على مدار يومي الإثنين والثلاثاء، عقد مجلس النواب اللبناني جلسات تشريعية تحت عنوان "تشريع الضرورة" بسبب عدم تشكيل حكومة جديدة حتى الآن، تخللها الكثير من الإشكالات، والتحذيرات من مغبة الوضع الذي يسير صوب الانهيار، من دون أن تخرج الجلسة سوى بتطمينات كلامية.
وعلى الرغم من إقرار سلة من المشاريع في اليوم الأول، إلا أن اليوم الثاني بدا عاصفاً على أكثر من صعيد، لا سيما عند فتح النقاش بشأن معاهدة "نقل وتجارة السلاح"، والتي تخللها اعتراض من قبل نواب كتلة "الوفاء للمقاومة" التابعة لـ"حزب الله"، معتبرين أنها تستهدف الحزب وسلاحه، قبل أن تقر بتصويت الأغلبية ورفض الحزب وبعض الكتل الحليفة.
كما شهدت الجلسة أكثر من سجال بين رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري والنائب جميل السيد، الذي اتهم الحريري بالابتزاز، على خلفية ملف النازحين، وتقديمات مؤتمر "سيدر"، ما استدعى رداً عنيفاً من الحريري الذي أكد أن "أي مشروع كهرباء ومياه واتصالات سيستفيد منه النازح السوري، وكل مشروع سيستفيد منه النازحون، وهذه مشاريع ضمن سيدر، وإذا كنا لا نريد أن نعمل ضمن "سيدر" فأنا لن أبقى في هذه الجلسة"، مشدداً على "أننا من ضمن المبادرة الروسية لموضوع النازحين".
اللافت في سجال الحريري والسيد أن رئيس الحكومة لقي تضامناً من قبل رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي قاطع السيد بالقول: "لم أعطيك الإذن بالكلام"، لكن الأبرز كان أيضاً في وقوف رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد إلى جانب الحريري، قائلاً "إذا لم نقر المشاريع المقررة في مؤتمر باريس فكأننا لم نفعل شيئاً، فهذه القروض محور جلستنا".
وكان الحريري في سياق حديثه أشار إلى أن "هناك حملة في البلد لضرب الاقتصاد ودفع اللبنانيين إلى الهجرة"، مشيراً إلى أن "البلد ليس في حالة يرثى لها ولدينا مقومات للنهوض بالاقتصاد"، لافتاً أيضاً إلى "حملة على الليرة والاقتصاد لإحباط اللبنانيين"، وإلى أن لدى البعض "هواية إحباط اللبنانيين".
وكان طيف عدم تأليف الحكومة سيطر على الجلسة الأولى، أول من أمس، حيث قدم أكثر من نائب مداخلة تناولت العقبات التي تعترض التأليف، إضافة إلى النقاش في أهمية التشريع في ظل الظروف التي يمر بها البلد، قبل أن يقر جملة من البنود كان أبرزها، قانون إدارة النفايات الصلبة، الذي من المتوقع أن يسمح بإنشاء محارق للتخلص من النفايات، وهو ما يعارضه المجتمع المدني، والجمعيات البيئية، بأغلبية الحاضرين باستثناء نواب حزب "الكتائب اللبنانية" الذين عارضوا.
أما في جلسة أمس، فقد أقر المجلس أيضاً رزمة من المشاريع، أبرزها الاقتراح المتعلق بدعم القروض السكنية لذوي الدخل المحدود، الذي رحل من الجلسة الصباحية إلى الجلسة المسائية، بعد نقاش مستفيض، تخلله موقف لبري، أشار خلاله إلى أن "ما حصل بالنسبة لموضوع الإسكان جريمة اجتماعية، ونحن في بلد إنساني وإذا كان هناك من شيء أتقناه هو صناعة الإنسان".
وفي ختام الجلسة بلغ عدد القوانين المقرة نحو 15، قبل أن ترفع الجلسات على وقع الخلافات أيضاً إذ طلب نواب "القوات اللبنانية" مناقشة اقتراح قانون من خارج الجدول يتعلق باعتماد أدوية السرطان، كما طرح نواب طرابلس "بحث اقتراحين يتعلقان بمرفأ طرابلس"، وأصر نواب آخرون على الاستمرار في جدول الأعمال، وحصل هرج، وانسحب نواب "القوات" و"المستقبل" من الجلسة، وفقد النصاب ورفع بري الجلسة، مؤكداً أنه "سيلتزم بما ورد في جدول الأعمال للجلسة المقبلة".
ومن خارج مجلس النواب، استمر مسلسل التصريحات المحذرة من الانهيار، هذه المرة عبر رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، الذي قال إنه "لم يبق لنا من حيلة سوى العودة إلى ابن خلدون في وصفه الاحتكار" أو في قوله "إن التجارة من السلطان مضرة بالرعايا مفسدة للجباية" أو "وفي الجباية وسبب قلتها وكثرتها"، مضيفاً: "كفى قروضاً وأسفاراً، واتعظوا في أن الظلم مؤذن بخراب العمران. كفى قروضاً وأسفاراً وأصلحوا ما تيسر قبل فوات الأوان".