص الشمالي وحماة الجنوبي، ولم يبق إلا منطقتا إدلب وجنوب سورية، وهما مرشحتان للمصير نفسه كما توحي بعض المؤشرات، بالرغم مما يشاع عن كونهما محميتين نوعاً ما بتفاهمات اقليمية ودولية. ويسود اعتقاد منذ بعض الوقت بأن الاجتماعات بين الأطراف الثلاثة الضامنة، روسيا وتركيا وإيران، سواء في أستانة أم خارجها، إنما الهدف منها التنسيق بين هذه الأطراف لتوزيع مناطق النفوذ في ما بينها، بالتوازي مع تنسيق مع أطراف أخرى، خصوصاً الولايات المتحدة وإسرائيل والأردن للغرض نفسه، وذلك بغية اقتسام المناطق السورية بين هذه الأطراف، وسط حالة من التنافس، وحرص كل طرف على تكبير حصته، خصوصاً بين قوات النظام والمليشيات الكردية شرقي البلاد، حيث بدأ الجانبان عمليات عسكرية منفصلة لانتزاع أكبر مساحة ممكنة من يد تنظيم "داعش" الذي يواصل التداعي في تلك المنطقة.



وفي سياق متصل، أشارت معلومات إلى أن قوات النظام السوري بدأت الانسحاب من نقاط تمركزها في مدينة الحسكة شمال شرقي سورية بموجب تفاهمات بين تركيا وروسيا، وذلك بعد أسابيع من إعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن بلاده بدأت استعداداتها من أجل "تطهير مناطق عين عرب وتل أبيض ورأس العين والحسكة من الإرهاب". وحسب هذه المعلومات، التي أكدها ناشطون محليون، فإن النظام السوري سحب الجزء الأكبر من قواته، إلى جانب العتاد الثقيل، من نقاط عسكرية في مدينة الحسكة وريفها، بينما غادر غالبية ضباط النظام الحسكة عبر مطار القامشلي، فيما عزاه مراقبون إلى تفاهمات بين الدول اللاعبة في سورية، تقضي بانسحاب النظام كلياً من محافظة الحسكة على أن تنتشر قوات تركية، أو مدعومة منها، على طول الشريط الحدودي السوري التركي بعمق 30 كيلومتراً، وذلك في إطار توافق على جعل إدلب والشريط الحدودي التركي السوري تحت رعاية تركيا، بينما تخضع الرقة وريف دير الزور الشرقي وصولاً إلى الحدود السورية الأردنية للنفوذ الأميركي، مقابل بقاء روسيا وإيران في مناطق سيطرة النظام.

غير أن قاعدة حميميم الروسية عادت لتوجيه رسائل عن احتمال شن عملية عسكرية في إدلب ما لم تقم "جبهة النصرة" (هيئة تحرير الشام) بحل نفسها سلمياً، وهو ما رد عليه فوراً وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، الذي قال إن بلاده لن تسمح بهجوم عسكري على إدلب وتهجير أهلها كما حدث في باقي المناطق. وقال، خلال ملتقى للصحافيين العرب في إسطنبول، "إدلب في حمايتنا ونرفض تهجير أهلها بحجة الإرهاب ونختلف مع إيران بملفات كثيرة". ولاحظ مراقبون أن تركيا تعمل فيما يخص إدلب على مسارين متوازيين، يقضي الأول بنشر المزيد من نقاط المراقبة المتفق عليها في اتفاق "خفض التصعيد"، والثاني إعادة هيكلة الفصائل العسكرية في المحافظة، مع استثناء "هيئة تحرير الشام". وثبت الجيش التركي حتى الآن 10 نقاط مراقبة في إدلب وريف حلب المجاور، آخرها في منطقة الراشدين، لكن ذلك لم يمنع روسيا من مواصلة غاراتها على إدلب، والتي تطاول بشكل أساسي جنوبي إدلب والمناطق الغربية المحاذية للشريط الحدودي مع تركيا، ما يطرح تساؤلات عن مدى إمكانية الحد من خطط النظام وروسيا من خلال الاتفاقات والتفاهمات الثنائية أو في إطار أستانة، وإن كان يسود اعتقاد بين قادة الفصائل في المنطقة بأن خريطة إدلب وريفها تم رسمها عبر نقاط المراقبة التركية، وهو ما يعني أن الحرب انتهت بين المعارضة والنظام بشكل نهائي في تلك المنطقة، على أن تمتد المنطقة التي تخضع للنفوذ التركي من جرابلس مروراً بريف إدلب الغربي، وصولًا إلى نقاط تمركزها في الساحل، بينما تتولى روسيا مع إيران والنظام السوري منطقة شرق السكة. وبالتزامن مع استكمال نقاط المراقبة، تترقب إدلب ولادة تشكيل عسكري جديد من فصائل الجيش السوري الحر، بدعم رئيسي من تركيا، يضم بحسب نشطاء عدة فصائل في الشمال، أبرزها "جيش إدلب الحر"، و"جيش العزة"، و"جيش النصر"، و"الفرقة الساحلية الأولى"، و"فيلق الشام" الذي سيتولى قيادة هذا التشكيل.

كما تكتسب "الجبهة الجنوبية" أهمية في اجتماع أستانة اليوم، في ضوء التصعيد الأخير بين إسرائيل وإيران على الأراضي السورية، وسط زيادة تحرشات النظام بالمنطقة وتحذيرات من عملية عسكرية محتملة هناك قد تكون بتوافق إقليمي أيضاً. وحسب بعض المصادر، فإن روسيا قد تعمل بالتنسيق مع إسرائيل على إعادة ترتيب أوضاع المنطقة الجنوبية متجاوزة اتفاق "خفض التصعيد" الذي سبق أن تفاهمت عليه مع أميركا والأردن، بحيث يتم ضمان أمن إسرائيل وعدم انتشار المليشيات التابعة لإيران و"الحرس الثوري" في تلك المنطقة، مقابل السماح للنظام ببدء حملة في ريفي درعا والقنيطرة لإنهاء المعارضة المسلحة وفتح الطريق الدولي إلى الأردن. وفي كل الأحوال، فإنه من الواضح أن البلدان الثلاثة الضامنة، تركيا وروسيا وإيران، تسعى إلى زيادة التنسيق في ما بينها منعاً لأي خلافات قد تنشب، ودفاعاً عن مصالحها المشتركة، بينما تسعى المعارضة السورية إلى تحقيق أي مكسب عقب الخسائر الكبيرة التي منيت بها في الشهور الأخيرة، ولو كان إطلاق سراح بعض المعتقلين، وهو هدف قد لا تناله بسبب تعنت النظام المتوقع في هذا الملف.