لغز مقتل بدر الدين: معطيات تشكك برواية حزب الله

15 مايو 2016
قُتل بدر الدين في منطقة محصّنة أمنياً (حسين بيضون)
+ الخط -
يتزايد الغموض حول مقتل القائد العسكري في حزب الله اللبناني، مصطفى بدر الدين، في سورية، مع صدور رواية الحزب التي تلخصت باتهامه لـ"الجماعات التكفيرية" بقتل بدر الدين، وهو ما لاقى تشكيكاً كبيراً في ظل معطيات على الأرض تشكك بهذه الرواية.
وبعد إعلان نائب الأمين العام للحزب نعيم قاسم، يوم الجمعة، عن أن الحزب سيكشف "خلال ساعات أقصاها صبيحة غد (السبت) تفاصيل" عن سبب "الانفجار" الذي أدى لمقتل بدر الدين؛ أعلن حزب الله في بيانٍ مقتضب، أمس السبت، أن "التحقيقات الجارية أثبتت لدينا أن الانفجار الذي استهدف أحد مراكزنا بالقرب من مطار دمشق"، وأدى لمقتل بدر الدين "ناجم عن قصف مدفعي قامت به الجماعات التكفيرية المتواجدة في تلك المنطقة"، مضيفاً أن "الإرهابيين الذين استهدفوا بدر الدين يمثّلون رأس حربة في المشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة".
هذا البيان شككت فيه مصادر في المعارضة السورية، فيما لم تستبعده مصادر أخرى، بينما لم يُصدر حتى عصر السبت، أي فصيلٍ مسلح في ريف دمشق، بياناً رسمياً حول الحادثة، التي يشوبها الكثير من الغموض. رواية حزب الله، التي لا تزال الوحيدة حول مكان مقتل بدر الدين، تتحدث عن أنه قُتل بـ"انفجار ناجم عن قصف مدفعي"، لـ"أحد مراكزنا" قرب مطار دمشق الدولي، الذي تبعد أقرب نقطة لسيطرة المعارضة السورية المسلحة عنه هذه الأيام، نحو عشرة كيلومترات، وهي بلدة دير العصافير (غرب المطار)، وسط الغوطة الشرقية لدمشق.
وترجع أعنف المعارك التي سُجلت مع تواجد كبير لحزب الله فيها بتلك المنطقة، إلى شهر ديسمبر/كانون الأول سنة 2013، عندما شنّت فصائل مختلفة، هجوماً متزامناً بـ"معركة الله أعلى وأجل"، استهدف مواقع للحزب وقوات النظام في مناطق شمالي المطار (أهمها: دير سلمان، البلالية، الأحميدة)، فيما تعيش مناطق محيط مطار دمشق الدولي، هدوءاً نسبياً منذ أشهر، ولا تشهد هذه الأيام أية معارك بين فصائل المعارضة من جهة، وقوات النظام وحزب الله من جهة أخرى.
وبينما لم يصدر أي فصيل عسكري مقاتل بريف دمشق حتى عصر أمس، أي بيانٍ حول مقتل بدر الدين، فإن المرصد السوري لحقوق الإنسان، قال في بيان إنه "لم يُسجل إطلاق قذائف من الغوطة الشرقية على محيط مطار دمشق الدولي منذ أسبوع"، وهو ما يفتح باب تساؤلاتٍ عديدة عن حقيقة رواية الحزب الرسمية، حول مقتل أحد أبرز شخصياته العسكرية.
ويقول رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش السوري الحر، العميد أحمد بري، إن "حزب الله ألمح بداية إلى مسؤولية إسرائيل عن الحادثة كما فعل في السابق وخصوصاً عند مقتل سمير القنطار، لكن يبدو أنه قرر في النهاية إخراج رواية أكثر أريحية له وللنظام معاً"، مؤكداً في تصريحاتٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "تواصل مع جميع الفصائل المتواجدة في دمشق، حول الموضوع". ويوضح بري أن "أياً من الفصائل لم تتبنَ رسمياً عملية قتل بدر الدين"، ولا يستبعد "أن يكون قُتل أثناء تبادل قصف باتجاه مناطق الحزب"، مؤكداً أن فصائل المعارضة "تمتلك صواريخ غراد التي يصل مداها لنحو عشرين كيلومتراً، وكذلك مدفعية 130 والتي تصل قذائفها لأكثر من 27 كيلومتراً"، ولكنها "أسلحة غير دقيقة بإصابة الهدف تماماً، لكن ممكن أن تصيب هدفاً معيناً من خلال الكثافة النارية". ويختم القيادي في الجيش الحر حديثه بالقول: "الساعات المقبلة ربما تحمل جديداً"، و"علينا كذلك ألا نستبعد فرضية أن يكون قد قُتل بعملية تصفية داخلية كونه مطلوباً للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان".


أما رئيس وفد المعارضة إلى محادثات جنيف، العميد أسعد الزعبي، فرجّح في تصريحات تلفزيونية، أن تكون "الاستخبارات السورية ضالعة في اغتيال مصطفى بدر الدين"، لتغييب متهم رئيسي آخر، بعملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، على حد قوله.
من جهته، يشير المتحدث الرسمي باسم المجلس العسكري في دمشق وريفها، أبو الحكم، إلى أن "المنطقة التي وقع فيها الانفجار محصنة، وعملية الاغتيال تمت بصورة دقيقة، وإمكانيات لا تملكها فصائل المعارضة، مما ينفي مزاعم حزب الله". ويلفت أبو الحكم في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن "عملية الاغتيال غير محددة بالزمان والمكان بدقة، ولا يمكن إثباتها إلا بفحص على الجثة"، مبيّناً أن "حزب الله يعمل بأسلوب أمني، وبدر الدين مطلوب للمحكمة الدولية الخاصة بمقتل الحريري، وهناك احتمال كبير أن تكون عملية قتل بدر الدين لم تحدث"، على حد قوله. كما يلفت إلى أن "روسيا تراقب الأجواء السورية وتستطيع بدقة تحديد طريقة مقتله إن كانت صحيحة"، كاشفاً أن "مصادر أمنية للمعارضة أكدت وجود خلاف بين بدر الدين والحرس الثوري الإيراني".
ولاقت عملية قتل بدر الدين ردود فعل إيرانية عدة صبّت في اتجاه التهيئة لتصعيد ميداني في سورية، في وقت وصل فيه مساعد وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان إلى بيروت على رأس وفد من شخصيات سياسية وعسكرية وأمنية إيرانية، للمشاركة في مراسم عزاء بدر الدين. وأكد عبد اللهيان أن "طهران ستبقى ماضية في ذات الطريق لدعم محور المقاومة في حربه ضد الإرهاب"، على حد قوله. بدوره ذكر مستشار المرشد الأعلى للشؤون الدولية، علي أكبر ولايتي، في رسالة تعزية للأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، أن "دماء شهداء محور المقاومة تعني أن هذا المحور بات أقرب للانتصار"، على حد قوله. من جهته، اعتبر رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني أن مقتل بدر الدين "لا يعني أن يتوقف حزب الله والقوات التي تجاهد ضد الكيان الصهيوني عن مهامها"، مؤكدا استمرار دعم إيران لـ"الجبهة التي تقاوم الإرهاب".
أما وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان، فقال إن "دم بدر الدين سيكون العامل الرئيس الذي سيساهم باقتلاع الإرهاب من جذوره في المنطقة"، وأضاف أن "الولايات المتحدة الأميركية وهي الداعم الرئيس لداعش، فضلاً عن اسرائيل وبعض أنظمة المنطقة الخائنة للأمة الإسلامية، تحاول منع عمليات القضاء على الإرهاب والوقوف بوجهها"، على حد قوله.