تونس: كورونا يزعزع علاقة السلطة المحلية بالمركزية

02 ابريل 2020
بادرت البلديات بالعمل الوقائي باكراً(ياسين القائدي/الأناضول)
+ الخط -
مع تفشي وباء كورونا في تونس في الفترة الأخيرة، سارع بعض المحافظين ورؤساء البلديات إلى اتخاذ إجراءات فرضها النسق السريع للأحداث من أجل التعامل مع الفيروس والحيلولة دون انتشاره. ولم تكن الإجراءات موحّدة بين البلديات، ما دفع رئيس الحكومة التونسية إلياس الفخفاخ إلى إصدار منشور حكومي، الأسبوع الماضي، دعا من خلاله المحافظين ورؤساء البلديات وأغلب المسؤولين إلى ضرورة التنسيق مع الحكومة وإعلام السلطة المركزية مسبقاً بأي إجراءات قد تتخذ في هذا الصدد. وأتى المنشور الحكومي بعد دعوة رئيس الجمهورية قيس سعيّد في وقت سابق رؤساء البلديات إلى الالتزام بمركزية القرارات.

لم يحظَ القرار بتأييد الكونفدرالية التونسية لرؤساء البلديات، التي تأسست في شهر مارس/آذار الماضي، بل عبّرت عن مفاجأتها بالمنشور ومن تصريحات سعيد، وعدّته انتقاصاً من دور الجماعات المحلية المتمثلة في البلديات ومجالسها المنتخبة والتفافاً واضحاً على مقتضيات الدستور في بنده السابع المتعلق بالسلطة المحلية ومهامها.
 المحلل السياسي ماجد البرهومي يقول في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ الإشكال بين السلطتين اللامركزية والمركزية لم يحسم بعد، فهناك نظريات عدة تؤيد السلطة المركزية وترى أن القرار يجب أن يكون لدى المركز لتحسين إدارة الوضع، في حين أن هناك نظريات أخرى تنتصر للسلطة اللامركزية. وأوضح أن حدة هذا الإشكال برزت في المثال الإيطالي، حين برز غياب التنسيق بين السلطة المحلية الإيطالية التي تتمتع بصلاحيات واسعة والمركز، ما ساهم في تفشي الفيروس أكثر وتسجيل العديد من الوفيات.

وأضاف أنه بعد تفشي الوباء، فإن مناصري السلطة المركزية وفقهاء القانون الإداري قد يراجعون حساباتهم ويعدلون عن رأيهم بعد ما حصل في إيطاليا، مشيراً إلى أن السلطة اللامركزية تكون الأقرب عادة للمواطن وتعرف خصائص المنطقة، وبالتالي قد يكون عملها أنجع من السلطة المركزية التي لا تعرف طبيعة الوضع ميدانياً. ولفت البرهومي إلى أنه لا بد من التنسيق بين الجماعات المحلية والمجالس الجهوية، والمحافظ هو الذي يمثل السلطة المركزية، لأنه يمثل رئيس الجمهورية في منطقته ويمثل أيضاً السلطة اللامركزية كونه رئيس المجلس الجهوي، وبالتالي له وجهته في التعامل مع الأزمة. وأشار إلى أن التنسيق بين السلطتين ضروري ولا يمكن لطرف منهما إقصاء الآخر، مبيناً أن منشور رئيس الحكومة يندرج في الإطار الصحيح، لأن المطلوب هو التشاور لإيجاد معادلة مثلى في التعامل مع هذا الوضع.

من جهته، شرح علي سعيد، وهو محافظ بن عروس (من ضواحي تونس العاصمة)، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أنّ المحافظ هو رئيس اللجنة الجهوية لمجابهة الكوارث، وهو المسؤول الأول عن إدارة خلية الأزمة التي تجمع مختلف الأطراف المتدخلة من أمن وحرس وطني ومجتمع مدني. ومن خلال الخلية هناك ضبط لبرامج تمكن المحافظة من التصدي للفيروس، مضيفاً أنّ هناك لجنتان، الأولى لوجستية تتولى توفير الوسائل اللازمة لقوات الأمن الداخلي وتعقيم مقرات العمل ودعم الإطار الطبي وشبه الطبي، والثانية تهتم بالوضع الاجتماعي للفئات الاجتماعية الهشة، التي تستحق الدعم في هذا الظرف وتعمل أيضاً على متابعة توفر المواد الأساسية.

وأشار إلى أنّ فيروس كورونا غيّر من أجندات العمل، فباتت له أولوية ضمن اهتمامات المحافظة، وكل الجهود مركّزة على التصدي له، مضيفاً أن منشور رئيس الحكومة والدعوة لمزيد من التنسيق لا يحدّان من عمل المحافظين بل يكملانه، لأن عملهم كبير، والمحافظ ليس شخصاً وإنما عبارة عن مؤسسة، وعندما يقتضي الأمر الرجوع للمركز فعليه ذلك، خصوصاً عندما تكون هناك بعض الإشكاليات العالقة من دون حل. وأوضح أن هذا لا يعني أنه ليست لديهم صلاحيات، بل يعملون على أن تكون لديهم نظرة استباقية للبحث عن حلول.



من جهة أخرى، رأى محافظ القيروان، محمد بورقيبة، أنّ المحافظ يمثل رئيس الحكومة ومطالب بتطبيق سياسة وقرارات الحكومة، لكن في الوقت نفسه هو رئيس لجنة مجابهة الكوارث ورئيس المجلس الجهوي للأمن، ومفوّض بتقدير الموقف والتدخل، وفي الوقت عينه يتعيّن عليه تطبيق قرارات رئيس الجمهورية وتنفيذ توجهات الحكومة وأعضائها. وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن المحافظ يتمتع بصلاحيات لاتخاذ القرارات المناسبة في الأزمات وإصدار الإجراءات المتماشية مع خصوصيات المنطقة، لأن كل محافظ مسؤول فقط عن منطقته. ولفت بورقيبة إلى أنّ "تونس تعيش على وقع فيروس كورونا وهناك خطط عمل وطرق للوقاية تختلف من محافظة إلى أخرى، وعلى المحافظ أن ينظر في خطة العمل والإمكانيات المتاحة للجهة، إلى جانب التنسيق مع جميع الأطراف، من مجتمع مدني وإدارات، للتدخل في الوقت المناسب، ومواكبة تزويد المنطقة بالحاجات الأساسية والعناية بالعائلات المحتاجة ومقاومة الاحتكار. وأكد أن أغلب أجندات العمل تغيّرت، من التركيز على مشاغل الجهة والجانب التنموي إلى مقاومة فيروس كورونا، لأنه في صدارة الاهتمامات حالياً. وأشار إلى أنّ بعض المحافظين، على خلفية الأزمة الحالية وفي إطار صلاحياتهم، اتخذوا إجراءات ذات صبغة خصوصية، ولكن ربما عليهم التنسيق على مستوى أخذ القرارات مع المركز، وفي هذا الإطار أتى منشور رئاسة الحكومة.

ولفت بورقيبة إلى أنه طُلب منهم القيام بدورهم وممارسة صلاحياتهم في إطار القانون والعمل في أريحية واتخاذ القرارات ومعاقبة المخالفين، وذلك في الندوة الأخيرة بين رئيس الحكومة والمحافظين، في ظلّ الوضع الاستثنائي. وأكد أنه في الوقت نفسه يتعين عليهم تطبيق قرارات رئيس الحكومة والوزراء بكل حزم تجاه المخالفين والمحتكرين وكل من يخالف القانون ويعمد إلى تعقيد الوضع.

بدوره، رأى رئيس الكونفدرالية التونسية لرؤساء البلديات، رئيس بلدية روّاد، عدنان بو عصيدة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه في الوقت الذي بدأت فيه البلديات والجماعات المحلية تكتسب الثقة لتؤدي دورها وتقترب من المواطن، أتى هذا المنشور الحكومي الذي يهدف إلى الحد من دور البلديات، مشيراً إلى أنّهم فوجئوا بهذا المنشور لأنه يتنافى والقانون وروح الدستور.

ولفت إلى أنّ القانون أعلى من المنشور، ويبدو أن رئيس الحكومة تناسى الفصل 14 من الدستور، الذي ينصّ على التزام الدولة بدعم اللامركزية، مشدّداً على أنّ الجماعات المحلية هيكل من هياكل الدولة لكنهم ليسوا أجراء لدى الحكومة، بل منتخبون ويعملون في إطار قانون ملزم. وأضاف بو عصيدة أنّ أغلب البلديات، ومنذ بداية أزمة كورونا، كانت سبّاقة في اتخاذ القرارات، ثم تولت الحكومة اعتماد هذه الإجراءات، موضحاً أن قرار إغلاق الأسواق الأسبوعية اعتمدته أولاً بلدية صفاقس، كما تولت بلدية حي التضامن رفع الكراسي والطاولات من المقاهي لتجنب الاكتظاظ، وبادرت بلدية سوسة بمنع الشيشة (النرجيلة). وأكد أن هذا لا ينفي أن بعض القرارات قد تكون خاطئة ربما لسوء تقدير أو سرعة مبادرة، ولكن الوضع استثنائي ولا يوجد أي طرف تعامل سابقاً مع وضعية مشابهة.

وكشف أن البلديات لم تعمل بمفردها بل نسقت مع المجتمع المدني والجمعيات والكشافة التونسية والهلال الأحمر والمواطنين ورجال الأعمال الذين دعموا بلدياتهم بالمعدات ومواد التعقيم. البلديات كانت سبّاقة أيضاً في تعقيم المؤسسات العامة والشوارع، بينما بدأت بلديات فرنسا في اعتماد الأمر عينه في الفترة الأخيرة. ولفت بو عصيدة إلى أنّهم فوجئوا بمنشور رئيس الحكومة الذي يعني الحد من الاجتهاد وتقليص المجهود البلدي ومن السلطة اللامركزية، وقد سبقه رئيس الجمهورية الذي دعا إلى العودة إلى المركز، مشيراً إلى أن التجاذبات بين السلطتين المركزية واللامركزية استغرقت نحو سنتين في تونس، ثم حُسم هذا الجدل.

واعتبر أن لا معنى لهذا المنشور لأن الإجراءات اتُخذت وانتهى الأمر، بالتالي على رئيس الحكومة توفير المواد الأساسية للمواطنين، موضحاً أن الوضع استثنائي وحالة الحرب تقتضي الامتثال لقرارات الحكومة وأنه لا مجال للتجاذبات حالياً مع المركز، ولكن هناك مسائل ذات أولوية أكثر تهمّ قوت المواطن والتي يجب على الحكومة الاعتناء بها. وحول ضرورة التنسيق لتجنب السيناريو الإيطالي، ردّ بو عصيدة أنهم لا يرفضون العودة للمركز، ولكنهم يتمسكون بالدور اللامركزي فهم جنود الميدان وهم الأدرى بالواقع، معتبراً أنّ على المركز التقيّد بدوره وتجنب انعدام الثقة في التواصل مع رؤساء البلديات أو محاولة التعتيم على بعض المعلومات.

المساهمون