"حركة الشباب".. إمارة القرن الأفريقي

28 يونيو 2015
هدف الحركة السيطرة على الصومال (محمد عبد الوهاب/فرانس برس)
+ الخط -
لم تدع "حركة الشباب" الصومالية نفسها بعيدة عن يوم "الجمعة الدامي"، والذي ضرب الكويت وتونس وفرنسا، بل شنّت عملية مدمّرة ضد قاعدة تابعة لقوات الاتحاد الأفريقي في ليغو، جنوبي الصومال. لم يكن تفصيلاً أن الهجوم كلّف استخدام الحركة لـ15 انتحارياً أودوا بحياة 60 جندياً بوروندياً في القوات الأفريقية، بل كان "حدثاً" بحدّ ذاته، وإن لم يكن صداه الإعلامي شبيه بالصدى الكويتي والفرنسي والتونسي.

ويأتي تطوّر "حركة الشباب" بالتزامن مع تطوّر مماثل لتنظيم "بوكو حرام" في نيجيريا، ولتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في الشرق الأوسط، وفروعه في شمال أفريقيا. وهو تطوّر من شأنه رفد خلايا تلك التنظيمات بجرأة إضافية، تجلّى بعضها في عمليات عدة حول العالم. وإذا كان "داعش" و"بوكو حرام" باتا خطراً أكيداً مع توسّعهما، كلّ في نطاقه الجغرافي، فإن دور "حركة الشباب" يبدو مشابهاً، لناحية الإمساك بالقرن الأفريقي، مع ما يستجرّ ذلك من توسيع رقعة الصراع، وإغراق بلدان عدة في المستنقع الصومالي، تحديداً أثيوبيا وكينيا.

وإذا كانت الحرب "التقليدية" هي التي سيطرت في العقد الماضي، وتحديداً بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، فإن مراحل "التطوير"، والتي دشّنها "داعش" في يونيو/حزيران من العام الماضي، عبّدت الطريق أمام "بوكو حرام" و"حركة الشباب" إلى "تطوير" تمددهما الجغرافي. اختار "بوكو حرام" التمدد في عمق الجزء الأعلى من جنوبي الصحراء الأفريقية، والذي يبدأ من نيجيريا ويصل إلى تشاد، ويهدّد ليبيا والسودان، في مسعى لتكريس إمارة موالية لـ"داعش" في وسط أفريقيا. أما "حركة الشباب"، فإن انتقالها النوعي في عملياتها، أكان في الداخل الكيني أم في الصومال، يؤشر إلى مرحلة جديدة من الصراع، ستعمد من خلاله الحركة إلى العمل على حسم الوضع في جنوبي الصومال، مستغلّة عدم قدرة الاتحاد الأفريقي على التورّط أكثر في البلاد، بفعل الأزمات المتلاحقة في القارة السمراء. ما سيضع كينيا وإثيوبيا أمام حلّ واحد: التدخّل المباشر، لأن سيطرة "حركة الشباب" على مناطق الجنوب، بما فيها العاصمة مقديشو، وفي ظلّ صورة الرعب التي باشرت في تثبيتها في أذهان الصوماليين قبل باقي الأفارقة، ستُمهّد لها التقدّم نحو المناطق الشمالية في الصومال، مهددة بالسيطرة على كامل البلاد، بما فيه القرن الصومالي.

اقرأ أيضاً انتخابات إثيوبيا اليوم: عقدة "الفيدرالية الإثنية"

ويعني هذا اتساع دائرة الخطر على مضيق باب المندب، خصوصاً أن القسم الشمالي من الصومال، "صومالي لاند" (دولة مستقلة عن الصومال من طرف واحد غير معترف بها دولياً) غير قادر علی مواجهة أي تقدم لـ"حركة الشباب" من دون دعم خارجي. وسقوط "صومالي لاند" يعني إمكانية تغلغل الحركة في جيبوتي، الجزء الأضعف على ساحل البحر الأحمر، والجزء الأهم لإطلالها علی باب المندب، ولدورها اللوجستي في أزمة اليمن.

على أن "تمويل" الحركة جاهز، عبر القيام بالمزيد من عمليات القرصنة البحرية، والتي سمحت لها في البقاء على قيد الحياة مادياً، علی الرغم المحاولات الغربية، العسكرية أحياناً، لضربها. غير أنه لا يُمكن للأوروبيين الانسياق إلى عمليات عسكرية نوعية ضد "حركة الشباب"، وكذلك الأميركيين، والذين فشلوا في عملية "إعادة الأمل" في الصومال في عام 1992. والهموم الأوروبية مقتصرة على البحر الأبيض المتوسط، لمواجهة مهرّبي البشر، كما أن الحدّ الأقصى الذي يُمكن أن تعتمده الجيوش الأوروبية أفريقياً، قد يقتصر على دور فرنسي في أعلى جنوب الصحراء، تحديداً في مالي.

أما الأميركيون، فيبقون غائبين عن الصومال عسكرياً، وهم لم ينسحبوا أساساً من العراق وأفغانستان للذهاب إلى الصومال، أقلّه حتى نهاية عهد الرئيس باراك أوباما، نهاية العام المقبل. وفي غياب الأوروبيين والأميركيين، تتطلّب الساحة الصومالية تدخلاً "اضطرارياً" من إثيوبيا وكينيا، خصوصاً أن التداخل الديمغرافي بين الصومال وبين البلدين، يشي بمثل هذا الاحتمال الذي قد يكون مشتركاً، وبمساندة محدودة من الاتحاد الأفريقي. مع العلم أن أديس أبابا ونيروبي يجدان نفسيهما وسط ساحة صراع أفريقي ـ أفريقي، من السودان إلى بوروندي، في غياب أي أفق تصالحي. وسيؤدي غرقهما في المستنقع الصومالي إلى نشوب مشاكل أخرى داخلية، قد تؤدي إلى ازدياد مخاطر الانقسام الداخلي، أو أقلّه مطالبة بعض المجموعات الصومالية في كينيا وإثيوبيا بالانفصال أو بالحكم الذاتي.

أما الأمر الأكثر تعقيداً في كل هذا، فهو مدى تلاقي أو تصادم المصالح، بين تنظيم "القاعدة" الذي تنتمي إليه "حركة الشباب"، و"داعش"، خصوصاً أن "القاعدة" بات متواجداً في السواحل الجنوبية لشبه الجزيرة العربية، وعلى مشارف القرن الأفريقي، فيما يتواجد "داعش" بين الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتبدو "نقطة الالتقاء" الميداني الأقرب بينهما، في شبه الجزيرة العربية، وهو ما سيحدد صدامهما أو تلاقيهما. لذلك يبدو دور "حركة الشباب"، أكثر وضوحاً من دور "بوكو حرام" وأكثر جرأة في المرحلة المقبلة، وهو ما سيظهّر أكثر في حال كان الردّ الأفريقي ضعيفاً على هجوم الجمعة.

وتُمكن قراءة تطوّر الحركة، في تطوّر دورها وهيكليتها، من "الاتحاد الإسلامي" (1994 ـ 2006)، إلى "اتحاد المحاكم الإسلامية" (يونيو/حزيران 2006 ـ ديسمبر/كانون الأول 2006)، وصولاً إلى تركيبتها الحالية، والتي ظهرت بالتزامن مع التغييرات المماثلة للتنظيمات التابعة لـ"القاعدة" في العراق، وشبه الجزيرة العربية، وشمال أفريقيا. ومن المرجّح أن تستعيد "حركة الشباب" دور "حركة طالبان" في أفغانستان وباكستان لكن بطريقة أكثر "أفريقية"، وإن كان عنصرا "القبلية" و"الدين" سيبقيان طاغيان. ومن المؤكد أن الحركة ليست مجرّد تنظيم عابر، قد ينتهي قريباً، بل هي "مشروع" واضح، لن يتوقف قبل السيطرة على القرن الأفريقي.

اقرأ أيضاً: أطفال الصومال يبتعدون بكرة القدم عن السلاح

المساهمون