سامي عطا لـ"العربي الجديد": مناهضة العنف لاستكمال الثورة اليمنية

21 فبراير 2014
من المسيرات التي خرجت في الذكرى الثالثة للثورة
+ الخط -
أنهت الثورة اليمنية عامها الثالث من دون أن تنجح حتى اللحظة في تحقيق كل أهدافها. وعوضاً عن أن تشهد البلاد خطوات حقيقية للانتقال إلى يمن جديد يشكل قطيعة مع عهد النظام السابق، ها هي تغرق في مشاكل أمنية وسياسية واقتصادية. حتى حلم اجراء انتخابات رئاسية تعددية، للمرة الأولى في عهد ما بعد الرئيس السابق علي عبد الله صالح، تأجل، بعد تمديد ولاية الرئيس الانتقالي، عبد ربه منصور هادي، التي كان يفترض أن تنتهي اليوم الجمعة، بعد عامين من انتخابه مرشحاً توافقياً تطبيقاً لنَص المبادرة الخليجية.


ما الذي أوصل الأوضاع إلى ما هي عليه اليوم، وجعل ما كان يعجز صالح عن القيام به في أكثر أيام قوته، يمرّ من دون أن يكون للحراك في الشارع قدرة على التأثير؟ هل تراجع الزخم الثوري إلى هذا الحد؟

في 11 فبراير/شباط الماضي، وبالتزامن مع إحياء الذكرى الثالثة للثورة، شهد اليمن حشداً تاريخياً امتلأت به شوارع العاصمة صنعاء والعديد من المحافظات، وهو ما أعاد التذكير بأكثر لحظات الثورة نقاءً.

هذا المشهد تتكرر اليوم، بعدما خرج الناشطون في مسيرات جديدة تحت شعار "ثورة ضد الفساد"، بالتزامن مع الذكرى الثانية لانتخاب هادي، للتأكيد على رفضهم الانصياع لما يجري من تسويات.
وهؤلاء يؤكدون أنهم على استعداد للتظاهر مرات ومرات من أجل تحقيق أهداف ثورتهم، على أمل أن تتهيأ الظروف التي تتيح عودة القرار إلى الشارع وقلب الطاولة في وجه التسوية السياسية.

وبانتظار تحقق ذلك، يقف أستاذ الفلسفة السياسية في جامعة عدن، سامي عطا، عند المشهد اليمني الراهن، مقدماً قراءته للتغييرات التي مرّت على اليمن منذ 2011.
ويقول عطا، في مقابلة مع "العربي الجديد"، إن "البلاد منذُ ثلاث سنوات، تعيش وضعاً ثورياً ولا تعيش ثورة، لأن الثورة تعني توافر أداتين؛ وضع ثوري، وحركة ثورية تمتلك رؤية أو لديها برنامج وأهداف يتم تنفيذها على الأرض". وهذا من وجهة نظره "مع الأسف منعدم" حالياً.

ويوضح أن "هذا الأمر أدركه الكثيرون من الثوار الحقيقيين الذين تداعوا منذُ وقت مبكر لينبّهوا إلى ضرورة إنقاذ الثورة مما آلت إليه، بعدما جرى الالتفاف عليها، لأنها فخخت منذُ البداية بقوى غير ثورية، وبعدما صنعت الميديا والإمكانات المادية الضخمة نجوماً ثورية مارست دور القابلة بدعوى حماية الأم"، في إشارة إلى الثورة، على اعتبار أن الجنين (الثورة) يشكل تهديداً على صحة الأم (البلد).

ومن وجهة نظر أستاذ الفلسفة، فإن "هذا التهديد جرت صناعته عبر ذهاب "حماة الثورة" ورأس النظام، إلى حرب الحصبة في 2011، وهي الحرب التي اندلعت بين القوات الموالية للرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، وعائلة آل الأحمر الذين انشقّوا عنه.

أما تداعيات هذه الحرب على المشهد الثوري فلم تتأخر، اذ إن هذه "الحرب لم يجر التنبه إلى مخاطرها وأهدافها غير العلنية من قبل الثوار، ووقَف الثوار يشاهدونها، وتم تسويقها على أنها مقدمة ستجر البلد إلى حرب أهلية، وعليه تم طرح المبادرة الخليجية، وكانت هذه المبادرة بمثابة حصان طروادة "الثورة" وعبرها جرى إجهاض الثورة وتزييف الوعي بها".

وإن كان البعد السياسي هو المحرك الأول في التعاطي مع الثورات العربية، بما في ذلك الثورة اليمنية، فلا يغيب عن عطا المنظور الاقتصادي، وتحديداً لجهة أن "منطق الثورات اليوم يعاني من غياب حاملها، وذلك بفعل الاقتصاد الرأسمالي الذي يتكون من المراكز والأطراف...".

ويوضح عطا تصوّره قائلاً إن "اقتصاد التبعية لا يسمح بالثورة على أعوانه وتوابعه في الدول الأخرى، فضلاً عن أن ثورات الربيع العربي تعاني من أزمة وجود، فلا يمكن ولا ينبغي لأي ثورة أن تنجح في منطقة تملك ثروات نفطية هائلة، لأن الثورة في المقام الأول عقلنة وترشيد في كل المجالات، بما فيها التعامل مع إمكانية هذه البلدان وإمكاناتها، ولا يمكن للنظام العالمي الراهن أن يسمح للثورة بالنجاح أو أن تنجز مهامها". لجميع هذه الأسباب "يسعى هذا النظام العالمي بالتعاون مع أعوانه الداخليين إلى إجهاض فكرة الثورة وتزييف الوعي بها".

على الرغم من هذه الإخفاقات، المشهد لا يبدو قاتماً من وجهة نظر عطا، فإن ما لا يمكن إغفاله "هو أن هذه الثورات أحدثت حراكاً شعبياً وكسرت حاجز الخوف، وحررت إرادات البشر، كما قوضت أنظمة الاستبداد والطغيان وأضعفتها".
والأهم أن "هذا التحرير قدّم الثورة بوصفها عملية مستمرة، وتستغرق الثورة زمنياً وقتاً أطول لكي تنجز مهامها وأهدافها". ويضيف: "كل يوم يمر، تتكشف عيوب وأخطاء الممارسة الثورية ويجري تنضيدها وتهذيبها، ولعل دعوة النزول الأخيرة والتنظيم، والحوارات والأهداف المعلنة، أثبتت أن الثوار يكتسبون خبرات ثورية، وأنهم يسيرون على الطريق الصحيح".

لكن ذلك لا يحجب أيضاً حقيقة أن "الأطراف التي أجهضت الثورة، لا تزال تستخدم الفعل الثوري وسيلة إجهاض، "وكلما فكر الثوار الحقيقيون في تصحيح ممارستهم الثورية، انبرت تلك القوى عبر نجوم صنعتها بواسطة الميديا إلى الدخول على خط خلط الأوراق والتشويش على الفعل الثوري الحقيقي، إلا أن الثورة تكشف وتفرز الثوار الحقيقيين من الزائفين عبر الممارسة الثورية، ولن يصار إلى تصحيح ممارسة الناس الثورية إلّا بمزيدٍ من الفعل الثوري"، على حد تعبير محدّثنا.

ويتوقف عطا عند الكثير من الأنباء "التلفيقية والمعجونة بالخبث والمكر، التي كانت تتسرب من مطابخ قوى الهيمنة والاستئثار، تتحدث عن صراع إصلاحي (إخوان) - حوثي (جماعة أنصار الله) لإسقاط العاصمة"، على بعد أيام من الذكرى الثالثة للثورة. ويرى أن مثل هذه الأخبار لم تكن تهدف "سوى إلى خلط الأوراق على نزول الشباب الثائر في 11 فبراير، وذلك من خلال بث الرعب والخوف في المجتمع، وتحويل الصراع إلى صراع مسلّح". وهو صراع بالأدوات التي تجيدها هذه القوى، "لأنها جُبلت على استخدام القوة ولا تستقيم هيمنتها واستئثارها بالسلطة إلا عبر شرعية القوة، ولأنها لا تفهم لغة الثورة السلمية، كما أن هذه اللغة الجديدة تشكل تهديداً على هيمنتها".

هذا الأمر يدفع عطا إلى دعوة الشباب إلى أن "ينقلوا البلد إلى مربع قوة الحق، عبر المحافظة على سلمية نزولهم ويتبرأوا من كل القوى التي تسعى إلى بقاء العملية السياسية داخل إطار مربع القوة والعنف".
أما إسقاط هذه القوى المتنفذة، فلا يحصل، وفقاً لعطا، إلا عبر إسقاط وسائلها. ويخلص في حديثه إلى القول: "لعل تكريس ثقافة الاحتجاجات السلمية سلاح تدمير شامل لهذه القوى جميعها"، موضحاً أن من بين أهداف النزول يوم 11 فبراير غير المعلنة، كان "استعادة روح الثورة السلمية، ورفض منطق القوة. وتصحيح مسار الثورة التي تم الاستئثار بها من خلال حرب الحصبة".

المساهمون