ملف ريجيني: تولي دي مايو الخارجية الإيطالية يقلق السيسي

08 سبتمبر 2019
دي مايو وكونتي متقاربان فكرياً وسياسياً (ماركو رافاغلي/Getty)
+ الخط -
تتابع دائرة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بمزيجٍ من الاهتمام والقلق، التطورات السياسية في إيطاليا، مع خروج الحليف الأبرز للسيسي في روما، زعيم حزب "رابطة الشمال"، ماتيو سالفيني، من التحالف الحكومي، وزيادة عدد المقاعد الوزارية الخاصة بحركة "الخمسة نجوم"، وتولي زعيمها الشاب لويجي دي مايو وزارة الخارجية، خلفاً للوزير المستقل القريب من سالفيني، إنزو ميلانيزي.

وكان دي مايو عبّر عن مواقف متشددة وداعية لاستخدام طرق غير تقليدية وقاسية ضد القاهرة، خلال وجوده في المعارضة عام 2016، الذي شهدت بدايته مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني في العاصمة المصرية (اختفى في القاهرة في 25 يناير/ كانون الثاني 2016، وعثر على جثته وعليها آثار التعذيب على طريق مصر الإسكندرية مطلع فبراير/شباط من العام نفسه). وبعد دخوله حكومة جوزيبي كونتي وزيراً للتنمية الاقتصادية العام الماضي، كان دي مايو الضيف الإيطالي الأثقل على الرئيس المصري، عندما حذر بشكل واضح في أغسطس/ آب 2018 لدى زيارته القاهرة من انهيار العلاقات المصرية الإيطالية بسبب تمسك المسؤولين المصريين بعدم الإفصاح عن طبيعة التحقيقات التي يجرونها في قضية ريجيني، وعدم تقديم أي مساعدة للجانب الإيطالي، تمكنه من التوصل للشخصيات الضالعة في الجريمة.

وخلال لقائه الوحيد بالسيسي، قال دي مايو إن "حلّ قضية ريجيني أساس تجديد التناغم في العلاقة بين البلدين، وبعدها يمكن الحديث عن ضخّ مزيد من الاستثمارات الإيطالية في مصر استغلالاً لرغبة الرئيس المصري في جذب مزيد من الاستثمارات وتقديم حوافز كبيرة لرجال الأعمال الإيطاليين". وكان زعيم "الخمسة نجوم" يطالب سابقاً، من مقاعد المعارضة، الحكومة باتخاذ خطوات لمعاقبة مصر اقتصادياً رداً على كل خطوة يترتب عليها تأخير التوصل لحقيقة ما جرى للطالب الإيطالي، وتقديم المجرمين للعدالة.


وقالت مصادر دبلوماسية، لـ"العربي الجديد"، إن "دي مايو ليس بالشخص اللطيف بالنسبة للسيسي أو بالنسبة لوزير خارجيته سامح شكري، فهو ينتمي لجيل يعتبره الرئيس المصري أقل خبرة وأكثر اندفاعاً، إذ يبلغ من العمر 33 عاماً، كما أن خلفيته التعليمية والمهنية وتوجهات حركته السياسية ليست مفضلة للسيسي بطبيعة الحال.  وسبق لدي مايو أن عمل صحافياً وتاجراً، كما أن حركة خمسة نجوم، وإن كانت شعبوية ومناهضة للعولمة، إلا أنها أقل حدة في التعامل مع ملفات اللاجئين والهجرة التي كانت المحرك الأساسي لحصول السيسي على دعم سالفيني اليميني المتطرف والأكثر شعبوية".

وفي ما يخص قضية ريجيني، فإن سالفيني كان من أنصار عدم ممارسة ضغوط خارجة عن المألوف على مصر، وكان له تصريح شهير في ديسمبر/ كانون الأول 2018 قال فيه "نحن نحكم إيطاليا ولا نحكم مصر"، وهو ما لم يكن مرحباً به من قبل رئيس الوزراء كونتي، المعروف بقربه فكرياً وسياسياً من حركة الخمسة نجوم، والتي يبدو زعيمها دي مايو الصوت الأقوى والأكثر تأثيراً في الحكومة حالياً.

وأضافت المصادر أن دي مايو كان خلال العام الماضي على تواصل دائم بأطراف عدة مهتمة بملف ريجيني، أولها والدا الشاب المقتول ريجيني، باولا وكلاوديو ريجيني، اللذان تحولا إلى رمز وطني للإصرار على الوصول للحقيقة، ويحظيان بدعمٍ كبير من القوى اليسارية وأحزاب الوسط أيضاً، والمدعي العام بروما جوزيبي بيجناتوني الذي كان قد اجتمع معه قبل وبعد زيارته الوحيدة إلى القاهرة لدراسة سبل الضغط السياسي على مصر، ولذلك فإن دي مايو أعرب للصحافيين في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عن "شكره" للادعاء الإيطالي "على العمل الكبير الذي قام به في تلك الفترة في ظل عدم وفاء مصر بتعهداتها بتقديم إجابات واضحة لأسئلتنا".

وكان آخر ضغط سياسي على مصر بالطرق الدبلوماسية حصل بعد تشكيل حكومة كونتي الأولى ويتمثل في استدعاء وزير الخارجية السابق إنزو ميلانيزي السفير المصري لدى روما هشام بدر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أيضاً، لحثّه على نقل الغضب الإيطالي من التباطؤ المصري، بعدما أصرت النيابة العامة المصرية على عدم منح نظيرتها الإيطالية تفاصيل التحقيقات التي من المفترض أنها أجرتها في قضية مقتل أفراد عصابة السرقة التي ادعت الشرطة أنها هي التي اختطفت ريجيني بدافع السرقة وعذبته حتى الموت ووجدت الشرطة متعلقاته مع أفرادها، وهي الرواية التي اضطر النائب العام المصري نبيل صادق لإعلان عدم معقوليتها تحت ضغط الإيطاليين منذ أكثر من عام، لكن لم يحدث أي تحسن ملموس.

وأوضحت المصادر أن بعض النواب المقربين من دي مايو كانوا أصحاب مقترح تخفيض المبيعات العسكرية وصادرات الأسلحة لمصر عند اتخاذ البرلمان الإيطالي قراراً بتجميد العلاقات مع البرلمان المصري في خريف العام الماضي، وهو المشروع الذي لوحت به حكومة كونتي مراراً لكن لم يدخل أبداً حيز التنفيذ. بل إن وثيقة صادرة عن وزارة الخارجية الإيطالية نشرت تفاصيلها "العربي الجديد" في يوليو/تموز الماضي أظهرت أن مصر اشترت أسلحة ومعدات ونظم إلكترونية أمنية وعسكرية من إيطاليا في 2018 بقيمة 69.1 مليون يورو، مسجلة بذلك رقماً قياسياً في تاريخ العلاقة بين البلدين، واحتلت المركز العاشر في قائمة الدول المستوردة للسلاح الإيطالي بصفة عامة، والأولى في قارة أفريقيا.

وأرسل المدعي الإيطالي في أغسطس/آب الماضي، بحسب مصادر قضائية مطلعة، طلباً للنيابة العامة للاطلاع على مستجدات التحقيق في القضية، وما تم فيها خلال الشهور الثمانية الماضية التي سيطر عليها جمود في التعاون الثنائي القضائي بين البلدين في هذه القضية، نتيجة عدم سماح السلطات المصرية باستجواب أي من الضباط المشتبه فيهم في إيطاليا، وامتناعها عن تقديم أي إفادات عما إذا كانت قد أجرت بعض التحقيقات معهم من عدمه، وذلك بعد إعلان رئيس الوزراء جوسيبي كونتي في اجتماع السفراء الدوري في روما أنه لن يكف عن مطالبة مصر بتوضيح الحقيقة بالطرق السياسية.

وتم تعليق التنسيق بين الطرفين تماماً منذ ديسمبر/ كانون الأول 2018 عندما زار وفد إيطالي دبلوماسي قضائي مشترك القاهرة للتعرف على مصير الطلبات الإيطالية بتسليم التحقيقات الخاصة بقضية مقتل أفراد عصابة السرقة التي سبق اتهامها بتعقب وقتل ريجيني قبل أن يعلن الطرفان المصري والإيطالي عن استحالة حدوث تلك الرواية وسقوطها من اعتبارات المحققين. وفي مايو/ أيار الماضي، حصلت روما من ضابط أفريقي تحدث أمامه بالصدفة ضابط مصري شارك في عملية القبض على ريجيني وقتله، على معلومات تفيد بأن ريجيني لفظ أنفاسه الأخيرة داخل السيارة التي ألقت جثته، وأغلب الظن أنه لم يمت في مكان ثم تم نقله بالسيارة، بل أن تعذيبه واستجوابه وقتله تم داخل السيارة التي ألقت جثته. ويطرح هذا الأمر تساؤلات عديدة عن سيناريو الأيام السابقة لواقعة القتل، وطبيعة المعلومات التي حصل عليها الضباط من ريجيني أو سألوه عنها، وما إذا كانوا ينوون تركه، وما إذا كانت آثار التعذيب التي بقيت في جسده وليدة لحظة القتل أم أنه عانى آلام التعذيب لأيام عدة قبلها.

ولا يملك الادعاء الإيطالي وفقاً للقانون الدولي والاتفاقيات المشتركة حق توجيه اتهام من جانب واحد لأي مسؤول مصري.