انطلاقة مبكرة لمعركة البادية السورية

16 مايو 2017
سارع النظام السوري للدفع بقواته في معركة البادية(فرانس برس)
+ الخط -
تعكس التطورات العسكرية على مقربة من الحدود العراقية السورية، والحدود السورية الأردنية، في الأيام الأخيرة، بداية مبكرة لمعركة السيطرة على البادية السورية في ظل السباق للوصول إلى محافظة دير الزور في أقصى شرقي سورية، بين المعارضة السورية المسلحة مدعومة من التحالف الدولي، وبين قوات النظام ومليشيات تساندها، في وقت يخوض فيه تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) حرب وجود على جبهات عدة، ربما تفضي إلى انهياره.

وتأخذ معركة البادية السورية أهمية عسكرية وسياسية استثنائية نظراً لامتدادها، إذ تتوسط البادية سورية، وتقع بين أرياف حماة وحمص ودمشق الشرقية وأرياف دير الزور والرقة الغربية وتمتد إلى ريف إدلب الشرقي شمالاً. كما أنها تتصل بصحراء شرق الأردن من الجنوب وبصحراء العراق من جهة معبر التنف. وتتجه الأنظار بشكل خاص إلى المثلث الحدودي بين الأردن وسورية والعراق وسط تخوف النظام السوري بشكل خاص من التحضيرات العسكرية في الأراضي الأردنية، المتاخمة للحدود مع سورية، مما يؤدي إلى تغيير الموازين في الجبهة الجنوبية. وفي هذا الإطار، انتشرت في الساعات الماضية أنباء غير مؤكدة عن انتشار عسكري لمقاتلين من حزب الله وقوات أخرى تتبع فعلياً لإيران على مقربة من الحدود الأردنية. وتضم المنطقة الجنوبية المناطق المنتشرة من ريف السويداء الشرقي، الممتد إلى البادية السورية، وصولاً إلى محافظة دير الزور.

وبينما كانت الأنباء تتحدث عن دخول قوات التحالف الدولي إلى البادية السورية تحضيراً لمعركة جديدة، كانت غارات، تضاربت الأنباء حول هوية الطائرات التي نفذتها، تؤدي إلى مقتل 32 مدنياً في مدينة البوكمال الحدودية مع العراق التي من المنتظر أن تكون مسرح عملية عسكرية واسعة النطاق في الأيام المقبلة. وبعد ساعات من القصف تحدثت معلومات عن أن طائرات عراقية تولت تنفيذ الغارات، في مؤشر على بدء تطبيق الاتفاق العراقي ــ الأميركي القاضي بإعادة إغلاق الحدود مع سورية بشكل نهائي وعلى ثلاث مراحل.

وأكدت مصادر محلية لـ "العربي الجديد" أن طائرات ارتكبت فجر يوم الإثنين مجزرة في مدينة البوكمال شرقي دير الزور بنحو 130 كيلومتراً، راح ضحيتها العشرات من المدنيين بين قتيل ومصاب. وأشارت المصادر إلى أن القصف استهدف جامع الرحمن، ومحيط جمعية الرصافة، وجامع الإيمان، ومبنى الهجانة.

ووفقاً للمصادر فإن الغارات تسببت بدمار منازل وممتلكات مدنيين في مشهد تكرر كثيراً في الآونة الأخيرة، وهو ما يعمق مأساة آلاف المدنيين في مدينة تضم أعداداً كبيرة من النازحين. ووصفت المصادر مدينة البوكمال صبيحة الإثنين بـ "مدينة الدماء والدموع". وأكدت المصادر أن عشرات آلاف المدنيين في البوكمال "يواجهون الموت بكل الأشكال"، مضيفة: "صواريخ التحالف الدولي من السماء، وجور مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية على الأرض".


وجاءت مجزرة يوم الإثنين بالتزامن مع دخول قوات تتبع للتحالف الدولي، وأخرى تتبع للمعارضة السورية إلى منطقة حميمة في بادية دير الزور للتحضير لمعركة انتزاع السيطرة على مدينة البوكمال على الحدود السورية العراقية. وأكدت مصادر مطلعة في المعارضة السورية المسلحة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هذه القوات تمركزت فجر الإثنين في منطقة حميمة جنوب غربي البوكمال بنحو 90 كيلومتراً. وأشارت إلى أنه يوجد في المنطقة بئر ماء. وتُعرف بطبيعتها الجغرافية المنبسطة، إضافة إلى كونها عقدة طرق في البادية السورية. وهو ما دفع التحالف الدولي إلى اختيارها نقطة انطلاق نحو مدينة البوكمال.

وأشارت المصادر إلى أن فصيلاً تابعاً للمعارضة السورية يتكون من أبناء المنطقة الشرقية في سورية يحمل اسم "المغاوير"، قام على أنقاض ما كان يُسمى بـ "جيش سورية الجديد"، سيكون "رأس حربة" في الهجوم المرتقب خلال أيام. وكان "جيش سورية الجديد" التابع للمعارضة المسلحة، قد حاول منتصف العام الفائت انتزاع السيطرة على مدينة البوكمال، إلا أنه تقهقر بعد خسارة جسيمة تكبدها في هجوم معاكس من قبل مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". وأكدت مصادر مقتل العشرات من أعضائه في قاعدة "حمدان" الجوية القريبة من مدينة البوكمال.

 ووفقاً للمصادر فإن مهمة "جيش المغاوير" انتزاع السيطرة على مدينة البوكمال، وقطع خطوط الإمداد للتنظيم من العراق، في خطوة تسبق محاولة انتزاع السيطرة على مدينة الميادين الواقعة جنوب شرقي دير الزور بنحو 45 كيلومتراً، وهي أهم معقل للتنظيم بعد مدينة الرقة. ومن المتوقع أن يشهد ريف دير الزور الشرقي معارك وجود للتنظيم الذي يخوض معارك متعددة الجبهات في سورية والعراق، وبدأ منذ بداية العام الحالي يتعرض لمخاطر الانهيار، والهزيمة النهائية في كل من سورية والعراق.

 ويتميز هذا الريف باتساعه حيث يمتد على مساحة تقدر بنحو 130 كيلومتراً على ضفتي نهر الفرات، وهو ما يوفر للتنظيم هامش مناورة كبيراً قادراً من خلاله على إرباك أي قوات مهاجمة. لكن هذا الريف المتسع يوفر لطيران التحالف فرصة استهداف أرتال التنظيم العسكرية، وهو ما يزيد المعركة المنتظرة تعقيداً.

في موازاة ذلك، يدفع النظام وحلفاؤه بتعزيزات عسكرية إلى البادية السورية التي من المتوقع أن تشهد سباقاً من نوع جديد، لخلط أوراق الصراع المعقد على الجغرافيا السورية. وأكدت مصادر في المعارضة أن قوات النظام ومليشيات تساندها تتقدم نحو معبر التنف الحدودي مع العراق، من مواقع لها في مدينة تدمر في قلب البادية. وأشارت إلى أن قوات المعارضة "ربما تخلي المعبر كي تتجنب الصدام مع قوات النظام"، مؤكدة أن المعركة المقبلة هي مع تنظيم الدولة في البوكمال.

وترتبط سورية بحدود طويلة مع العراق تقدر من الأردن وحتى مدينة البوكمال بنحو 350 كيلومتراً. وتحاول قوات النظام، ومليشيات إيرانية، السيطرة على معبر التنف في إطار استراتيجية إيرانية كبرى تعمل عليها طهران تتيح لها فتح خط بري يمتد من طهران إلى ساحل المتوسط، في تجسيد عملي لسيطرتها على العراق وسورية ولبنان، وهذا ما يفسر زج قوات كبيرة في المثلث الحدودي بين سورية، والعراق، والأردن.

في غضون ذلك ذكرت مصادر إعلامية معارضة أن الروس مهتمون بإنشاء فصيل جديد يتزعمه الشيخ القبلي، نواف البشير، الذي ترك صفوف المعارضة منذ بعض الوقت، مهمة هذا الفصيل انتزاع السيطرة على مدينة دير الزور لصالح النظام الذي يحاول فرض نفسه في معركة محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية"، في محاولة لإعادة إنتاج نفسه من خلال اكتساب ثقة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية الرافضة لأي وجود لبشار الأسد في مستقبل سورية.

كما يسعى النظام إلى فك الحصار المضروب من قبل تنظيم "الدولة الإسلامية" على مطار دير الزور العسكري، بحثاً عن "نصر إعلامي" جديد يعزز ثقة مواليه به، في تكرار لسيناريو مطار كويرس العسكري في شرقي حلب العام الفائت الذي كان تنظيم "داعش" يحاصره.

وسيطر تنظيم "داعش" على مدينة البوكمال التابعة إدارياً لدير الزور والمقابلة لمدينة القائم العراقية في منتصف عام 2014، إثر معارك مع فصائل تتبع للجيش السوري الحر، فتحولت المدينة الحدودية إلى معقل بارز للتنظيم في شرقي سورية.

وتعد دير الزور ثاني أكبر المحافظات السورية لجهة المساحة بعد حمص، وتتمتع بأهمية كبرى نظراً إلى وجود ثروة نفطية كبيرة في أراضيها. كما تعد محافظة دير الزور امتداداً جغرافياً لغرب العراق، ما يزيد من أهميتها في الحرب التي يخوضها التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية". ويسيطر التنظيم منذ عام 2014 على كامل محافظة دير الزور، باستثناء المطار العسكري وبعض أحياء المدينة التي لا تزال تحت سيطرة قوات النظام. وفشل التنظيم في اقتحام المطار على الرغم من محاولاته المتكررة، ولكنه يفرض حصاراً برياً كاملاً عليه وعلى أحياء قريبة منه. ومن الواضح أن التحالف الدولي يتبع سياسة تشتيت قوى التنظيم في عدة جبهات، من خلال فتح عدة جبهات في وقت واحد. ويتلقى التنظيم ضربات موجعة في غرب وشمال وشرق الرقة التي تنتظر معركة مصيرية مع بداية الصيف المقبل بالتزامن مع معركة متوقعة في مدينة البوكمال.

المساهمون