الدعوة لإضراب الأسرى الفلسطينيين في 17 إبريل: انقسامات وتحديات

08 ابريل 2017
من تظاهرة فلسطينية تضامناً مع الأسرى (محمد تلاتين/الأناضول)
+ الخط -


تواجه دعوة الإضراب المفتوح عن الطعام الذي دعا إليه القيادي الفتحاوي مروان البرغوثي في السابع عشر من الشهر الحالي، تحديات حقيقية في تنفيذ الإضراب من عدمه، بسبب عدم توافق حركة "فتح" على الإضراب بالدرجة الأولى، فضلاً عن عدم وجود إجماع بين الفصائل الفلسطينية على المشاركة في الإضراب.
وتشهد هذه الأيام حوارات مكثفة على أكثر من صعيد، أولاً بين أسرى "فتح"، وثانياً بين القيادي البرغوثي وممثلي المعتقلين من بقية الفصائل أيضاً، إلى جانب حوار مفتوح بين الأسرى وضابط الاستخبارات التابع لإدارة المعتقلات الإسرائيلية التي استلم ممثلها مطالب الأسرى من دون أي تعليق، إذ قام بجولة أخيراً في هداريم والنقب وغيرهما والتقى الأسرى من قيادات "فتح".
وتؤكد قيادات من مختلف الفصائل أن اللحظات الأخيرة في أي نقاش حول الإضراب هي الحاسمة، ولا يمكن اعتبار أي تصريحات أو معطيات حالية نهائية، حسب ما درجت عليه العادة في إضرابات سابقة، كان الوصول لنقطة الصفر يكشف تحولات مهمة في المواقف.
التحركات والحوارات داخل المعتقلات، توازيها في الخارج تحركات إسرائيلية وفلسطينية متسارعة. وعلمت "العربي الجديد" من مصادر موثوقة، أن لقاء سيجمع بين وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ، ورئيس جهاز الاستخبارات اللواء ماجد فرج، ورئيس جهاز الأمن الوقائي زياد هب الريح، بقائد المنطقة الجنوبية الإسرائيلية لنقاش مطالب الأسرى، في جهود عنوانها نزع فتيل أزمة الإضراب قبل أن تبدأ.
وتشير التقديرات الفلسطينية والإسرائيلية إلى أنه على الرغم من عدم التوافق على الإضراب، لكن تمسك القيادي مروان البرغوثي والقيادي ناصر عويص بتنفيذه ربما يجر أسرى "فتح" إلى المشاركة لحسابات قد تطرأ في حينه، أهمها تفاعل الشارع الفلسطيني مع الإضراب، وعدم الرغبة في التخلي عن قيادات فتحاوية وازنة محكومة بالمؤبد لديها رصيد رمزي ووطني كبير لدى الأسرى.
وربما تكون هذه الحسابات الفتحاوية في الشارع، بعيداً عن حسابات قيادات "فتح" التي تجتهد بإنهاء أزمة الإضراب قبل أن يبدأ، لعدة أسباب، منها محاولة إضعاف ورقة البرغوثي في المعتقلات والشارع على حد سواء، وعدم ظهوره بمظهر عضو اللجنة المركزية البطل الذي يقود إضراباً مفتوحاً عن الطعام مع مئات الأسرى. لكن الخبير في شؤون الأسرى فؤاد الخفش، يقول لـ"العربي الجديد"، إن هناك سبباً مهماً لتدخّل المستوى الأمني الفلسطيني ولقاءاته مع مستويات أمنية في دولة الاحتلال، يتمثّل بتقديم تقدير موقف عنوانه أن الإضراب سيؤدي إلى تحرك الشارع الفلسطيني لا سيما "فتح" في المخيمات والمدن، وسيكون من الصعب على أجهزة الأمن الفلسطينية ضبط الموقف أو معرفة إلى أين يمكن أن يصل. ويلفت إلى أن "هناك مصلحة فلسطينية إسرائيلية بأن تبقى الضفة هادئة، ما يعني إمكانية كبيرة بأن تؤدي هذه الجهود إلى جعل المستوى السياسي الإسرائيلي يوجه رسالة لمصلحة السجون بتقديم بعض التنازلات وتحقيق جزء كبير من المطالب".
من جهته، يقول رئيس نادي الأسير قدورة فارس، لـ"العربي الجديد"، إن "التحليلات والتوقعات لتداعيات الإضراب وارتداداته، في الخارج، ستدفع الجهات الرسمية للتحرك بشكل فعال أكثر، على أمل حل بعض المشاكل، الأمر الذي سيجنّبنا الإضراب". ويشير إلى أن "المستوى الرسمي الفلسطيني والأمن والشؤون المدنية يجب أن يتحدثوا مع الاحتلال حول الإضراب، لأننا نؤمن بمقولة مروان البرغوثي: أجمل المعارك تلك التي تنتصر فيها من دون أن تخوض الحرب"، مضيفاً "إذا حلوا المشكلة ولبوا مطالب الأسرى فهذا خبر طيب".
وينتقد فارس غياب اهتمام المستوى الرسمي بالأسرى إلا في حال الإضراب، قائلاً: "المفروض أن تُولى قضية الأسرى أولوية سواء بظروف حياتهم وتحريرهم، لكن هذا يقال على المستوى النظري، ويتردد على ألسنة الكثيرين، لكن عند الترجمة العملية أنا لست متأكداً أن هذه هي الحقيقة". ويؤكد أن المعطيات الحالية تشير إلى أن الإضراب الذي دعا إليه البرغوثي في السابع عشر من إبريل/ نيسان سينطلق بمشاركة ألف أسير، والرقم سيكون مرشحاً للارتفاع.
نقطة الضعف الكبيرة التي لا تنكرها "فتح" هي عدم مشاركة جميع أسرى الحركة في الإضراب، إذ لم يعد سراً أن هناك موازين قوى أقرب ما تكون إلى "الممالك" في المعتقلات الإسرائيلية تترأسها قيادات فتحاوية. وعلى سبيل المثال في سجن ريمون هناك مسؤول فتحاوي يشكّل مصدر ثقل في القرار منتخب ومسؤول عن الأسرى في السجن، والأمر ذاته في النقب ومجدو، ما يعني أن قرار "فتح" ليس واحداً حتى داخل المعتقلات.
الموقف في معتقل ريمون الذي علمت به "العربي الجديد" من مصادر خاصة، هو: "بعد انسحاب الفصائل من هذه الخطوة، نرى أنه من غير المناسب خوض الإضراب في هذه المرحلة، لكن يبقى باب التطوع مفتوحاً أمام كل أخ يريد الانضمام للإضراب".
الموقف ذاته كان في سجن النقب، إذ جاء في القرار التنظيمي الذي حصلت عليه "العربي الجديد": "فتح باب التطوع لمن يريد من الأسرى المشاركة في الإضراب، والقيام بخطوات تدريجية احتجاجية لاحقاً تواكب الإضراب". ويُعتبر النقب من أكبر المعتقلات التي تضم أسرى "فتح"، إذ يضم نحو ثلث أسرى حركة "فتح" المحكومين أقل من 15 عاماً.


ويعلق فارس على ما سبق بالقول: "أسرى فتح الراغبين بالمشاركة بالإضراب في ازدياد، وهناك مشاورات مستمرة، لكن في نهاية الأمر حركة فتح قبيلة أكثر مما هي تنظيم، وستنتصر روح القبيلة، الأمر الذي يعني أنه إذا بدأ الإضراب بألف لن ينتهي بألف بل بعدد أكبر".
من جهته، يعوّل الخبير فؤاد الخفش "على انضمام المئات من أسرى فتح بعد مرور نحو أسبوعين من الإضراب في حال تم البدء فيه، لأن الحركة ليست تنظيماً حديدياً مثل حماس، وهناك نسبة مرونة تصل للتمرد بين جيلها الجديد الذي سيسارع للاصطفاف إلى جنب قيادات فتحاوية عريقة مثل مروان البرغوثي وناصر عويص، رغماً عن قيادة المعتقلات الفتحاوية الرافضة للإضراب".
السيناريو ذاته يعوّل عليه أسرى محررون وخبراء في شؤون الأسرى، لكن على مستوى الفصائل وتحديداً "حماس"، التي لن تترك "فتح" تنفرد بصورة البطل في الشارع في حال تم الإضراب وستسارع للمشاركة فيه، من دون الإغفال عن الأسباب الوطنية للمشاركة.
وحسب قيادات في حركة "حماس" و"الجهاد الإسلامي" و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" وتصريحاتهم لـ"العربي الجديد"، فإن كل هذه الفصائل لن تدخل الإضراب بشكل رسمي، وهي تركت المجال لأسراها بحرية اختيار الإضراب في الأقسام التي يتواجد فيها أسرى مضربون من حركة "فتح".
ويقول الأسير المحرر محمد صبحة، المحسوب على "حماس": "في العموم لم يصلنا شيء نهائي بعد، لكن التوجّه واضح بأن حماس لن تشارك في الإضراب". وشغل صبحة عضوية الهيئة القيادية العليا لأسرى "حماس" في السجون حتى بداية عام 2016، أي حتى الإفراج عنه، وكان يقود لجنة إضراب الأسرى في ما عُرف بإضراب "الكرامة" عام 2012.
ويلفت صبحة إلى أن "الموقف له سياق، وهو أننا منذ 2004 وحتى اليوم، دعينا البرغوثي أكثر من مرة لإضرابات وطنية، ورفض أن يشارك بأي إضراب، على سبيل المثال إضراب الإداريين وإضراب الكرامة 2012، وجميع الإضرابات التي قمنا بها أو حاولنا التخطيط لها". ويضيف: "إضراب 2012 والذي كنت في حينه عضواً في لجنة الإضراب، شاركت فيه كل الفصائل باستثناء فتح، وعندما شاركت مجموعة من أسرى فتح في الإضراب تم تصدير بيان يتوعد بفصل أي أسير فتحاوي مضرب عن الطعام، وتم فصل جزء منهم بالفعل".
لكن صبحة مثل غيره من قيادات الفصائل، يؤكد أن المعطيات الحالية غير نهائية، قائلاً: "من الممكن في اللحظة الأخيرة أن يتم الاتفاق على شيء، ومن الممكن أن يغير القيادي البرغوثي رأيه ويقرر شيئاً مختلفاً، وهناك إمكانية بأن تقرر حماس في اللحظات الأخيرة المشاركة، قد تتغير المعطيات الحالية في ساعة الصفر".
ويبلغ عدد الأسرى حسب أرقام نادي الأسير الفلسطيني، نحو 6 آلاف أسير، يُشكّل أسرى "فتح" 55 في المائة من العدد الإجمالي، فيما تشير معطيات "حماس" إلى أن نسبة أسراها تصل إلى 35 في المائة، و"الجهاد الإسلامي" 11 في المائة، بينما تشير معلومات "الجبهة الشعبية" إلى وجود نحو 450 أسيراً من أبنائها في معتقلات الاحتلال.
وكانت "الجبهة الشعبية" قد أصدرت بياناً مطلع الأسبوع الحالي، أكدت فيه عدم مشاركتها بشكل رسمي في الإضراب الذي دعا إليه البرغوثي. وتعلّق القيادية في الجبهة خالدة جرار، على هذا الأمر بالقول لـ"العربي الجديد": "نحن نتمنى أن يحصل توافق على الإضراب ليكون أقوى، وما زالت هناك فرصة للتوافق على المطالب المحقة والضرورية". وتوضح أن "أسرى الجبهة الشعبية سيُضربون في الأقسام التي يتواجد فيها أسرى لفتح مضربين، وهذا ليس أمراً إجبارياً، أما الأقسام التي لا يوجد فيها أسرى مضربين من فتح فسيتم القيام بخطوات إسناد".
أما القيادي في "الجهاد الإسلامي" أحمد العوري، فيؤكد لـ"العربي الجديد"، أن "المشاركة مفتوحة لكل السجون، وكل سجن له ظرفه الخاص به، وكنا نتمنى أن يكون الإضراب متفقاً عليه وطنياً وألا يكون ضمن فصيل واحد".

المساهمون