دبلوماسية إدارة ترامب بعد مغادرة رجل "التهدئة": زمن العسكر

14 مارس 2018
اكتمال عقد العسكر في البيت الأبيض (نيكولاس كاميم/فرانس برس)
+ الخط -




جرت إقالة الوزير ريكس تيلرسون بصورة وفي لحظة تسلطان الكثير من الأضواء على صيغة الإقالة كما على واقع السياسة الخارجية الأميركية الراهن والقادم منها. في الإخراج، كانت الصيغة فجّة ومشحونة بالمرارة. كانت عملية تصفية حساب لا تخلو من الإهانة.

الرئيس دونالد ترامب لم يفاتح وزيره بالموضوع إلا بمكالمة هاتفية بعد ثلاث ساعات من قرار الإقالة. بدوره، الوزير، في بيانه الوداعي الذي ألقاه بحضور صحافي حاشد دعا إليه قبل نصف ساعة من موعد تلاوته في قاعة الإيجاز الصحافي بالوزارة؛ لم يذكر ترامب، لا بكلمة شكر ولا بالإشارة إلى فترة التعاون معه كوزير في إدارته.

كان ذلك كافياً للتعبير عن مدى الاستياء والتنابذ بين رجل "التهدئة الدبلوماسية" كما سمّاه مايكل أوهانن من مؤسسة بروكينغز للدراسات وبين الرئيس ترامب الذي لا يتقبل بسهولة طيوراً من خارج السرب.

تيلرسون كان يحرص أكثر من غيره من الوزراء على الإعراب ولو بصيغة دبلوماسية مبطّنة، عن تمايز موقفه عن البيت الأبيض في أكثر من ملف. تفرّد لا يطيقه الرئيس الذي لا يتوقع من أركان إدارته غير الولاء. ربما شذّ عن هذه القاعدة وزير الدفاع جيمس ماتيس الذي كان يعرب عن تحفظاته بعيداً عن الأضواء والذي كان الرئيس يتقبلها من باب التقدير لمهنيته العسكرية ولحاجته لهذه المهنية كوزير للدفاع.

البقية من الوزراء، إما انضبطوا وإما استندوا في تمايزهم إلى حصانة مانعة من جانب الأغلبية في مجلس الشيوخ، كما هي حال وزير العدل جيف سيشنز الذي انقلب عليه الرئيس رغم أنه كان من طلائع مؤيديه، لأنه نأى بنفسه عن ملف التحقيقات الروسية التي كان الرئيس يتوقع أن يكون صديقه القديم في طليعة المدافعين عنه فيها. الرئيس ترامب يهمه الولاء أكثر من النتائج. لكن سيشنز محصّن بالكونغرس وليس مثل تيلرسون الذي أتى من خارج الطبقة السياسية.





أما في واقع سياسة ترامب الخارجية وجديدها على يد مايك بومبيو، فإن خروج تيلرسون قد يؤذن بانتهاء الازدواجية في خطابها وفي تعاطيها مع سائر الملفات. فطوال نيف وسنة بقيت هذه السياسة تتأرجح بين الغموض والتقلب. مسؤولها الأول لا يرى الأمور بعين واحدة مع رئيسه. بقي هو في واد ورئيسه في واد آخر.

من كوريا إلى إيران مروراً بالخليج وروسيا. حالة أربكت الدبلوماسية الأميركية والمعنيين بها، بقدر ما أربكت الحلفاء وقدمت هدية ثمينة للخصوم. كما تسببت بموجة عارمة من الاستقالات في صفوف السلك الدبلوماسي في الوزارة وبما حمل على إطلاق التحذيرات من التداعيات. وقد اندرج في هذه الخانة التمايز بين موقف تيلرسون الذي غالبا ما يدين موسكو وصمت البيت الأبيض بشأن التصفيات التي تعرض لها في لندن معارضون روس للرئيس فلاديمير بوتين والتي حملت بريطانبا على توجيه إصبع الاتهام لموسكو من دون أي تضامن من جانب إدارة ترامب مع الحليف الأوروبي الأول.

الآن انتهت هذه الازدواجية، إذ تبدأ مع الوزير البديل مرحلة الانسجام بين الخارجية والبيت الأبيض. بومبيو موالٍ يمارس بالتنسيق مع البيت الأبيض والتعبير عن توجهاته من دون إضافات. وهو بصفته عسكريا سابقا متخرجا من المدرسة الحربية العريقة ويست بوينت ولاحقاً رئيساً للجنة الاستخبارات في مجلس النواب ثم مديراً لوكالة الاستخبارات سي آي إيه، رجل منضبط لا يخرج عن الخط. يعمل وفق منطق الهرمية أكثر مما يتقن لعبة المخارج الدبلوماسية. وهو بالنهاية ينتمي إلى نفس الخط اإايديولوجي المتشدد ذي النظرة الأحادية المتوجسة من الآخر وبما يلتقي مع فلسفة وسياسة البيت الأبيض الخارجية.


معه وبترشيح جينا هاسبل لخلافته في السي آي إيه، يكتمل عقد عسكريتاري التوجه لجهاز الأمن القومي الذي يشغل العسكريون مواقعه المفصلية: مكماستر وماتيس وبومبيو والآن هاسبل بنت المؤسسة الاستخباراتية التي تفيد المعلومات بأنه سبق لها أن أشرفت على معتقل سري شهد عمليات تعذيب؛ ولو أنها قامت بذلك وفقاً لأوامر رؤسائها كما يقول أوهنلن. علماً بأن ماتيس يعتبر من العناصر الرئيسية الكابحة لتوجهات الإدارة. وحتى الجنرال مكماستر كذلك إلى حد ما وهو كان وربما لا يزال على لائحة المرشحين للإقالة أو الاستقالة، حسب المتداول مؤخراً.

تغيير تيلرسون في حقيقته تغيير لنهج، حاول صاحبه لجم التشدد غير المحسوب والاستعاضة عنه بالدبلوماسية ولو أنه أخذ عليه تقليص جهاز وموازنة وزارته المعنية بهذه الدبلوماسية بحوالي الثلث تلبية لطلب البيت الأبيض. لكن ذلك بقي بدون جدوى ولم يشفع بالوزير الذي عانى من الإبعاد والتهميش إلى أن وصلته الإقالة عبر تويتر. التغيير من خط تيلرسون إلى نقيضها ستظهر نتائجه بشكل حاد في الشرق الأوسط أكثر من غيره باعتباره الحلقة الأضعف.