العراق: ولاية ثانية للعبادي مقابل شروط يتوجب أن يتعهد بتنفيذها

25 مايو 2018
موافقة مشروطة للصدر لتولي العبادي الحكومة مجدداً(حيدر همداني/فرانس برس)
+ الخط -


قال مسؤولون سياسيون وحكوميون عراقيون، في بغداد، على صلة بالمحادثات الجارية منذ أيام بين الكتل السياسية، إن تفاهمات أولية جرت خلال الساعات الماضية بين تحالفي "النصر" و"سائرون"، تؤيدهما ثلاث كتل أخرى أصغر حجماً، أفضت إلى ما يمكن اعتباره موافقة مبدئية على ولاية ثانية لرئيس الوزراء، حيدر العبادي، لكن ضمن برنامج حكومي يلتزم به ويتعهد بتنفيذه. يأتي ذلك في الوقت الذي نجحت فيه جهود المبعوث الأممي إلى العراق، يان كوبيتش، في جمع قيادات سنية داخل البلاد، وعقد أول اجتماع لهم في بغداد منذ نحو 13 سنة، أبرزهم خميس الخنجر، وجمال الضاري، إلى جانب شخصيات أخرى مثل وضاح الصديد ومحمد الدايني، جرى خلاله التوافق على تقديم برنامج للمكون العربي السني، يكون بورقة موحدة تُعتمد خلال مشاورات تشكيل الحكومة، التي لم يعارضوا أن يكون رئيسها حيدر العبادي.

وقال وزير عراقي رفيع المستوى في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن "تحالف سائرون وافق على تولي العبادي ولاية ثانية مقابل أن يلتزم ببرنامج حكومي شامل ويتعهد بتنفيذه"، مبيناً أن "البرنامج يتضمن تشكيل حكومة وطنية بعيداً عن نظام المحاصصة الطائفي والمكوناتي في توزيع الوزراء، تشمل وزراء اختصاص وكفاءات (حكومة تكنوقراط)، والتعهد بإحالة جميع المتورطين بالفساد إلى القضاء، والإعلان عن استراتيجية تخفيف الفقر والقضاء على البطالة، وإعادة إعمار المدن العراقية المدمرة، وإنصاف ذوي العمليات الإرهابية وتعويضهم، وحل مشكلة الكهرباء، والتعهد بسحب جميع القوات الأجنبية، خصوصاً الأميركية، من العراق، والتأسيس لخط سياسي خارجي بعيداً عن أي محور في المنطقة، إضافة إلى بنود أخرى تلتزم بها الحكومة، على أن يتم مراجعة البرنامج الحكومي للعبادي كل عام، وفي حال أخفق بتنفيذه يتم سحب الثقة منه داخل البرلمان العراقي". وأشار إلى أن البرنامج الذي طرحه زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، على تحالف "النصر"، يعتبر خطوطاً عريضة، وهو نفسه الذي يريده من كل الكتل التي ترغب بالتحالف معه.

وحول موقف العبادي من تلك الشروط، أكد الوزير أن "الرجل (العبادي) يعتبر الموافقة من حيث المبدأ على ولاية ثانية له تطوراً كبيراً، ويحاول بحث التفاصيل الأخرى". وأكد أن تحالف "الوطنية" بزعامة إياد علاوي، و"القرار" بزعامة أسامة النجيفي، و"الحكمة" بزعامة عمار الحكيم، سيكونون مع "سائرون" و"النصر"، ما يشكل أكثر من 140 مقعداً برلمانياً، بشكل يجعلهم يقتربون من لقب الكتلة الأكبر داخل البرلمان، بينما تبقى الكتل الكردية بيضة القبان في حسم المشهد الانتخابي برمته. لكنه استدرك بأن الاتفاقات والتفاهمات الحالية كلها قد تتغير وتلغى، ولا يوجد شيء ثابت، والإيرانيون يراهنون على "الفتح"، ويحاولون اليوم جذب الكتل حوله. من جانبه، قال القيادي في الحزب الشيوعي العراقي، جاسم الحلفي، وهو أحد أعضاء تحالف "سائرون"، الذي يرعاه الصدر، إن ما عناه "السيد مقتدى الصدر في تغريدته صباح الخميس (أمس) هو أنه بذل جميع جهوده والتقى بالكتل السياسية العراقية في بغداد وطرح تصوراته للمرحلة المقبلة، وهي حكومة وطنية تعمل في فضاء وطني تعزز المواطنة وتوفر الخدمات للمواطنين وتسهر على كرامة العراقيين، وهذا هو تصور الحكومة لدينا". وأضاف "خلال الأيام المقبلة سيتم التشاور مع المرجعية الدينية وحلفائه"، مؤكداً أن "الفيتو فقط على الشخصيات المتهمة بالفساد، إذ لن تكون ضمن تحالفنا وكذلك أصحاب المشاريع الطائفية والمتمسكين بالمشاريع الإقليمية والأجنبية، ويبقى خيارنا وطنياً".



وكان الصدر أعلن، أمس الخميس، أنه سيطلع المرجعية الدينية في النجف على تفاصيل الاجتماعات التي أجراها خلال الأيام الماضية مع الكتل السياسية في بغداد. واستقبل الصدر، الذي يدعم ائتلاف "سائرون"، وفود الكتل الفائزة في الانتخابات التشريعية التي جرت أخيراً من أجل تشكيل الحكومة الاتحادية الجديدة. وكتب الصدر، في تغريدة، "اليوم أكملت لكم الصورة، وأتممت لكم اللمسات الأخيرة بعد أن أكملت لكم المشورة ورضيت لكم الحكومة، حكومة لا سنية ولا شيعية، ولا عربية ولا كردية، ولا قومية ولا طائفية، بل حكومة عراقية أصيلة، ومعارضة بناءة أبية سياسية سلمية". وأضاف أنه "سيطلع المرجعية الدينية والعشائر، وطبقات الشعب على تفاصيل الاجتماعات الكثيرة ليكون لهم الأقوال السديدة". وتابع "ثم ننتظر الكتل النزيهة، ذات التوجهات الوطنية الثمينة لتشكيل حكومة أبوية قوية تعطي للشعب حقوقه وللفساد عقوبة شديدة".

في هذه الأثناء، قال سياسي كردي بارز مقرب من زعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني، مسعود البارزاني، لـ"العربي الجديد"، إن إيران تحاول جذب الكتل الكردية نحو تحالف أحد أركانه "الفتح"، وعلى ما يبدو أنها غير مهتمة بمستقبل نوري المالكي السياسي هذه المرة. وأوضح القيادي الكردي حمة أمين، لـ"العربي الجديد"، أن "الإيرانيين يريدون تحالفاً كردياً مع الفتح (بزعامة هادي العامري) ووفقاً لبرنامج يحمل وعودا لإصلاح الأوضاع داخل الإقليم". وقال إن "الإيرانيين على ما يبدو غير مهتمين بكتلة دولة القانون، ويعتبرونها إكمال عدد مع تحالف الفتح، ولا يبدو أنهم متمسكون بها"، مشيراً إلى أنه تم الاتفاق على نقل المباحثات الكردية ــ الكردية إلى داخل أربيل لإعداد ورقة مطالب مشتركة لنقلها إلى بغداد.

وحول زيارة الوفد الكردي إلى السفارة الإيرانية في بغداد أمس الخميس، قال أمين "كانت تتعلق بملف الحدود والعقوبات الإيرانية على الإقليم التي أعقبت إجراء الاستفتاء، وجرى أيضاً تناول ملف مفاوضات تشكيل الحكومة مع السفير الإيراني إيرج مسجدي في بغداد". وكان مسجدي أوضح، في تصريحات على هامش اجتماعه بالوفد الكردي في مبنى السفارة ببغداد، أنّ الوقت ما زال مبكراً للحديث عن تشكيل الحكومة المقبلة، موضحاً أن "العلاقات الثنائية بين إيران وشعب كردستان مهمة جداً، ونتطلع إلى تعزيزها وتمتينها أكثر"، مضيفاً أنّ "اجتماعنا مع الوفد الكردستاني كان لمناقشة أوضاع ما بعد الانتخابات في العراق، والحوارات والتنسيق الجاري بين الأطراف السياسية لتشكيل الحكومة المقبلة". وأكد أنّ "الكتل والجهات الفائزة في الانتخابات تخوض حالياً حوارات حول تشكيل الحكومة، ويتبادلون وجهات النظر في هذا الجانب، لذا فإنّ الوقت ما يزال مبكراً للحديث عن تشكيل الحكومة الجديدة".

وأخيراً، نجحت جهود يان كوبيتش، بالتنسيق مع العبادي، لوصول اثنين من القيادات السنية المبعدة عن العراق في زمن حكومة نوري المالكي منذ العام 2006، إذ وصل خميس الخنجر زعيم كتلة "المشروع العربي" التي حصلت على ستة مقاعد خلال هذه الانتخابات، فضلاً عن جمال الضاري، وهو من أسرة الضاري العراقية المعروفة وابن عم أمين عام هيئة علماء المسلمين الراحل حارث الضاري، إلى جانب شخصيات أخرى أبعدت عن العراق بفعل مذكرات اعتقال ذات طبيعة سياسية، صدرت في زمن حكومتي المالكي الأولى والثانية. وقال محمد زيدان، وهو عضو سابق في تحالف القوى العراقية الذي تفكك أخيراً بعد دخول القوى السنية في عدة كتل متفرقة، إن "عودة بعض القيادات السياسية المبعدة سياسياً يأتي ضمن جهود فتح صفحة جديدة بالبلاد"، مبيناً، في اتصال مع "العربي الجديد"، بأنهم "ربما يكونون واجهة جديدة عن القيادات السنية السابقة التي فشلت في الانتخابات وخسرت شعبيتها"، مستدركاً بأن "ذلك لا يعني أن للشخصيات القادمة من الخارج ثقلاً لدى الشارع العراقي السني". وأشارت مصادر مقربة من مكتب نائب الرئيس العراقي، أسامة النجيفي، إلى أنه "تم الاتفاق على إعداد ورقة موحدة للكتل والقوى العربية السنية تعتمد كمعيار في تحديد تحالفاتها".